المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{۞وَٱذۡكُرۡ أَخَا عَادٍ إِذۡ أَنذَرَ قَوۡمَهُۥ بِٱلۡأَحۡقَافِ وَقَدۡ خَلَتِ ٱلنُّذُرُ مِنۢ بَيۡنِ يَدَيۡهِ وَمِنۡ خَلۡفِهِۦٓ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّا ٱللَّهَ إِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيۡكُمۡ عَذَابَ يَوۡمٍ عَظِيمٖ} (21)

21- واذكر هوداً أخا عاد إذ حذَّر قومه المقيمين بالأحقاف - وقد مضت الرسل قبله وبعده بمثل إنذاره - قائلاً لهم : لا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم الهول{[202]} .


[202]:وكانت منازل هذه القبيلة بالأحقاف، وموقع الأحقاف مختلف فيه: وبعض المؤرخين يذكرون أنه بين اليمن وعمان إلى حضرموت والشحر: أي في الجنوب الشرقي من جزيرة العرب. وبعض المنقبين في الزمن القريب يرون أنه شرقي العقبة معتمدين على كتابات نبطية عثروا عليها في خرائب معبد كشفوا عنه في جبل إرم، ووجدوا في جوانب الجبل آثارا جاهلية قديمة فرجحوا أن هذا المكان هو موضع إرم التي ذكرها القرآن الكريم، ثم خربت قبل الإسلام ولم يبق منها حينما ظهر إلا عين ماء كان التجار وأصحاب القوافل ينزلون عليها في طريقهم إلى الشام.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{۞وَٱذۡكُرۡ أَخَا عَادٍ إِذۡ أَنذَرَ قَوۡمَهُۥ بِٱلۡأَحۡقَافِ وَقَدۡ خَلَتِ ٱلنُّذُرُ مِنۢ بَيۡنِ يَدَيۡهِ وَمِنۡ خَلۡفِهِۦٓ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّا ٱللَّهَ إِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيۡكُمۡ عَذَابَ يَوۡمٍ عَظِيمٖ} (21)

ولما هددهم سبحانه بالأمور الأخروية ، وستر الأمر بالتذكير بها لكونها مستورة وهم بها يكذبون في قوله " ويوم " ، وختم بالعذاب على الاستكبار المذموم والفسق ، عطف عليه تهديهم بالأمور المحسوسة لأنهم متقيدون بها مصرحاً بالأمر بالذكر فقال تعالى : { واذكر } أي لهؤلاء الذين لا يتعظون بمحط الحكمة الذي{[58897]} لا يخفى على ذي-{[58898]} لب ، وهو البعث . ولما كان أقعد ما يهددون به في هذه السورة وأنسبه{[58899]} لمقصودها عاد لكونهم أقوى الناس أبداناً وأعتاهم رقاباً وأشدهم قلوباً وأوسعهم ملكاً وأعظمهم استكباراً بحيث{[58900]} كانوا يقولون { من أشد منا قوة } وبنوا البنيان الذي يفني الدهر ولا يفنى ، فلا يعمله إلا من نسي الموت أو{[58901]} رجا الخلود واصطنعوا{[58902]} جنة على وجه الأرض لأن ملكهم عمها كلها مع قرب بلادهم لكونها في بلاد العرب من قريش ومعرفتهم بأخبارهم ورؤيتهم لديارهم وكون عذابهم نشأ{[58903]} من بلدهم{[58904]} بدعاء من دعا منهم ، ذكر أمرهم على وجه دل على مقصود السورة ، وعبر بالأخوة تسلية لنبيه صلى الله عليه وسلم لأن فظيعة القوم لمن هو منهم ويعلمون مناقبه ومفاخره أنكأ فقال : { أخا عاد } وهو أخو{[58905]} هود عليه الصلاة والسلام الذي كان بين قوم{[58906]} لا يعشرهم قومك في قوة ولا مكنة ، وصدعهم{[58907]} مع ذلك بمر{[58908]} الحق وبادأهم بأمر الله ، لم يخف عاقبتهم ونجيته منهم ، فهو لك قدوة وفيه أسوة ، ولقومك في قصدهم إياك بالأذى من أمره موعظة .

ولما ذكره عليه الصلاة والسلام لمثل هذه المقاصد الجليلة ، أبدل منه قصته{[58909]} زيادة في البيان ، فقال مبيناً أن الإنذار{[58910]} هو المقصد الأعظم من الرسالة : { إذ } أي حين { أنذر قومه } أي الذين لهم قوة{[58911]} زائدة على القيام فيما يحاولونه { بالأحقاف } قال الأصبهاني : قال ابن عباس{[58912]} : واد بين عمان ومهرة ، قال : وقال مقاتل : كانت منازل عاد باليمن في حضرموت بموضع{[58913]} يقال له مهرة ، إليه ينسب الإبل المهرية ، وكانوا أهل عمد{[58914]} سيارة في الربيع ، فإذا هاج العود رجعوا إلى منازلهم ، وكانوا من قبيلة إرم{[58915]} .

