المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلۡإِسۡلَٰمُۗ وَمَا ٱخۡتَلَفَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُ بَغۡيَۢا بَيۡنَهُمۡۗ وَمَن يَكۡفُرۡ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ} (19)

19- إن الدين الحق المرضي عند الله هو الإسلام ، فهو التوحيد والخضوع لله في إخلاص ، وقد اختلف كل من اليهود والنصارى في هذا الدين فحرَّفوا وبدَّلوا ولم يكن اختلافهم عن شبهة أو جهل إذ جاءهم العلم ، بل كان للتحاسد والتطاول ، ومن يجحد بآيات الله فلينتظر حساب الله السريع .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلۡإِسۡلَٰمُۗ وَمَا ٱخۡتَلَفَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُ بَغۡيَۢا بَيۡنَهُمۡۗ وَمَن يَكۡفُرۡ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ} (19)

قوله تعالى : { إن الدين عند الله الإسلام } . يعني الدين المرضي الصحيح كما قال ( ورضيت لكم الإسلام دينا ) . وقال ( ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه ) وفتح الكسائي الألف من " إن الدين " رداً على أن الأولى تقديره ، شهد الله انه لا إله إلا هو ، وشهد أن الدين عند الله الإسلام . أو شهد الله أن الدين عند الله الإسلام بأنه لا إله إلا هو ، وكسر الباقون الألف على الابتداء ، والإسلام : هو الدخول في السلم ، وهو الانقياد والطاعة ، يقال : أسلم أي دخل في السلم واستسلم .

قال قتادة في قوله تعالى : ( إن الدين عند الله الإسلام ) قال : شهادة أن لا إله إلا الله ، والإقرار بما جاء من عند الله تعالى . وهو دين الله الذي شرع لنفسه وبعث به رسله ، ودل عليه أولياءه ، فلا يقبل غيره ، ولا يجزي إلا به .

أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أنا أبو اسحق الثعلبي ، أنا أبو عمرو الفراوي ، أنا موسى عمران بن موسى ، أنا الحسن بن سفيان ، أنا عمار بن عمرو بن المختار ، حدثني أبي عن غالب القطان قال : أتيت الكوفة في تجارة فنزلت قريباً من الأعمش وكنت أختلف إليه ، فلما كنت ذات ليلة أردت أن أنحدر إلى البصرة ، فإذا الأعمش قائم من الليل يتهجد فمر بهذه الآية ( شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم ) ثم قال الأعمش : وأنا أشهد بما شهد الله به ، وأستودع الله هذه الشهادة ، وهي لي عند الله وديعة ( إن الدين عند الله الإسلام ) قالها مراراً ، قلت : لقد سمع فيها شيئاً ، فصليت الصبح معه وودعته ثم قال : إني سمعتك تقرأ آية ترددها فما بلغك فيها ؟ قال لي : أو ما بلغك ما فيها ؟قلت : أنا عند منذ سنتين لم تحدثني ، قال : والله لا أحدثك بها إلى سنة ، فكتبت على بابه ذلك اليوم وأقمت سنة ، فلما مضت السنة قلت : يا أبا محمد ، قد مضت السنة . قال : حدثني أبو وائل ، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يجاء بصاحبها يوم القيامة فيقول الله : إن لعبدي هذا عندي عهداً ، وأنا أحق من وفي بالعهد ، أدخلوا عبدي الجنة " .

قوله تعالى : { وما اختلف الذين أوتوا الكتاب } . قال الكلبي : نزلت في اليهود والنصارى ، حين تركوا الإسلام ، أي وما اختلف الذين أوتوا الكتاب في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم .

قوله تعالى : { إلا من بعد ما جاءهم العلم } . يعني بيان نعته في كتبهم . وقال الربيع بن أنس : إن موسى عليه السلام لما حضره الموت دعا سبعين رجلاً من أحبار بني إسرائيل فاستودعهم التوراة ، واستخلف يوشع بن نون ، فلما مضى القرن الأول والثاني والثالث وقعت الفرقة بينهم ، وهم الذين أوتوا الكتاب من أبناء أولئك السبعين ، حتى أهرقوا بينهم الدماء ، ووقع الشر والاختلاف ، وذلك من بعد ما جاءهم العلم يعني بيان ما في التوراة .

