يقول تعالى مُهَدّدًا للكافرين بمحمد صلوات الله وسلامه عليه : { هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ } يعني : يوم القيامة ، لفصل القضاء بين الأولين والآخرين ، فيجزي كُلّ عامل بعمله ، إن خيرًا فخير ، وإن شرًا فشر ، ولهذا قال : { وَقُضِيَ الأمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ } كما قال : { كَلا إِذَا دُكَّتِ الأرْضُ دَكًّا دَكًّا* وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا* وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى } [ الفجر : 21 - 23 ] ، وقال : { هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ } الآية [ الأنعام : 158 ] .
وقد ذكر الإمام أبو جعفر بن جرير هاهنا حديث الصور بطوله من أوله ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . وهو حديث مشهور ساقه غير واحد من أصحاب المسانيد وغيرهم ، وفيه : " أنّ الناس إذا اهتموا لموقفهم{[3722]} في العرصات تشفعوا إلى ربهم بالأنبياء واحدًا واحدًا ، من آدم فمن بعده ، فكلهم يحيد عنها حتى ينتهوا إلى محمد ، صلوات الله وسلامه عليه ، فإذا جاؤوا إليه قال : أنا لها ، أنا لها . فيذهب فيسجد لله تحت العرش ، ويشفع عند الله في أن يأتي لفصل القضاء بين العباد ، فيُشفّعه الله ، ويأتي في ظُلَل من الغمام بعد ما تنشق{[3723]} السماء الدنيا ، وينزل من فيها من الملائكة ، ثم الثانية ، ثم الثالثة إلى السابعة ، وينزل{[3724]} حملة العرش والكَرُوبيّون{[3725]} ، قال : وينزل الجبار ، عز وجل ، في ظُلَل من الغمام والملائكةُ ، ولهم زَجَل مِنْ تسبيحهم يقولون : سبحان ذي الملك والملكوت ، سبحان رب العرش ذي الجبروت{[3726]} سبحان الحي الذي لا يموت ، سبحان الذي يميت الخلائق ولا يموت ، سُبّوح قدوس ، رب الملائكة والروح ، قدوس قدوس ، سبحان ربنا الأعلى ، سبحان ذي السلطان والعظمة ، سبحانه أبدًا أبدًا " {[3727]} .
وقد أورد الحافظ أبو بكر بن مَرْدُويه هاهنا أحاديث فيها غرابة والله أعلم ؛ فمنها ما رواه من حديث المنهال بن عمرو ، عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود ، عن مسروق ، عن ابن مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يجمع الله الأولين والآخرين لميقات يوم معلوم ، قيامًا شاخصة أبصارهم إلى السماء ، ينتظرون فَصْل القضاء ، وينزل الله في ظُلَل من الغمام من العرش إلى الكرسي " {[3728]} .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زُرْعَة ، حدثنا أبو بكر بن عطاء بن مقدم ، حدثنا معتمر بن سليمان ، سمعت عبد الجليل القَيْسي ، يحدّث عن عبد الله بن عمرو : { هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ } الآية ، قال : يهبط حين يهبط ، وبينه وبين خَلْقه سبعون ألف حِجَاب ، منها : النور ، والظلمة ، والماء . فيصوت الماء في تلك الظلمة صوتًا تنخلع له القلوب .
قال : وحدثنا أبي : حدثنا محمد بن الوزير الدمشقي ، حدثنا الوليد قال : سألت زهير بن محمد ، عن قول الله : { هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ } قال : ظلل من الغمام ، منظوم من الياقوت{[3729]} مكلَّل بالجوهر والزبَرْجَد .
وقال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد { فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ } قال : هو غير السحاب ، ولم يكن قَطّ إلا لبني إسرائيل في تيههم حين تاهوا .
وقال أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية : { هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ }
[ قال ]{[3730]} : يقول : والملائكة يجيئون في ظلل من الغمام ، والله تعالى يجيء فيما يشاء - وهي في بعض القراءة : " هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله والملائكة في ظُلَل من الغمام " وهي كقوله : { وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنزلَ الْمَلائِكَةُ تَنزيلا } [ الفرقان : 25 ] .
هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ( 210 )
وقوله تعالى : { هل ينظرون } الآية ، الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، و { هل } من حروف الابتداء كأما ، و { ينظرون } معناه ينتظرون ، والمراد هؤلاء الذين يزلون( {[1956]} ) ، والظلل جمع ظلة وهي ما أظل من فوق ، وقرأ قتادة والضحاك «في ظلال » ، وكذلك روى هارون بن حاتم عن أبي بكر عن عاصم هنا ، وفي الحرفين في الزمر( {[1957]} ) . وقال عكرمة : { ظلل } طاقات ، وقرأ الحسن ويزيد بن القعقاع وأبو حيوة «والملائكةِ » بالخفض عطفاً على { الغمام }( {[1958]} ) ، وقرأ جمهور الناس بالرفع عطفاً على { الله } ، والمعنى يأتيهم حكم الله وأمره ونهيه وعقابه إياهم ، وذهب ابن جريج وغيره إلى أن هذا التوعد هو بما يقع في الدنيا .
وقال قوم : بل هو توعد بيوم القيامة( {[1959]} ) ، وقال قوم : قوله { إلا أن يأتيهم الله } وعيد بيوم القيامة ، وأما الملائكة فالوعيد هو بإتيانهم عند الموت( {[1960]} ) ، و { الغمام } أرق السحاب وأصفاه وأحسنه ، وهو الذي ظلل به بنو إسرائيل .
وقال النقاش : «هو ضباب أبيض » ، وفي قراءة ابن مسعود «إلا أن يأتيهم الله والملائكة في ظلل من الغمام »( {[1961]} ) ، و { قضي الأمر } معناه وقع الجزاء وعذب أهل العصيان ، وقرأ معاذ بن جبل «وقضاء الأمر » ، وقرأ يحيى بن يعمر «وقضى الأمور » بالجمع ، وقرأ ابن عامر وحمزة الكسائي «تَرجع » على بناء الفعل للفاعل ، وقرأ الباقون «تُرجَع » على بنائه للمفعول ، وهي راجعة إليه تعالى قبل وبعد ، وإنما نبه بذكر ذلك في يوم القيامة على زوال ما كان منها إلى الملوك في الدنيا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.