فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَدٗاۗ سُبۡحَٰنَهُۥۖ بَل لَّهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ كُلّٞ لَّهُۥ قَٰنِتُونَ} (116)

قوله : { وَقَالُوا } هم اليهود والنصارى ، وقيل اليهود : أي قالوا : { عُزَيْرٌ ابن الله } [ التوبة : 30 ] وقيل النصارى : أي : { قَالُوا المسيح ابن الله } [ التوبة : 30 ] وقيل : هم كفار العرب : أي : قالوا الملائكة بنات الله . وقوله : { سبحانه } قد تقدم تفسيره ، والمراد هنا تبرؤ الله تعالى عما نسبوه إليه من اتخاذ الولد . وقوله : { بَل لَّهُ مَا فِي السموات والأرض } ردّ على القائلين : بأنه اتخذ ولداً ، أي بل هو مالك لما في السموات ، والأرض ، وهؤلاء القائلون داخلون تحت ملكه ، والولد من جنسهم لا من جنسه ، ولا يكون الولد إلا من جنس الوالد . والقانت : المطيع الخاضع ، أي : كل من في السموات والأرض مطيعون له ، خاضعون لعظمته ، خاشعون لجلاله . والقنوت في أصل اللغة أصله القيام . قال الزجاج : فالخلق قانتون ، أي : قائمون بالعبودية ، إما إقراراً ، وإما أن يكونوا على خلاف ذلك ، فأثر الصنعة بين عليهم ، وقيل أصله الطاعة ، ومنه { والقانتين والقانتات } [ الأحزاب : 35 ] وقيل : السكون ، ومنه قوله : { وَقُومُوا لِلَّهِ قانتين } [ البقرة : 238 ] ولهذا قال زيد بن أرقم : كنا نتكلم في الصلاة حتى نزلت { وَقُومُوا لِلَّهِ قانتين } فأمرنا بالسكوت ، ونهينا عن الكلام . وقيل القنوت : الصلاة ، ومنه قول الشاعر :

قَانِتاً لله يَتْلو كتُبه *** وَعَلى عَمدٍ من النَّاسِ اعْتَزَل

والأولى أن القنوت لفظ مشترك بين معان كثيرة ، قيل : هي ثلاثة عشر معنى ، وهي مبينة ، وقد نظمها بعض أهل العلم ، كما أوضحت ذلك في شرحي على المنتقى .

/خ118