قوله تعالى : { بغياً بينهم } . أي طلباً للملك والرياسة فسلط الله عليهم الجبابرة . وقال محمد بن جعفر بن الزبير : نزلت في نصارى نجران ومعناها : وما اختلف الذين أوتوا الكتاب ( يعني الإنجيل ) في أمر عيسى عليه السلام ، وفرقوا القول فيه ( إلا من بعد ما جاءهم العلم ) . بأن الله واجد ، وأن عيسى عبده ورسوله ( بغياً بينهم ) أي للمعاداة والمخالفة ( ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب ) .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلۡإِسۡلَٰمُۗ وَمَا ٱخۡتَلَفَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُ بَغۡيَۢا بَيۡنَهُمۡۗ وَمَن يَكۡفُرۡ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ} (19)

وقوله { إِنَّ الدِّينَ عِندَ الله الإسلام } جملة مستأنفة مؤكدة للجملة الأولى . وأصل الدين فى اللغة الجزاء والحساب . يقال دنته بما صنع أى جازيته على صنيعه ، ومنه قولهم : كما تدين تدان أى ، كما تفعل تجازى ، وفي الحديث " الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت " والمراد به هنا ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من عند ربه من عقائد وتكاليف وتشريعات ، فيكون بمعنى الملة والشرع .

أى : إن الشريعة المرضية عند الله - تعالى - هى الإسلام ، والإسلام في اللغة هو الاستسلام والانقياد يقال : أسلم أى انقاد واستسلم . وأسلم أمره لله سلمه إليه والمراد به هنا - كما قال ابن جرير : " شهادة أن لا إله إلا الله ، والإقرار بما جاء من عند الله ، وهو دين الله الذى شرعه لنفسه وبعث به رسله ، ودل عليه أولياءه ، لا يقبل غيره ولا يجزى بالإحسان إلا به " وهو الدين الحنيف الذى جاء به محمد صلى الله عليه وسلم .

وقال ابن كثير : وقوله - تعالى - { إِنَّ الدِّينَ عِندَ الله الإسلام } إخبار منه تعالى - بأنه لا دين عنده يقبله من أحد سوى الإسلام ، وهو اتباع الرسل فيما بعثهم الله به في كل حين حتى ختموا بمحمد صلى الله عليه وسلم الذي سد جميع الطرق إليه إلا من جهة محمد صلى الله عليه وسلم ، فمن لقي الله تعالى - بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم بدين على غير شريعته فليس بمتقبل كما قال - تعالى - { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ منه } الآية . وقال في هذه الآية مخبراً بانحصار الدين المتقبل عنده في الإسلام { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام } وقوله : { عِندَ الله } ظرف العامل فيه لفظ الدين لما تضمنه من معنى الفعل ، أى الذى شرع عند الله الإسلام . ويصح أن يكون صفى للدين فيكون متعلقا بمحذوف أى الكائن أو الثابت عند الله الإسلام . وفى إضافة الدين إلى الله - تعالى - بقوله { عِندَ الله } وباعتبار الإسلام وحده ، هو دين الله ، كما يدل على ذلك تعريف الطرفين ، إشعار بفضل الإسلام ، لأن له ذلك الشرف الإضافى إلى خالق هذا الكون ومربيه ، فهو دين الله الذى شرعه لخلقه .

ثم بين - سبحانه - أن اختلاف أهل الكتاب في شأن الدين الحق لم يكن عن جهل منهم بالحقائق وإنما كان سببه البغى والحسد وطلب الدنيا فقال - تعالى - { وَمَا اختلف الذين أُوتُواْ الكتاب إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ العلم بَغْياً بَيْنَهُمْ } .

أى : وما كان خلاف الذين أوتوا الكتاب من اليهود والنصارى فيما جاءهم به الرسول صلى الله عليه وسلم إلا من بعد أن علموا بأن ما جاءهم به هو الحق الذي لا باطل معه ، فخلافهم لم يكن عن جهل منهم بأن ما جاءهم به هو الحق وإنما كان سبه البغي والحسد والظلم فيما بينهم .

وفي التعبير عنهم بأنهم { أُوتُواْ الكتاب } زيادة تقبيح لهم ؛ فإن الاختلاف بعد إتيان الكتاب أقبح وأفحش ، إذ الكتاب ما نزل إلا لهدايتهم ، وسعادتهم فإذا تركوا بشاراته وتوجيهاته واتبعوا أهواءهم كان فعلهم هذا أشد قبحا وفحشا .

وقوله { إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ العلم } زيادة أخرى في تقبيح أفعالهم ، فإن الاختلاف بعد مجيء العلم أزيد في القبح والعناد .

