ثم قال : { إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا } وهذه الحال دالة{[5608]} على شدة العداوة منهم للمؤمنين وهو أنه{[5609]} إذا أصاب المؤمنين خصب ، ونصر وتأييد ، وكثروا وعزّ أنصارهم ، ساء ذلك المنافقين ، وإن أصاب المسلمين سَنَة{[5610]} - أي : جَدْب - أو أُديل عليهم الأعداء ، لما لله في ذلك من الحكمة ، كما جرى يوم أُحُد ، فَرح المنافقون بذلك ، قال الله تعالى مخاطبا عباده المؤمنين : { وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا [ إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ]{[5611]} } يرشدهم تعالى إلى السلامة من شر الأشرار وكَيْدِ الفُجّار ، باستعمال الصبر والتقوى ، والتوكل على الله الذي هو محيط بأعدائهم ، فلا حول ولا قوة لهم إلا به ، وهو الذي ما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن . ولا يقع في الوجود شيء إلا بتقديره ومشيئته ، ومن توكل عليه كفاه .
{ إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها } بيان لتناهي عداوتهم إلى حد حسدوا ما نالهم من خير ومنفعة ، وشمتوا بما أصابهم من ضر وشدة ، والمس مستعار للإصابة { وإن تصبروا } على عداوتهم ، أو على مشاق التكاليف . { وتتقوا } موالاتهم ، أو ما حرم الله جل جلاله عليكم . { لا يضركم كيدهم شيئا } بفضل الله عز وجل وحفظه الموعود للصابرين والمتقين ولأن المجد في الأمر ، المتدرب بالاتقاء والصبر يكون قليل الانفعال جريا على الخصم ، وضمه الراء للاتباع كضمه مد . وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب { لا يضركم } من ضاره يضيره . { إن الله بما يعملون } من الصبر والتقوى وغيرهما . { محيط } أي محيط علمه فيجازيكم مما أنتم أهله . وقرئ بالياء أي { بما يعملون } ، في عداوتكم عليم فيعاقبهم عليه .
{ إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبهم سيئة يفرحوا بها }
زاد الله كشفا لِما في صدورهم بقوله : { إن تمسسكم حسنة نسؤهم } أي تصبكم حسنة والمسّ الإصابة ، ولا يختصّ أحدهما بالخير والآخر بالشرّ ، فالتَّعبير بأحدهما في جانب الحسنة ، وبالآخر في جانب السيِّئة ، تفنّن ، وتقدّم عند قوله تعالى : { كالذي يتخبطه الشيطان } من المس في سورة البقرة ( 275 ) .
والحسنة والسيِّئة هنا الحادثة أو الحالة الَّتي تحسن عند صاحبها أو تسوء وليس المراد بهما هنا الاصطلاح الشَّرعي .
وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضِرْكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ الله بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } .
أرشد الله المؤمنين إلى كيفية تلقّي أذى العدوّ : بأن يتلقّوه بالصّبر والحذر ، وعبّر عن الحذر بالاتّقاء أي اتّقاء كيدهم وخداعهم ، وقوله { لا يَضِركم كيدهم شيئاً } أي بذلك ينتفي الضرّ كلّه لأنّه أثبت في أوّل الآيات أنّهم لا يضرّون المؤمنين إلاّ أذى ، فالأذى ضرّ خفيف ، فلمَّا انتفى الضرّ الأعظم الَّذي يحتاج في دفعه إلى شديدِ مقاومة من القتال وحراسة وإنفاق ، كان انتفاء ما بَقي من الضرّ هيّناً ، وذلك بالصّبر على الأذى ، وقلّة الاكتراث به ، مع الحذر منهم أن يتوسّلوا بذلك الأذى إلى ما يوصل ضرّاً عظيماً . وفي الحديث : « لا أحد أصبر على أذى يسمعه من اللَّهِ يدعون له نِدّاً وهو يرزقهم » .
وقرأ نافع ، وابن كثير ، وأبو عمرو ، ويعقوب : { لا يضركم } بكسر الضاد وسكون الراء من ضارُه يضيره بمعنى أضرّه . وقرأه ابن عامر ، وحمزة ، وعاصم ، والكسائي ، وأبو جعفر ، وخلف بضم الضاد وضم الراء مشدّدة مِن ضرّهُ يضُرّه ، والضمّة ضمّة إتباع لحركة العين عند الإدغام للتخلّص من التقاء الساكنين : سكون الجزم وسكونِ الإدغام ، ويجوز في مثله من المضموم العين في المضارع ثلاثةُ وجوه في العربية : الضمّ لإتباع حركة العين ، والفتح لخفّته ، والكسر لأنَّه الأصل في التخلّص من التقاء الساكنين ، ولم يُقرأ إلاّ بالضمّ في المتواتر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.