التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{وَأَنذِرِ ٱلنَّاسَ يَوۡمَ يَأۡتِيهِمُ ٱلۡعَذَابُ فَيَقُولُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ رَبَّنَآ أَخِّرۡنَآ إِلَىٰٓ أَجَلٖ قَرِيبٖ نُّجِبۡ دَعۡوَتَكَ وَنَتَّبِعِ ٱلرُّسُلَۗ أَوَلَمۡ تَكُونُوٓاْ أَقۡسَمۡتُم مِّن قَبۡلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٖ} (44)

قوله تعالى : { وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل أو لم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال ( 44 ) وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال ( 45 ) وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال ( 46 ) } .

يخاطب الله رسوله محمدا ( ص ) أن ( أنذر الناس يوم يأتيهم العذاب ) ( يوم ) مفعول ثان للفعل ( أنذر ) ، وليس ظرفا ؛ لأن جعله ظرفا يؤدي إلى أن يكون الإنذار يوم القيامة ، وليس من إنذار في يوم القيامة ، بل إن يوم القيامة دار حساب وجزاء{[2419]} . والمعنى : خوّفهم هذا اليوم العصيب وما ينزل بهم فيه من شديد العذاب وما تكون عليه حالهم من خواء القلوب وهم مهطعون رافعون رؤوسهم ، وأبصارهم شاخصة باهتة لا تطرف . خوفهم ذلك وغيره من ألوان العذاب في جهنم .

قوله : ( فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل ) يقول هؤلاء الخاسرون الذين ظلموا أنفسهم : يا ربنا أخرنا إلى أجل قريب كيما نتدارك ما فرطنا فيه من إجابة دعوتك واتباع دينك ومنهجك وتصديق النبيين الذين أرسلتهم إلينا معلمين مبلغين هداة ؛ أي طلبوا الرجوع إلى الدنيا فترة صغيرة من الزمن كيما يتلافوا ما فرطوا فيه وما تلبسوا به من بشاعة الجحود والتكذيب في الدنيا . لكن طلبهم لا يغني عنهم من عذاب الله المحقق شيئا . فما يطلبون ولا يرجون إلا وهم تحيط بهم من كل جانب أسباب اليأس والهوان والذلة والتخسير ليفضوا بعد ذلك لا محالة إلى النار وبئس القرار .

قوله : ( أو لم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال ) يقال لهم هذا الجواب على سبيل التوبيخ والتقريع ؛ أي أو لم تحلفوا من قبل –في الدنيا- أنكم لا زوال لكم عن هذه الحياة إلى حياة أخرى ؛ فقد كانوا ينكرون أن يزولوا عن هذه الدنيا ليتحولوا عنها إلى الدار الآخرة ؛ فإنهم كانوا مكذبين بالبعث .


[2419]:- البيان لابن الأنباري جـ2 ص 61.