فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَأَنذِرِ ٱلنَّاسَ يَوۡمَ يَأۡتِيهِمُ ٱلۡعَذَابُ فَيَقُولُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ رَبَّنَآ أَخِّرۡنَآ إِلَىٰٓ أَجَلٖ قَرِيبٖ نُّجِبۡ دَعۡوَتَكَ وَنَتَّبِعِ ٱلرُّسُلَۗ أَوَلَمۡ تَكُونُوٓاْ أَقۡسَمۡتُم مِّن قَبۡلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٖ} (44)

{ وَأَنذِرِ الناس } هذا رجوع إلى خطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أمره الله سبحانه بأن ينذر الناس . والمراد : الناس على العموم ؛ وقيل : المراد : كفار مكة . وقيل : الكفار على العموم . والأوّل أولى لأن الإنذار كما يكون للكافر يكون أيضاً للمسلم . ومنه قوله تعالى : { إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتبع الذكر } [ يس : 11 ] . ومعنى { يَوْمَ يَأْتِيهِمُ العذاب } يوم القيامة ، أي : خوّفهم هذا اليوم ، وهو يوم إتيان العذاب ، وإنما اقتصر على ذكر إتيان العذاب فيه مع كونه يوم إتيان الثواب ؛ لأن المقام مقام تهديد . وقيل : المراد : به : يوم موتهم ؛ فإنه أوّل أوقات إتيان العذاب ؛ وقيل المراد يوم هلاكهم بالعذاب العاجل ، وانتصاب يوم على أنه مفعول ثانٍ لأنذر { فَيَقُولُ الذين ظَلَمُواْ رَبَّنَا أَخّرْنَا إلى أَجَلٍ قَرِيبٍ } المراد بالذين ظلموا ها هنا : هم الناس ، أي : فيقولون . والعدول إلى الإظهار مكان الإضمار للإشعار بأن الظلم هو العلة فيما نزل بهم ، هذا إذا كان المراد بالناس : هم الكفار . وعلى تقدير كون المراد بهم : من يعمّ المسلمين ، فالمعنى : فيقول الذين ظلموا منهم وهم الكفار { ربنا أخرنا } أمهلنا { إلى أجل قريب } إلى أمد من الزمان معلوم غير بعيد { نُّجِبْ دَعْوَتَكَ } أي : دعوتك لعبادك على ألسن أنبيائك إلى توحيدك { وَنَتَّبِعِ الرسل } المرسلين منك إلينا فنعمل بما بلغوه إلينا من شرائعك ، ونتدارك ما فرط منا من الإهمال ، وإنما جمع الرسل ؛ لأن دعوتهم إلى التوحيد متفقة ؛ فاتباع واحد منهم اتباع لجميعهم ، وهذا منهم سؤال للرجوع إلى الدنيا لما ظهر لهم الحق في الآخرة { وَلَوْ رُدُّوا لعادوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ } [ الأنعام : 28 ] . ثم حكى سبحانه ما يجاب به عنهم عند أن يقولوا هذه المقالة ، فقال : { أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مّن قَبْلُ مَا لَكُمْ مّن زَوَالٍ } أي : فيقال لهم هذا القول توبيخاً وتقريعاً ، أي : أولم تكونوا أقسمتم من قبل هذا اليوم ما لكم من زوال من دار الدنيا . وقيل : إنه لا قسم منهم حقيقة . وإنما كان لسان حالهم ذلك لاستغراقهم في الشهوات ، وإخلادهم إلى الحياة الدنيا . وقيل : قسمهم هذا هو ما حكاه الله عنهم في قوله : { وَأَقْسَمُوا بالله جَهْدَ أيمانهم لاَ يَبْعَثُ الله مَن يَمُوتُ } [ النحل : 38 ] ، وجواب القسم { مَالَكُمْ مّن زَوَالٍ } وإنما جاء بلفظ الخطاب في { ما لكم من زوال } لمراعاة { أقسمتم } ولولا ذلك لقال : مالنا من زوال .

/خ46