والاستثناء من أعم الأحوال أو الأوقات ، أى وما اختلفوا في حال من الأحوال أو فى وقت من الأوقات إلا بعد أن علموا الحق ، والعلم بالحق وحده لا يكفي في الإيمان به ، ولكنه يحتاج إلى جانب ذلك إلى قلب مخلص متفتح لطلبه ، وكم من أناس يعرفون الحق معرفة تامة ولكنهم يحاربونه ويحاربون أهله ، لأنهم يرون أن هذا الحق يتعارض مع أهوائهم وشهواتهم وصدق الله إذ يقول . { الذين آتَيْنَاهُمُ الكتاب يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الحق وَهُمْ يَعْلَمُونَ } فهم قد اختلفوا في الحق مع عملهم بأنه حق ، لأن العلم كالمطر ، لا تستفيد منه إلا الأرض الطيبة النقية ، وكذلك لايستفيد من العلم إلا أصحاب النفوس الصافية ، والقلوب الواعية ، والأفئدة المستقيمة .

وقوله { بَغْياً بَيْنَهُمْ } مفعول لأجله ، والعامل فيه اختلف أى وما اختلفوا إلا للبغى لا لغيره قال القرطبي : " وفي الكلام تقديم وتأخير ، والمعنى ، وما اختلف الذين أوتوا الكتاب بغيا بينهم إلا من بعد ما جاءهم العلم " .

ثم ختم - سبحانه - الآية بهذا التهديد الشديد فقال : { وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ الله فَإِنَّ الله سَرِيعُ الحساب } . أى : ومن يكفر بآيات الله الدالة على وحدانيته - سبحانه - فإن الله محص عليه أعماله في الدنيا وسيعاقبه بما يستحقه في الآخرة .

فقوله { فَإِنَّ الله سَرِيعُ الحساب } قائم مقام جواب الشرط وعلة له ، أي : ومن يكفر بآيات الله فإنه - سبحانه - محاسبه ومعاقبه والله سريع الحساب .

وسرعة الحساب تدل على سرعة العقاب ، وعلى العلم الكامل والقدرة التامة فهو - سبحانه - لا يحتاج إى فحص وبحث ، لأنه لا تخفى عليه خافية .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلۡإِسۡلَٰمُۗ وَمَا ٱخۡتَلَفَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُ بَغۡيَۢا بَيۡنَهُمۡۗ وَمَن يَكۡفُرۡ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ} (19)

18

ويرتب على هذه الحقيقة التي عاد لتوكيدها مرتين في الآية الواحدة ، نتيجتها الطبيعية . . الوهية واحدة . فلا عبودية إلا لهذه الألوهية الواحدة :

( إن الدين عند الله الإسلام . وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم . بغيا بينهم . ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب . فإن حاجوك فقل : أسلمت وجهي لله ومن اتبعن . وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين : أأسلمتم ؟ فإن أسلموا فقد اهتدوا . وإن تولوا فإنما عليك البلاغ ، والله بصير بالعباد ) . .

ألوهية واحدة . . وإذن فدينونة واحدة . . واستسلام لهذه الألوهية لا يبقى معه شيء في نفوس العباد ولا في حياتهم خارجا عن سلطان الله .

ألوهية واحدة . . وإذن فجهة واحدة هي صاحبة الحق في تعبيد الناس لها ؛ وفي تطويعهم لأمرها ؛ وفي إنفاذ شريعتها فيهم وحكمها ؛ وفي وضع القيم والموازين لهم وأمرهم باتباعها ؛ وفي إقامة حياتهم كلها وفق التعليمات التي ترضاها . .

ألوهية واحدة . . وإذن فعقيدة واحدة هي التي يرضاها الله من عباده . عقيدة التوحيد الخالص الناصع . . ومقتضيات التوحيد هذه التي أسلفنا :

( إن الدين عند الله الإسلام ) . .

الإسلام الذي هو ليس مجرد دعوى ، وليس مجرد راية ، وليس مجرد كلمة تقال باللسان ؛ ولا حتى تصورا يشتمل عليه القلب في سكون ؛ ولا شعائر فردية يؤديها الأفراد في الصلاة والحج والصيام . . لا . فهذا ليس بالإسلام الذي لا يرضى الله من الناس دينا سواه . إنما الإسلام الاستسلام . الإسلام الطاعة والاتباع . الإسلام تحكيم كتاب الله في أمور العباد . . كما سيجيء في السياق القرآني ذاته بعد قليل .

