المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَبَرَزُواْ لِلَّهِ جَمِيعٗا فَقَالَ ٱلضُّعَفَـٰٓؤُاْ لِلَّذِينَ ٱسۡتَكۡبَرُوٓاْ إِنَّا كُنَّا لَكُمۡ تَبَعٗا فَهَلۡ أَنتُم مُّغۡنُونَ عَنَّا مِنۡ عَذَابِ ٱللَّهِ مِن شَيۡءٖۚ قَالُواْ لَوۡ هَدَىٰنَا ٱللَّهُ لَهَدَيۡنَٰكُمۡۖ سَوَآءٌ عَلَيۡنَآ أَجَزِعۡنَآ أَمۡ صَبَرۡنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٖ} (21)

21- وسيظهر الكفار جميعاً من قبورهم للرائين - لأجل حساب الله تعالى - ظهوراً لا شك فيه كأنه واقع الآن فعلا ، فيقول ضعفاء الرأي من الأتباع للقادة المستكبرين : إنا كنا لكم تابعين في تكذيب الرسل ومحاربتهم والإعراض عن نصائحهم ، فهل أنتم اليوم دافعون عنا من عذاب الله بعض الشيء ؟ قال المستكبرون : لو هدانا الله إلى طريق النجاة ووفقنا له لأرشدنا ودعوناكم إليه ، ولكن ضللنا فأضللناكم ، أي اخترنا لكم ما اخترناه لأنفسنا ، ونحن وأنتم الآن سواء علينا الجزع والصبر ، ليس لنا مهرب من العذاب .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَبَرَزُواْ لِلَّهِ جَمِيعٗا فَقَالَ ٱلضُّعَفَـٰٓؤُاْ لِلَّذِينَ ٱسۡتَكۡبَرُوٓاْ إِنَّا كُنَّا لَكُمۡ تَبَعٗا فَهَلۡ أَنتُم مُّغۡنُونَ عَنَّا مِنۡ عَذَابِ ٱللَّهِ مِن شَيۡءٖۚ قَالُواْ لَوۡ هَدَىٰنَا ٱللَّهُ لَهَدَيۡنَٰكُمۡۖ سَوَآءٌ عَلَيۡنَآ أَجَزِعۡنَآ أَمۡ صَبَرۡنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٖ} (21)

يقول : { وَبَرَزُوا [ لِلَّهِ ]{[15798]} } أي : برزت الخلائق كلها ، برها وفاجرها لله وحده الواحد القهار ، أي : اجتمعوا له في براز{[15799]} من الأرض ، وهو المكان الذي ليس فيه شيء يستر أحدا .

{ فَقَالَ الضُّعَفَاءُ } وهم الأتباع لقادتهم وسادتهم وكبرائهم الذين استكبروا عن عبادة .

الله وحده لا شريك له ، وعن موافقة الرسل ، فقالوا لهم : { إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا } أي : مهما أمرتمونا ائتمرنا وفعلنا ، { فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ } أي : فهل تدفعون عنا شيئًا من عذاب الله ، كما كنتم تعدوننا وتمنوننا ؟ فقالت القادة لهم : { لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ } ولكن حق علينا قول ربنا ، وسبق فينا وفيكم قدر الله ، وحقت كلمة العذاب على الكافرين .

{ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ } أي : ليس لنا خَلاص مما نحن فيه إن صبرنا عليه أو جزعنا منه .

قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : إن أهل النار قال بعضهم لبعض : تعالوا ، فإنما أدرك أهل الجنة الجنة ببكائهم وتضرعهم إلى الله ، عز وجل ، تعالوا نبك ونتضرع إلى الله فبكوا وتضرعوا ، فلما رأوا ذلك لا ينفعهم قالوا : تعالوا ، فإنما أدرك أهل الجنة الجنة بالصبر ، تعالوا حتى نصبر فصبروا صبرا لم ير مثله ، فلم ينفعهم ذلك ، فعند ذلك قالوا{[15800]} { سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ }

قلت : والظاهر أن هذه المراجعة في النار بعد دخولهم إليها ، كما قال تعالى : { وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ } [ غافر : 47 ، 48 ] ، وقال تعالى : { قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالإنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ{[15801]} النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لا تَعْلَمُونَ وَقَالَتْ أُولاهُمْ لأخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ } [ الأعراف : 38 ، 39 ] ،

وقال تعالى : { يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا } [ الأحزاب : 66 - 68 ] .

