فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَأَنذِرِ ٱلنَّاسَ يَوۡمَ يَأۡتِيهِمُ ٱلۡعَذَابُ فَيَقُولُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ رَبَّنَآ أَخِّرۡنَآ إِلَىٰٓ أَجَلٖ قَرِيبٖ نُّجِبۡ دَعۡوَتَكَ وَنَتَّبِعِ ٱلرُّسُلَۗ أَوَلَمۡ تَكُونُوٓاْ أَقۡسَمۡتُم مِّن قَبۡلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٖ} (44)

{ وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ ( 44 ) }

{ وَأَنذِرِ النَّاسَ } هذا رجوع إلى خطاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمره الله سبحانه بأن ينذرهم ، والمراد الناس على العموم ، وقيل المراد كفار مكة وقيل الكفار على العموم والأول أولى لأن الإنذار كما يكون للكافر يكون أيضا للمسلم ، ومنه قوله تعالى : { إنما تنذر من اتبع الذكر } .

{ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ } أي يوم القيامة ، قاله مجاهد ، أي خوفهم يوم إتيان العذاب ، وإنما اقتصر على ذكر إتيان العذاب فيه مع كونه يوم إتيان الثواب أيضا لأن المقام مقام تهديد ، وقيل المراد به يوم موتهم فإنه أول أوقات إتيان العذاب ، وقيل المراد يوم هلاكهم بالعذاب العاجل .

{ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ } المراد بهم هنا هم الناس ، أي فيقولون ، والعدول إلى الإظهار مكان الإضمار للإشعار بأن الظلم هو العلة فيما نزل بهم . هذا إذا كان المراد بالناس هم الكفار ، وعلى تقدير كون المراد بهم من يعم المسلمين فالمعنى فيقول الذين ظلموا منهم وهم الكفار { رَبَّنَا أَخِّرْنَا } أي أمهلنا { إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ } أي أمد من الزمان معلوم غير بعيد { نُّجِبْ دَعْوَتَكَ } لعبادك على ألسن أنبيائك إلى توحيدك .

{ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ } المرسلين منك إلينا فنعمل بما بلغوه إلينا من شرائعك ونتدارك ما فرط منا من الإهمال ، وإنما جمع الرسل لأن دعوتهم إلى التوحيد متفقة فاتباع واحد منهم اتباع لجميعهم ، وهذا منهم سؤال للرجوع إلى الدنيا لما ظهر لهم الحق في الآخرة { ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه } .

ثم حكى الله سبحانه ما يجاب به عنهم عند أن يقولوا هذه المقالة فقال : { أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ } أي فيقال لهم هذا القول توبيخا وتقريعا من قبل الله أو الملائكة والاستفهام تقريري .

قال ابن عباس : من زوال عما أنتم فيه إلى ما تقولون ، وقال السدي : بعث بعد الموت ، أي ألم تكونوا أقسمتم من قبل هذا اليوم ما لكم من زوال من دار الدنيا ، وقيل أنه لا قسم منهم حقيقة وإنما كان لسان حالهم ذلك لاستغراقهم في الشهوات وإخلادهم إلى الحياة الدنيا .

وقيل قسمهم هذا هو ما حكاه الله عنهم في قوله : { وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت } وجواب القسم : { ما لكم من زوال } وإنما جاء بلفظ الخطاب في ما لكم لمراعاة أقسمتم ، ولولا ذلك لقال ما لنا من زوال .