والإسلام توحيد الألوهية والقوامة . . بينما كان أهل الكتاب يخلطون بين ذات الله - سبحانه - وذات المسيح - عليه السلام - كما يخلطون بين إرادة الله وإرادة المسيح أيضا . . ويختلفون فيما بينهم على هذه التصورات اختلافا عنيفا يصل في أحيان كثيرة إلى حد القتل والقتال . . هنا يبين الله لأهل الكتاب وللجماعة المسلمة علة هذا الاختلاف :

( وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم . بغيا بينهم ) .

إنه ليس اختلافا عن جهل بحقيقة الأمر . فقد جاءهم العلم القاطع بوحدانية الله ، وتفرد الألوهية . وبطبيعة البشرية ، وحقيقة العبودية . . ولكنهم إنما اختلفوا ( بغيا بينهم ) واعتداء وظلما ؛ حينما تخلوا عن قسط الله وعدله الذي تتضمنه عقيدته وشريعته وكتبه .

وقد رأينا فيما نقلناه عن المؤلف المسيحي الحديث كيف كانت التيارات السياسية تخلق هذه الاختلافات المذهبية . وليس هذا إلا نموذجا مما تكرر وقوعه في حياة اليهودية والمسيحية . وقد رأينا كيف كانت كراهية مصر والشام وما اليهما للحكم الروماني سببا في رفض المذهب الروماني الرسمي والتمذهب بمذهب آخر ! كما كان حرص بعض القياصرة على التوفيق بين أجزاء مملكته سببا في ابتداع مذهب وسط ، يظن أنه يوفق بين الأغراض جميعا ! ! كأنما العقيدة لعبة تستخدم في المناورات السياسية والوطنية ! وهذا هو البغي أشنع البغي . عن قصد وعن علم !

ومن ثم يجيء التهديد القاصم في موضعه المناسب :

( ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب ) . .

وقد عد الاختلاف على حقيقة التوحيد كفرا ؛ وهدد الكافرين بسرعة الحساب ؛ كي لا يكون الإمهال - إلى أجل - مدعاة للجاجة في الكفر والإنكار والاختلاف . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلۡإِسۡلَٰمُۗ وَمَا ٱخۡتَلَفَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُ بَغۡيَۢا بَيۡنَهُمۡۗ وَمَن يَكۡفُرۡ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ} (19)

18

وقوله : { إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسْلامُ } إخبار من الله تعالى بأنه لا دين عنده يقبله من أحد سوى الإسلام ، وهو اتباع الرسل فيما بعثهم الله به في كل حين ، حتى ختموا بمحمد صلى الله عليه وسلم ، الذي سد جميع الطرق إليه إلا من جهة محمد صلى الله عليه وسلم ، فمن لقي الله بعد بعثته محمدًا صلى الله عليه وسلم بدِين على غير شريعته ، فليس بمتقبل . كما قال تعالى : { وَمَنْ يَبْتَغِ{[4902]} غَيْرَ الإسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ [ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ]{[4903]} } [ آل عمران : 85 ] وقال في هذه الآية مخبرًا بانحصار الدين المتقبل عنده في الإسلام : { إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسْلامُ }

/خ19

ثم قال : { وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ } أي : من جحد بما أنزل{[4904]} الله في كتابه فإن الله سيجازيه على ذلك ، ويحاسبه على تكذيبه ، ويعاقبه على مخالفته كتابه{[4905]}


[4902]:في أ: "يتبع".
[4903]:زيادة من جـ، ر، أ، و، وفي هـ: "الآية".
[4904]:في أ، و: "أنزله".
[4905]:في أ، و: "بكتابه".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلۡإِسۡلَٰمُۗ وَمَا ٱخۡتَلَفَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُ بَغۡيَۢا بَيۡنَهُمۡۗ وَمَن يَكۡفُرۡ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ} (19)

