يخبر تعالى عن تأييد{[17693]} رسوله ، صلوات الله عليه وسلامه{[17694]} ، وتثبيته ، وعصمته وسلامته من شر الأشرار وكيد الفجار ، وأنه تعالى هو المتولي أمره ونصره ، وأنه لا يكله إلى أحد من خلقه ، بل هو وليه وحافظه وناصره ومؤيده ومظفره ، ومظهر{[17695]} دينه على من عاداه وخالفه وناوأه ، في مشارق الأرض ومغاربها ، صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرًا إلى يوم الدين .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الّذِي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاّتّخَذُوكَ خَلِيلاً } .
اختلف أهل التأويل في الفتنة التي كاد المشركون أن يفتنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بها عن الذي أوحى الله إليه إلى غيره فقال بعضهم : ذلك الإلمام بالاَلهة ، لأن المشركين دعوه إلى ذلك ، فهمّ به رسول الله صلى الله عليه وسلم . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يعقوب القُمّي ، من جعفر ، عن سعيد ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلم الحجر الأسود ، فمنعته قريش ، وقالوا : لا نَدَعُه حتى يلم بآلهتنا ، فحدّث نفسه ، وقال : «ما عَلَيّ أنْ أُلمّ بِها بَعْدَ أنْ يَدَعُونِي أسْتَلِمُ الحَجَرَ ، وَاللّهُ يَعْلَمُ أنّي لَهَا كارِهٌ » ، فَأَبَى الله ، فَأنْزَلَ اللّهُ : وإنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الّذِي أَوْحَيْنا إلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غيرَهُ الاَية .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَلَوْلا أنْ ثَبّتْناكَ لَقَدْ كدْتَ تَرْكَن إلَيْهِمْ شَيْئا قَلِيلاً ذكر لنا أن قريشا خلوا برسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة إلى الصبح يكلمونه ويفخمونه ويسودونه ويقاربونه ، وكان في قولهم أن قالوا : إنك تأتي بشيء لا يأتي به أحد من الناس ، وأنت سيدنا وابن سيدنا ، فما زالوا يكلّمونه حتى كاد أن يقارفهم ثم منعه الله وعصمه من ذلك ، فقال : وَلَوْلا أنْ ثَبّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إلَيْهِمْ شَيْئا قَلِيلاً .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غيرَهُ قال : أطافوا به ليلة ، فقالوا : أنت سيدنا وابن سيدنا ، فأرادوه على بعض ما يريدون فهمّ أن يقارفَهُمْ في بعض ما يريدون ، ثم عصمه الله ، فذلك قوله : لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إلَيْهِمْ شَيْئا قَلِيلاً الذي أرادوا فهمّ أن يقارفهم فيه .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قال : قالوا له : ائت آلهتنا فامْسَسْها ، فذلك قوله : شَيْئا قليلاً .
وقال آخرون : إنما كان ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم همّ أن يُنِظر قوما بإسلامهم إلى مدة سألوه الإنظار إليها . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وَإنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَن الّذي أوْحَيْنا إلَيْكَ لِتَفْتَري عَلَيْنا غيرَهُ وإذا لاتّخَذوكَ خَلِيلاً وذلك أن ثقيفا كانوا قالوا للنبيّ صلى الله عليه وسلم : يا رسول لله أَجّلنا سنة حتى يُهْدَى لاَلهتنا ، فإذا قبضنا الذي يُهْدى لاَلهتنا أخذناه ، ثم أسلمنا وكسرنا الاَلهة ، فهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطيهم ، وأن يؤجّلهم ، فقال الله : وَلَوْلا أنْ ثَبّتْناكَ لَقَدْ كَدْتَ تَرْكَنُ إلَيْهِمْ شَيْئا قَلِيلاً .
القول في ذلك أن يقال : إن الله تعالى ذكره أخبر عن نبيه صلى الله عليه وسلم ، أن المشركين كادوا أن يفتنوه عما أوحاه الله إليه ليعمل بغيره ، وذلك هو الافتراء على الله وجائز أن يكون ذلك كان ما ذكر عنهم من ذكر أنهم دعوه أن يمسّ آلهتهم ، ويلمّ بها ، وجائز أن يكون كان ذلك ما ذُكر عن ابن عباس من أمر ثقيف ، ومسألتهم إياه ما سألواه مما ذكرنا وجائز أن يكون غير ذلك ، ولا بيان في الكتاب ولا في خبر يقطع العذر أيّ ذلك كان ، والاختلاف فيه موجود على ما ذكرنا ، فلا شيء فيه أصوب من الإيمان بظاهره ، حتى يأتي خبر يجب التسليم له ببيان ما عُنِي بذلك منه .
وقوله : وَإذا لاتّخَذُوكَ خَلِيلاً يقول تعالى ذكره : ولو فعلت ما دَعَوْك إليه من الفتنة عن الذي أوحينا إليك لاتخذوك إذا لأنفسهم خليلاً ، وكنت لهم وكانوا لك أولياء .
وقوله { وإن كادوا ليفتنونك } الآية ، { إن } هذه عند سيبويه هي المخففة من الثقيلة ، واللام في قوله { ليفتنونك } لام تأكيد ، و { إن } هذه عند الفراء بمعنى ما ، واللام بمعنى إلا والضمير في قوله { كادوا } قيل هو لقريش وقيل لثقيف ، فأما لقريش ، فقال ابن جبير ومجاهد : نزلت الآية لأنهم قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : لا ندعك تستلم الحجر الأسود حى تمس أيضاً أوثاننا على معنى التشرع بذلك ، قال الطبري وغيره : فهمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يظهر لهم ذلك ، وقلبه منكر فنزلت الآية في ذلك قال الزجاج : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفسه «وما علي أن أفعل لهم ذلك والله تعالى يعلم ما في نفسي » وقال ، ابن إسحاق وغيره ، إنهم اجتمعوا إليه ليلة فعظموه ، وقالوا له : أنت سيدنا ولكن أقبل على بعض أمرنا ونقبل على بعض أمرك ، فنزلت الآية في ذلك فهي في معنى قوله تعالى :
{ ودّوا لو تدهن فيدهنون }{[7647]} . وحكى الزجاج أن الآية قيل إنها فيما أرادوه من طرد فقراء أصحابه ، وأما لثقيف ، فقال ابن عباس وغيره : لأنهم طلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤخرهم بعد إسلامهم سنة يعبدون فيها اللات ، وقالوا إنا نريد أن نأخذ ما يهدى لنا ، ولكن إن خفت أن تنكر ذلك عليك العرب ، فقل : أوحى الله ذلك إلي ، فنزلت الآية في ذلك ، ويلزم قائل هذا القول أن يجعل الآية مدنية ، وقد روي ذلك ، وروى قائلو الأقوال الأخر أنها مكية .
قال القاضي أبو محمد : وجميع ما أريد من النبي صلى الله عليه وسلم بحسب هذا الاختلاف قد أوحى الله إليه خلافه ، إما في معجز وإما في غير معجز ، وفعله هو أن لو وقع افتراء على الله إذ أفعاله وأقواله إنما هي كلها شرع . وقوله { وإذاً لاتخذوك خليلاً } توقيف على ما نجاه الله منه من مخالفة الكفار والولاية لهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.