المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَأَنذِرِ ٱلنَّاسَ يَوۡمَ يَأۡتِيهِمُ ٱلۡعَذَابُ فَيَقُولُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ رَبَّنَآ أَخِّرۡنَآ إِلَىٰٓ أَجَلٖ قَرِيبٖ نُّجِبۡ دَعۡوَتَكَ وَنَتَّبِعِ ٱلرُّسُلَۗ أَوَلَمۡ تَكُونُوٓاْ أَقۡسَمۡتُم مِّن قَبۡلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٖ} (44)

44- وبين - أيها النبي - للناس أهوال يوم القيامة الذي يأتيهم فيه العذاب فيقول الذين ظلموا أنفسهم بالكفر والمعاصي : ربنا أخِّر العذاب عنا ، وردنا إلى الدنيا ، وأمهلنا إلى أجل من الزمان قريب ، نتدارك ما فرطنا بإجابة دعوتك إلى التوحيد واتباع الرسل . فيقال لهم : أتقولون اليوم هذا ونسيتم أنكم حلفتم من قبل في الدنيا أنكم إذا متم لا تزول عنكم هذه النعمة ، إن كان بعث يوم القيامة ؟ .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَأَنذِرِ ٱلنَّاسَ يَوۡمَ يَأۡتِيهِمُ ٱلۡعَذَابُ فَيَقُولُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ رَبَّنَآ أَخِّرۡنَآ إِلَىٰٓ أَجَلٖ قَرِيبٖ نُّجِبۡ دَعۡوَتَكَ وَنَتَّبِعِ ٱلرُّسُلَۗ أَوَلَمۡ تَكُونُوٓاْ أَقۡسَمۡتُم مِّن قَبۡلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٖ} (44)

يقول تعالى مخبرًا عن قيل الذين ظلموا أنفسهم ، عند معاينة العذاب : { رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ } كما قال تعالى : { حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } [ المؤمنون : 99 ، 100 ] ، وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ{[15993]} مِنَ الصَّالِحِينَ } [ المنافقون : 9 ، 10 ] ، وقال تعالى مخبرا عنهم في حال محشرهم : { وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ } [ السجدة : 12 ] ، وقال تعالى : { وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } [ الأنعام : 27 ، 28 ] ، وقال تعالى : { وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ } [ فاطر : 37 ] .

وقال تعالى رادا عليهم في قولهم هذا : { أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ } أي : أو لم تكونوا تحلفون من قبل هذه الحال : أنه لا زوال لكم عما أنتم فيه ، وأنه لا معاد ولا جزاء ، فذوقوا هذا بذاك .

قال مجاهد وغيره : { مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ } أي : ما لكم من انتقال من الدنيا إلى الآخرة ، كما أخبر عنهم تعالى : { وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا } [ النحل : 38 ] .


[15993]:- في أ : "وأكون".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَأَنذِرِ ٱلنَّاسَ يَوۡمَ يَأۡتِيهِمُ ٱلۡعَذَابُ فَيَقُولُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ رَبَّنَآ أَخِّرۡنَآ إِلَىٰٓ أَجَلٖ قَرِيبٖ نُّجِبۡ دَعۡوَتَكَ وَنَتَّبِعِ ٱلرُّسُلَۗ أَوَلَمۡ تَكُونُوٓاْ أَقۡسَمۡتُم مِّن قَبۡلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٖ} (44)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَأَنذِرِ النّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الّذِينَ ظَلَمُوَاْ رَبّنَآ أَخّرْنَآ إِلَىَ أَجَلٍ قَرِيبٍ نّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتّبِعِ الرّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوَاْ أَقْسَمْتُمْ مّن قَبْلُ مَا لَكُمْ مّن زَوَالٍ } .

يقول تعالى ذكره : وأنذر يا محمد الناس الذين أرسلتك إليهم داعيا إلى الإسلام ما هو نازل بهم ، يوم يأتيهم عذاب الله في القيامة . فَيَقُولُ الّذِينَ ظَلَمُوا يقول : فيقول الذين كفروا بربهم ، فظلموا بذلك أنفسهم : رَبّنا أخّرْنا : أي أخّر عنا عذابك ، وأمهلنا إلى أجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ الحقّ ، فنؤمن بك ، ولا نشرك بك شيئا وَنَتّبعِ الرّسُلَ يقولون : ونصدّق رسلك فنتبعهم على ما دعوتنا إليه من طاعتك واتباع أمرك .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قوله : وأنْذِرِ النّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ العَذَابُ قال : يوم القيامة فَيَقُولُ الّذِينَ ظَلَمُوا رَبّنا أخّرْنا إلى أجَلٍ قَرِيبٍ قال : مدّة يعملون فيها من الدنيا .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : وأنْذِرِ النّاسَ يَوْمَ يَأْتيهِمُ العَذابُ يقول : أنذرهم في الدنيا قبل أن يأتيهم العذاب .

