تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَأَنذِرِ ٱلنَّاسَ يَوۡمَ يَأۡتِيهِمُ ٱلۡعَذَابُ فَيَقُولُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ رَبَّنَآ أَخِّرۡنَآ إِلَىٰٓ أَجَلٖ قَرِيبٖ نُّجِبۡ دَعۡوَتَكَ وَنَتَّبِعِ ٱلرُّسُلَۗ أَوَلَمۡ تَكُونُوٓاْ أَقۡسَمۡتُم مِّن قَبۡلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٖ} (44)

{ وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال44 وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال45 وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال46 } .

المفردات :

وأنذر : وخوف .

يوم يأتيهم العذاب : يوم القيامة .

أخرنا إلى أجل قريب : أعدنا إلى الدنيا وأمهلنا إلى أجل قريب .

مالكم من زوال : أي : مالكم من بعث ونشور .

التفسير :

44{ وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب . . . } .

تأتي هذه الآيات على طريقة القرآن الفذة الملفتة للنظر ، بعرض مشاهد القيامة ماثلة أمام العيان ، ونلحظ فيها مواقف الحساب والجزاء ، وهيئة الظالمين يرجون أن يعودوا إلى الدنيا لوقت قصير ؛ حتى يفعلوا ما أهملوه في الدنيا ، وهو إجابة دعوة الله وإتباع الرسل ، لكن يجيبهم الله بالتبكيت والتذكير بما فعلوه في الدنيا .

{ وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب } .

أي : بلغ الناس جميعا : أهوال الموقف ، حين يأتي للظالمين العذاب الذي يستحقونه .

{ فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل . . . } .

أي : عند رؤية عذاب الآخرة ؛ يقول الظالمون : يا ربنا أعدنا ، إلى الحياة مرة أخرى ، وأخر أعمارنا وحسابنا إلى وقت قريب ؛ حتى نستطيع أن نستجيب إلى دعوة الله ، بالدخول في الإسلام وأن نتبع الرسل في كل ما أمرونا به ، وأن نتدارك ما فرطنا فيه من أعمال في الدنيا .

{ أولم تكونوا أقسمتم من قبل مالكم من زوال } .

القرآن هنا يخاطب الظالمين ، وينتقل المشهد أمام القارئ ؛ فالظالم يعتذر ويطلب الإمهال ، والقرآن يعرض مشهد الردّ عليه حالا ، بدون أن يقول : فيقال لهم : { أولم تكونوا أقسمتم } . فيعطى للقارئ انطباعا بأن المشهد حاضر ، وأن النقاش أمامه حالا ، وأن الجواب بالرفض والردع سيكون جزاء الظالمين ، وبهذا يتنبه الظالم الآن ، قبل فوات الأوان .

لقد أقسم الكفار أكثر من مرة على أنه لا بعث ولا جزاء ، ولا حشر ولا حساب ، وإنما هي الحياة الدنيا ، ثم يدفنون في القبر ، دون بعث أو حشر أو حساب أو جزاء ، وهنا يلتفت القرآن إليهم فيقول : { أولم تكونوا أقسمتم من قبل مالكم من زوال } .

إنكم جابهتم الرسل بتكذيبهم ، وقلتم : { ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر }( الجاثية : 24 ) .

وتأكيدا لكلامكم ؛ أقسمتم عليه من قبل وقلتم : { مالكم من زوال } .

والزوال : الانتقال من مكان إلى آخر ، أو من حال إلى حال ، والمراد هنا : انتقالهم من قبورهم إلى الحساب يوم القيامة ، فتقول لهم الملائكة على سبيل التوبيخ والتبكيت : أولم تكونوا تقسمون بالأيمان المغلظة في الدنيا : بأنهم بعد موتكم ، ستبقون في قبوركم إلى أن تبلى أجسامكم ، وأنه ليس بعد ذلك من بعث ولا حساب ، ولا ثواب ولا عقاب32 .

وقريب من هذه الآية قوله تعالى :

{ حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون* لعلّي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون } . ( المؤمنون : 100 ، 99 ) .

وقوله سبحانه : { وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعدا عليه حقا ولكن أكثر الناس لا يعلمون* ليبين لهم الذي يختلفون فيه وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين } . ( النحل : 39 ، 38 ) .