وقال قتادة : كانوا مشرفين على البحر بأرض يقال لها الشجر ، والأحقاف جمع حقف بالكسر ، وهو رمل مستطيل مرتفع فيه انحناء ، وقال ابن زيد : هو ما استطال من الرمل كهيئة الجبل ولم يبلغ أن يكون جبلاً ، وقال في القاموس : وهو الرمل العظيم المستدير ، وأصل الرمل ، واحقوقف الرمل والظهر والهلال : طال واعوج . ومن الأمر الجلي أن هذه الهيئة لا تكون في بلاد الريح بها غالبة شديدة لأنه لو كان ذلك {[58916]}نسف الجبل{[58917]} نسفاً بخلاف بلاد الجبال كمكة المشرفة ، فإن الريح تكون بها غاية في الشدة لأنها إما أن تصك الجبل فتنعكس راجعة بقوة شديدة ، أو يكون هناك جبال فتراد بينها{[58918]} أو تنضغط فتخرج مما تجد {[58919]}من الفروج{[58920]} على هيئة مزعجة{[58921]} فينبغي أن يكون أهل الجبال أشد من ذلك حذراً{[58922]} .

ولما ذكر النذير والمنذرين ومكانهم لما ذكر من المقاصد ، ذكر أنهم أعرضوا عنه ولم يكن بدعاً{[58923]} من الرسل ولا كان قومه جاهلين بأحوالهم ، فاستحقوا العذاب تحذيراً من مثل حالهم ، فقال : { وقد } أي والحال أنه قد { خلت } أي مرت ومضت وماتت { النذر } أي الرسل الكثيرون الذين محط أمرهم الإنذار .

ولما لم يكن إرسالهم بالفعل مستغرقاً لجميع الأزمنة ، أدخل الجار فقال : { من بين يديه } أي قبله كنوح وشيث وآدم عليه الصلاة والسلام فما كان بدعاً منها { ومن خلفه } أي الذين أتوا من-{[58924]} بعده فما كنت أنت بدعاً منهم . ولما أشار إلى كثرة الرسل ، ذكر وحدتهم في أصل الدعاء ، فقال مفسراً للإنذار معبراً بالنهي : { ألا تعبدوا } أي أيها العباد المنذرون ، بوجه من الوجوه ، شيئاً من الأشياء { إلا الله } الملك الذي لا ملك غيره ولا خالق سواه ولا منعم إلا هو ، فإني أراكم تشركون به من لم يشركه في شيء من تدبيركم ، والملك لا يقر على مثل هذا .

ولما أمرهم ونهاهم ، علل ذلك فقال{[58925]} محذراً لهم من العذاب مؤكداً لما لهم من الإنكار لاعتمادهم على قوة أبدانهم وعظيم شأنهم : { إني أخاف عليكم } لكونكم قومي وأعز الناس علي { عذاب يوم عظيم * } {[58926]}لا يدع جهة إلا ملأها عذابه ، إن أصررتم على ما أنتم فيه من الشرك .


[58897]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: التي.
[58898]:زيد من ظ و م ومد.
[58899]:من مد، وفي الأصل و ظ و م: الشبه.
[58900]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: حيث.
[58901]:من مد، وفي الأصل و ظ و م"و".
[58902]:في مد:اصطفوا.
[58903]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: ينشأ.
[58904]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: بلادهم.
[58905]:من ظ و م ومد، وفي الأصل:أخا.
[58906]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: قومهم.
[58907]:من مد، وفي الأصل و ظ و م: صد عنهم.
[58908]:من ظ و م ومد، وفي الأصل:غير.
[58909]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: قصة.
[58910]:زيدت الواو في الأصل و ظ ولم تكن في م ومد فحذفناها.
[58911]:في الأصل بياض.
[58912]:راجع المعالم بهامش اللباب6/137.
[58913]:من م ومد والمعالم، وفي الأصل و ظ: في موضع.
[58914]:من م ومد والمعالم، وفي الأصل و ظ: عهد.
[58915]:من م ومد والمعالم، وفي الأصل و ظ: أدم.
[58916]:من مد، وفي الأصل: لسفته الريح، وفي ظ و م: نسفته للجبل.
[58917]:من مد، وفي الأصل: لسفته الريح، وفي ظ و م: نسفته للجبل.
[58918]:من ظ و م ومد، وفي الأصل:منها.
[58919]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: في العروج.
[58920]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: في العروج.
[58921]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: منزعجة.
[58922]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: حذارا.
[58923]:زيد في الأصل و ظ: أعرضوا عنه، ولم تكن الزيادة في م ومد فحذفناها.
[58924]:زيد من مد.
[58925]:زيد في الأصل:منها، ولم تكن الزيادة في ظ و م ومد فحذفناها.
[58926]:زيد في الأصل: أي، ولم تكن الزيادة في ظ و م ومد فحذفناها.