وأما تخاصمهم في المحشر ، فقال تعالى : { وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ{[15802]} مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا{[15803]} النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الأغْلالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [ سبأ : 31 - 33 ] .


[15798]:- زيادة من أ.
[15799]:- في ت : "برار".
[15800]:- في أ : "فقالوا".
[15801]:- في ت : "في".
[15802]:- في ت ، أ : "المجرمون" وهو خطأ.
[15803]:- في ت : "وأسر وهو خطأ.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَبَرَزُواْ لِلَّهِ جَمِيعٗا فَقَالَ ٱلضُّعَفَـٰٓؤُاْ لِلَّذِينَ ٱسۡتَكۡبَرُوٓاْ إِنَّا كُنَّا لَكُمۡ تَبَعٗا فَهَلۡ أَنتُم مُّغۡنُونَ عَنَّا مِنۡ عَذَابِ ٱللَّهِ مِن شَيۡءٖۚ قَالُواْ لَوۡ هَدَىٰنَا ٱللَّهُ لَهَدَيۡنَٰكُمۡۖ سَوَآءٌ عَلَيۡنَآ أَجَزِعۡنَآ أَمۡ صَبَرۡنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٖ} (21)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَبَرَزُواْ للّهِ جَمِيعاً فَقَالَ الضّعَفَاءُ لِلّذِينَ اسْتَكْبَرُوَاْ إِنّا كُنّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُمْ مّغْنُونَ عَنّا مِنْ عَذَابِ اللّهِ مِن شَيْءٍ قَالُواْ لَوْ هَدَانَا اللّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَآ أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مّحِيصٍ } .

يعني تعالى ذكره بقوله : وَبَرَزُوا لِلّهِ جَمِيعا وظهر هؤلاء الذين كفروا به يوم القيامة من قبورهم فصاروا بالبزار من الأرض جميعا ، يعني كلهم . فَقالَ الضّعَفاءُ للّذِينَ اسْتَكْبَرُوا يقول : فقال التباع منهم للمتبوعين ، وهم الذين كانوا يستكبرون في الدنيا عن إخلاص العبادة لله واتباع الرسل الذين أرسلوا إليهم : إنّا كُنّا لَكُمْ تَبَعا في الدنيا ، والتّبَع : جمع تابع ، كما الغَيَبُ جمع غائب . وإنما عَنَوا بقولهم : إنّا كُنّا لَكُمْ تَبَعَا أنهم كانوا أتباعهم في الدنيا يأتمرون لما يأمرونهم به من عبادة الأوثان والكفر بالله ، وينتهون عما نهوهم عنه من اتباع رسل الله . فَهَلْ أنْتُمْ مُغْنُونَ عَنّا مِنْ عَذَابِ اللّهِ مِنْ شَيْءٍ يعنون : فهل أنتم دافعون عنا اليوم من عذاب الله من شيء . وكان ابن جريج يقول نحو ذلك .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : وَقالَ الضّعَفاءُ قال : الأتباع للّذِينَ اسْتَكْبَرُوا قال : للقادة .