{ إن الدين عند الله الإسلام } جملة مستأنفة مؤكدة للأولى أي لا دين مرضي عند الله سوى الإسلام ، وهو التوحيد والتدرع بالشرع الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ، وقرأ الكسائي بالفتح على أنه بدل من أنه بدل الكل أن فسر الإسلام بالإيمان ، أو بما يتضمنه وبدل اشتمال إن فسر بالشريعة . وقرئ أنه بالكسر وأن بالفتح على وقوع الفعل على الثاني ، واعتراض ما بينهما أو إجراء شهد مجرى قال تارة وعلم أخرى لتضمنه معناهما . { وما اختلف الذين أوتوا الكتاب } من اليهود والنصارى ، أو من أرباب الكتب المتقدمة في دين الإسلام فقال قوم إنه حق وقال قوم إنه مخصوص بالعرب ونفاه آخرون مطلقا ، أو في التوحيد فثلثت النصارى { وقالت اليهود عزير ابن الله } . وقيل هم قوم موسى اختلفوا بعده . وقيل هم النصارى اختلفوا في أمر عيسى عليه السلام . { إلا من بعد ما جاءهم العلم } أي بعد ما علموا حقيقة الأمر وتمكنوا من العلم بها بالآيات والحجج . { بغيا بينهم } حسدا بينهم وطلبا للرئاسة ، لا لشبهة وخفاء في الأمر . { ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب } وعيد لمن كفر منهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلۡإِسۡلَٰمُۗ وَمَا ٱخۡتَلَفَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُ بَغۡيَۢا بَيۡنَهُمۡۗ وَمَن يَكۡفُرۡ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ} (19)

قد تقدم ذكر اختلاف القراء في كسر الألف من { إن الدين } وفتحها ، و{ الدين } في هذه الآية الطاعة والملة ، والمعنى ، أن الدين المقبول أو النافع أو المقرر ، و{ الإسلام } في هذه الآية هو الإيمان والطاعة ، قاله أبو العالية وعليه جمهور المتكلمين ، وعبر عنه قتادة ومحمد بن جعفر بن الزبير بالإيمان .

قال أبو محمد رحمه الله : ومرادهما ، أنه من الأعمال ، و{ الإسلام } هو الذي سأل عنه جبريل النبي عليه السلام حين جاء يعلم الناس دينهم الحديث{[3032]} وجواب النبي له في الإيمان والإسلام يفسر ذلك ، وكذلك تفسيره قوله عليه السلام : بني الإسلام على خمس ، الحديث{[3033]} ، وكل مؤمن بنبيه ملتزم لطاعات شرعه فهو داخل تحت هذه الصفة ، وفي قراءة ابن مسعود «إن الدين عند الله للإسلام » باللام{[3034]} ثم أخبر تعالى عن اختلاف أهل الكتاب ، أنه كان على{[3035]} علم منهم بالحقائق ، وأنه كان بغياً وطلباً للدنيا ، قاله ابن عمر وغيره .

و { والذين أوتوا الكتاب } لفظ يعم اليهود والنصارى ، لكن الربيع بن أنس قال ، المراد بهذه الآية اليهود{[3036]} ، وذلك أن موسى عليه السلام ، لما حضرته الوفاة ، دعا سبعين حبراً من أحبار{[3037]} بني إسرائيل فاستودعهم التوراة ، عند كل حبر جزء ، واستخلف يوشع بن نون فلما مضت ثلاثة قرون ، وقعت الفرقة بينهم ، وقال محمد بن جعفر بن الزبير : المراد بهذه الآية النصارى ، وهي توبيخ لنصارى نجران ، و{ بغياً } نصب على المفعول من أجله أو على الحال من { الذين } ثم توعد عز وجل الكفار ، وسرعة الحساب يحتمل أن يراد بها سرعة مجيء القيامة والحساب إذ هي متيقنة الوقوع ، فكل آت قريب ويحتمل أن يراد بسرعة الحساب أن الله تعالى بإحاطته بكل شيء علماً لا يحتاج إلى عد ولا فكرة ، قاله مجاهد .


[3032]:- الحديث مشهور-أخرجه البخاري، ومسلم، والإمام أحمد، والبزار، والطبراني في الكبير بروايات مختلفة. "مجمع الزوائد 1/38" والحديث مروي عن عمر بن الخطاب- وقد جاء فيه عن الإسلام والإيمان بلفظ مسلم: "وقال: يا محمد. أخبرني عن الإسلام، قال: "الإسلام: أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا" قال. صدقت. فعجبنا له يسأله ويصدقه! قال: "فأخبرني عن الإيمان. قال: "أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره" (مشكاة المصابيح 1/9).
[3033]:- أخرجه الإمام أحمد، والبخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي-عن ابن عمر- حديث صحيح. الجامع الصغير 1/428- ونصه كما نقله في مشكاة المصابيح: (وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان). ثم قال: متفق عليه.
[3034]:- أي: المفتوحة.
[3035]:- في بعض الروايات: عن.
[3036]:- ما بين القوسين سقط في كثير من النسخ.
[3037]:-جاء في الصحاح: والحِبر والحَبر: واحد أحبار اليهود. قال أبو عبيد: والذي عندي أنه الحَبر. ومعناه: العالم بتحبير الكلام والعلم وتحسينه.