وقوله : فَيَقُولُ الّذِينَ ظَلمُوا رفع عطفا على قوله : يَأَتيهمُ في قوله : يأْتيهمُ العَذَابُ وليس بجواب للأمر ، ولو كان جوابا لقوله : وأنْذِرِ النّاسَ جاز فيه الرفع والنصب . أما النصب فكما قال الشاعر :

يا نَاقَ سيرِي عَنَقا فَسِيحَا *** إلى سُلَيْمانَ فَنَسْتَرِيحا

والرفع على الاستئناف . وذُكر عن العلاء بن سيابة أنه كان ينكر النصب في جواب الأمر بالفاء ، قال الفراء : وكان العلاء هو الذي علّم معاذا وأصحابه .

القول في تأويل قوله تعالى : أو لَمْ تَكُونُوا أقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ . وهذا تقريع من الله تعالى ذكره للمشركين من قريش بعد أن دخلوا النار بإنكارهم في الدنيا البعث بعد الموت . يقول لهم إذ سألوه رفع العذاب عنهم وتأخيرهم لينيبوا ويتوبوا : أو لَمْ تَكُونُوا في الدنيا أقْسَمْتُمْ منْ قَبْلُ ما لَكُمْ منْ زَوَالٍ يقول : ما لكم من انتقال من الدنيا إلى الاَخرة ، وأنكم إنما تموتون ، ثم لا تبعثون ؟ كما :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قال : أو لَمْ تَكُونُوا أقْسَمْتُمْ منْ قَبْلُ كقوله : وأقْسَمُوا باللّهِ جَهْدَ أيمَانِهمْ لا يَبْعَثُ اللّهُ مَنْ يَمُوتُ بلي . ثم قال : ما لَكُمْ منْ زَوَالٍ قال : الانتقال من الدنيا إلى الاَخرة .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن قال : حدثنا ورقاء وحدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء وحدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا سلمة وحدثني المثنى ، قال : أخبرنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ما لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ قال : لا تموتون لقريش .

حدثني القاسم ، قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن الحكم ، عن عمرو بن أبي ليلى أحد بني عامر ، قال : سمعت محمد بن كعب القرظي يقول : بلغني ، أو ذُكر لي ، أن أهل النار ينادون : رَبّنا أخّرْنا إلى أجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتّبِعِ الرّسُلَ فردّ عليهم : أو لَمْ تَكُونُوا أقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الّذِينَ ظَلَمُوا أنْفُسَهُمْ . . . إلى قوله : لِتَزُولَ مِنْهُ الجِبالُ .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَأَنذِرِ ٱلنَّاسَ يَوۡمَ يَأۡتِيهِمُ ٱلۡعَذَابُ فَيَقُولُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ رَبَّنَآ أَخِّرۡنَآ إِلَىٰٓ أَجَلٖ قَرِيبٖ نُّجِبۡ دَعۡوَتَكَ وَنَتَّبِعِ ٱلرُّسُلَۗ أَوَلَمۡ تَكُونُوٓاْ أَقۡسَمۡتُم مِّن قَبۡلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٖ} (44)

وقوله تعالى : { وأنذر الناس } الآية ، المراد ب { يوم } يوم القيامة ونصبه على أنه مفعول ب { أنذر } ولا يجوز أن يكون ظرفاً ، لأن القيامة ليست بموطن إنذار ، وقوله : { فيقول } رفع عطفاً على قوله : { يأتيهم } وقوله : { ولم تكونوا } إلى آخر الآية ، معناه : يقال لهم ، فحذف ذلك إيجازاً ، إذ المعنى يدل عليه ، وقوله : { ما لكم من زوال } هو المقسم عليه نقل المعنى{[7101]} ، و { من زوال } معناه من الأرض بعد الموت . أي لا بعث من القبور ، وهذه الآية ناظرة إلى ما حكى عنهم في قوله : { وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت }{[7102]} [ النحل : 38 ] .


[7101]:هكذا في جميع الأصول.
[7102]:من الآية (38) من سورة (النحل).