وقوله : لَوْ هَدَانا اللّهُ لَهَدَيْناكُمْ يقول عزّ ذكره : قالت القادة على الكفر بالله لتباعها : لَوْ هَدَانا اللّهُ يعنون : لو بين لنا شيئا ندفع به عذابه عنا اليوم ، لَهَدْينَاكُمْ لبيّنا ذلك لكم حتى تدفعوا العذاب عن أنفسكم ، ولكنا قد جزعنا من العذاب فلم ينفعنا جزعنا منه وصبرنا عليها . سَوَاءٌ عَلَيْنا أجَزِعْنا أمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ يعنون : ما لهم من مزاغ يزوغون عنه ، يقال منه : حاص عن كذا إذا زاغ عنه يحِيص حَيْصا وحُيُوصا وحَيَصانا .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد بن نصر ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن الحكم ، عن عمر بن أبي ليلى أحد بني عامر ، قال : سمعت محمد بن كعب القُرَظِيّ يقول : بلغني أو ذُكر لي أن أهل النار قال بعضهم لبعض : يا هؤلاء ، إنه قد نزل بكم من العذاب والبلاء ما قد تَرْون ، فهلمّ فلنصبر ، فلعلّ الصبر ينفعنا كما صبر أهل الدنيا على طاعة الله فنفعهم الصبر إذ صبروا قال : فيجمعون رأيهم على الصبر ، قال : فصبروا فطال صبرهم ، ثم جزعوا فنادوا : سَوَاءٌ عَلَيْنا أجَزِعْنا أمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ أي مَنْجي .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : سَوَاءٌ عَلَيْنا أجَزِعْنا أمْ صَبرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ قال : إن أهل النار قال بعضهم لبعض : تعالَوا ، فإنما أدرك أهل الجنة الجنَة ببكائهم وتضرّعهم إلى الله ، فتعالَوا نبكي ونتضِرّع إلى الله قال : فبكَوا ، فلما رأوا ذلك لا ينفعهم قالوا : تعالوا ، فما أدرك أهل الجنة الجنَة إلا بالصبر ، تعالَوا نصبر فصَبروا صبرا لم يُر مثله ، فلم ينفعهم ذلك فعند ذلك قالوا سَوَاءٌ عَلَيْنا أجَزِعْنا أمْ صَبرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَبَرَزُواْ لِلَّهِ جَمِيعٗا فَقَالَ ٱلضُّعَفَـٰٓؤُاْ لِلَّذِينَ ٱسۡتَكۡبَرُوٓاْ إِنَّا كُنَّا لَكُمۡ تَبَعٗا فَهَلۡ أَنتُم مُّغۡنُونَ عَنَّا مِنۡ عَذَابِ ٱللَّهِ مِن شَيۡءٖۚ قَالُواْ لَوۡ هَدَىٰنَا ٱللَّهُ لَهَدَيۡنَٰكُمۡۖ سَوَآءٌ عَلَيۡنَآ أَجَزِعۡنَآ أَمۡ صَبَرۡنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٖ} (21)

{ وبرزوا لله جميعا } أي يبرزون من قبورهم يوم القيامة لأمر الله تعالى ومحاسبته ، أو { لله } على ظنهم فإنهم كانوا يخفون ارتكاب الفواحش ويظنون أنها تخفى على الله تعالى ، فإذا كان يوم القيامة انكشفوا لله تعالى عند أنفسهم ، وإنما ذكر بلفظ الماضي لتحقيق وقوعه . { فقال الضعفاء } الأتباع جمع ضعيف يريد به ضعاف الرأي ، وإنما كتبت بالواو على لفظ من بفخم الألف قبل الهمزة في فيمليها إلى الواو . { للذين استكبروا } لرؤسائهم الذين استتبعوهم واستغووهم . { إنا كنا لكم تبعا } في تكذيب الرسل والإعراض عن نصائحهم ، وهو جمع تابع كغائب وغيب ، أو مصدر نعت به للمبالغة أو على إضمار مضاف . { فهل أنتم مغنون عنا } دافعون عنا . { من عذاب الله من شيء } من الأولى للبيان واقعة موقع الحال ، والثانية للتبغيض واقعة موقع المفعول أي بعض الشيء الذي هو عذاب الله ، ويجوز أن تكونا للتبعيض أي بعض شيء هو بعض عذاب الله ، والأعراب ما سبق ويحتمل أن تكون الأولى مفعولا والثانية مصدرا ، أي فهل أنتم مغنون بعض العذاب بعض الإغناء . { قالوا } أي الذين استكبروا جوابا عن معاتبة الأتباع واعتذار عما فعلوا بهم . { لو هدانا الله } للإيمان ووفقنا له . { لهديناكم } ولكن ضللنا فأضللناكم أي اخترنا لكم ما اخترناه لأنفسنا ، أو لو هدنا الله طريق النجاة من العذاب لهديناكم وأغنيناه عنكم كما عرضناكم له ، لكن سد دوننا طريق الخلاص . { سواء علينا أجزعنا أم صبرنا } مستويان علينا الجزع والصبر . { ما لنا من محيص } منجى ومهرب من العذاب ، من الحيص وهو العدل على جهة الفرار ، وهو يحتمل أن يكون مكانا كالمبيت ومصدرا كالمغيب ، ويجوز أن يكون قوله { سواء علينا } من كلام الفريقين ويؤيده ما روي أنهم يقولون : تعالوا نجزع فيجزعون خمسمائة عام فلا ينفعهم ، فيقولون تعالوا نصبر فيصبرون كذلك ثم يقولون { سواء علينا } .