كان الحكم في ابتداء الإسلام أن المرأة إذا زنت فثبت زناها بالبينة العادلة ، حُبست في بيت فلا تُمكن من الخروج منه إلى أن تموت ؛ ولهذا قال : { وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ } يعني : الزنا { مِن نِّسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مّنكُمْ فَإِن شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا } فالسبيل الذي جعله الله هو الناسخ لذلك .
قال ابن عباس : كان الحكم كذلك ، حتى أنزل الله سورة النور فنسخها بالجلد ، أو الرجم .
وكذا رُوي عن عِكْرِمة ، وسَعيد بن جُبَيْر ، والحسن ، وعَطاء الخُراساني ، وأبي صالح ، وقتادة ، وزيد بن أسلم ، والضحاك : أنها منسوخة . وهو أمر متفق عليه .
قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن حِطَّان بن عبد الله الرَّقاشِي ، عن عبادة بن الصامت قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي أَثَّرَ عليه
وكرب لذلك وتَرَبّد وجهه ، فأنزل الله عز وجل عليه ذات يوم ، فلما سُرِّيَ عنه قال : " خُذُوا عَنِّي ، قد جَعَل الله لَهُنَّ سبيلا الثَّيِّبُ بالثيب ، والبِكْرُ بالبكرِ ، الثيب جَلْدُ مائة ، ورَجْمٌ بالحجارة ، والبكر جلد مائة ثم نَفْى سَنَةٍ " .
وقد رواه مسلم وأصحاب السنن من طرق عن قتادة عن الحسن عن حطَّان{[6782]} عن عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولفظه : " خذوا عني ، خذوا عني ، قد جعل الله لهن سبيلا ؛ البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام ، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم " . وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح{[6783]}
وهكذا{[6784]} رواه أبو داود الطيالسي ، عن مبارك بن فَضَالة ، عن الحسن ، عن حطان بن عبد الله الرقاشي ، عن عبادة : أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا نزل عليه الوحي عُرف ذلك في وجهه ، فلما أنزلت : { أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا } [ و ]{[6785]} ارتفع الوحي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خُذُوا خذوا ، قد جَعَلَ الله لَهُنَّ سَبِيلا البكْرُ بالبكرِ جَلْدُ مائة وَنفيُ سنة ، والثَّيِّب بالثيبِ جَلْدُ مائة ورَجْمٌ بالحجارة " .
وقد روى الإمام أحمد أيضا هذا الحديث عن وَكِيع بن الجراح ، حدثنا الفضل بن دَلْهَم ، عن الحسن ، عن قُبَيْصَة بن حُرَيث ، عن سلمة بن المُحَبَّق قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خُذُوا عَنِّي ، خذوا عني ، قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة ، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم " .
وكذا رواه أبو داود مطولا من حديث الفضل بن دلهم ، ثم قال : وليس هو بالحافظ ، كان قصابًا بواسط{[6786]} .
حديث آخر : قال أبو بكر بن مَرْدُويه : حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم ، حدثنا عباس بن حمدان ، حدثنا أحمد بن داود ، حدثنا عمرو بن عبد الغفار ، حدثنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن الشعبي ، عن مسروق ، عن أبي بن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " البكْرَان يُجْلَدان ويُنفيَانِ ، والثيبان يجلدان ويُرجَمانِ ، والشَّيْخانِ يُرجَمان " . هذا حديث غريب من هذا الوجه{[6787]} .
وروى الطبراني من طريق ابن لَهِيعة ، عن أخيه عيسى بن لهيعة ، عن عِكْرِمة ، عن ابن عباس قال : لما نزلت سورة النساء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا حبس بعد سورة النساء " {[6788]} .
وقد ذهب الإمام أحمد بن حنبل إلى القول بمقتضى هذا الحديث ، وهو الجمع بين الجلد والرجم في حق الثيب الزاني ، وذهب الجمهور إلى أن الثيب الزاني إنما يُرجم فقط من غير جلد ، قالوا : لأن النبي صلى الله عليه وسلم رَجَمَ ماعزًا والغامدية واليهوديين ، ولم يجلدهم قبل ذلك ، فدل على أن الجلد{[6789]} ليس بحتم ، بل هو منسوخ على قولهم ، والله أعلم .
{ واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم } أي يفعلنها ، يقال : أتى الفاحشة وجاءها وغشيها ورهقها إذا فعلها ، والفاحشة الزنا لزيادة قبحها وشناعتها . { فاستشهدوا عليهن أربعة منكم } فاطلبوا ممن قذفهن أربعة من رجال المؤمنين تشهد عليهن . { فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت } فاحبسوهن في البيوت واجعلوها سجنا عليهن . { حتى يتوفاهن الموت } يستوفي أرواحهن الموت ، أو يتوفاهن ملائكة الموت . قيل : كان ذلك عقوبتهن في أوائل الإسلام فنسخ بالحد ، ويحتمل أن يكون المراد به التوصية بإمساكهن بعد أن يجلدن كيلا يجري عليهن ما جرى بسبب الخروج والتعرض للرجال ، لم يذكر الحد استغناء بقوله تعالى : { الزانية والزاني } { أو يجعل الله لهن سبيلا } كتعيين الحد المخلص عن الحبس ، أو النكاح المغني عن السفاح .
قوله { واللاتي } : اسم جمع التي ، وتجمع أيضاً على «اللواتي » ، ويقال : اللائي بالباء ، و { الفاحشة } في هذا الموضع : الزنا ، وكل معصية فاحشة ، لكن الألف واللام هنا للعهد ، وقرأ ابن مسعود «بالفاحشة » ببناء الجر وقوله : { من نسائكم } إضافة في معنى الإسلام ، لأن الكافرة قد تكون من نساء المسلمين بنسب ، ولا يلحقها هذا الحكم ، وجعل الله الشهادة على الزنا خاصة لا تتم إلا بأربعة شهداء ، تغليظاً على المدعي وستراً على العباد ، وقال قوم : ذلك ليترتب شاهدان على كل واحد من الزانيين .
قال القاضي أبو محمد : وهذا ضعيف ، وكانت هذه أول عقوبات الزناة - الإمساك في البيوت ، قال عبادة بن الصامت والحسن ومجاهد : حتى نسخ بالأذى الذي بعده ثم نسخ ذلك بآية النور وبالرجم في الثيب وقالت فرقة : بل كان الأذى هو الأول ، ثم نسخ بالإمساك ولكن التلاوة أخرت وقدمت ، ذكره ابن فورك ، و { سبيلاً } معناه مخرجاً بأمر من أوامر الشرع ، وروى حطان بن عبد الله الرقاشي عن عمران بن حصين ، أنه قال : كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فنزل عليه الوحي ، ثم أقلع عنه ووجهه محمر ، فقال : ( قد جعل الله لهن سبيلاً ، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام ، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم ){[3889]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.