فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَبَرَزُواْ لِلَّهِ جَمِيعٗا فَقَالَ ٱلضُّعَفَـٰٓؤُاْ لِلَّذِينَ ٱسۡتَكۡبَرُوٓاْ إِنَّا كُنَّا لَكُمۡ تَبَعٗا فَهَلۡ أَنتُم مُّغۡنُونَ عَنَّا مِنۡ عَذَابِ ٱللَّهِ مِن شَيۡءٖۚ قَالُواْ لَوۡ هَدَىٰنَا ٱللَّهُ لَهَدَيۡنَٰكُمۡۖ سَوَآءٌ عَلَيۡنَآ أَجَزِعۡنَآ أَمۡ صَبَرۡنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٖ} (21)

{ وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا } أي : برزوا من قبورهم يوم القيامة ، والبروز : الظهور ، والبراز : المكان الواسع لظهوره ، ومنه امرأة برزة ، أي : تظهر للرجال ، فمعنى { برزوا } ظهروا من قبورهم . وعبر بالماضي عن المستقبل تنبيهاً على تحقيق وقوعه كما هو مقرّر في علم المعاني ، وإنما قال : { وبرزوا لله } مع كونه سبحانه عالماً بهم لا تخفى عليه خافية من أحوالهم برزوا أو لم يبرزوا ؛ لأنهم كانوا يستترون عن العيون عند فعلهم للمعاصي ويظنون أن ذلك يخفى على الله تعالى ، فالكلام خارج على ما يعتقدونه { فَقَالَ الضعفاء لِلَّذِينَ استكبروا } أي قال : الأتباع الضعفاء للرؤساء الأقوياء المتكبرين لما هم فيه من الرياسة : { إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا } أي : في الدنيا ، فكذبنا الرسل وكفرنا بالله متابعة لكم . والتبع جمع تابع ، أو مصدر وصف به للمبالغة ، أو على تقدير : ذوي تبع . قال الزجاج : جمعهم في حشرهم فاجتمع التابع والمتبوع ، فقال الضعفاء للذين استكبروا من أكابرهم عن عبادة الله : إنا كنا لكم تبعاً . جمع تابع ، مثل خادم وخدم ، وحارس وحرس ، وراصد ورصد { فَهَلْ أَنتُمْ مُّغْنُونَ عَنَّا } أي : دافعون عنا { من عذاب الله من شيء } ، «من » الأولى للبيان ، والثانية للتبعيض ، أي : بعض الشيء الذي هو عذاب الله ؛ يقال : أغنى عنه : إذا دفع عنه الأذى ، وأغناه إذا أوصل إليه النفع { قَالُوا لَوْ هَدَانَا الله لَهَدَيْنَاكُمْ } أي : قال المستكبرون مجيبين عن قول المستضعفين ، والجملة مستأنفة بتقدير سؤال كأنه قيل : كيف أجابوا ؟ أي لو هدانا الله إلى الإيمان لهديناكم إليه . وقيل : لو هدانا الله إلى طريق الجنة لهديناكم إليها . وقيل : لو نجانا الله من العذاب لنجيناكم منه . { سَوَاء عَلَيْنَا أَجزعْنَا أَمْ صَبَرْنَا ما لَنَا مِن [ مَّحِيصٍ ] } أي : مستوٍ علينا الجزع والصبر ، والهمزة و «أم » لتأكيد التسوية في قوله :

{ سَوَاء عَلَيْهِمْ ءأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ } [ البقرة : 6 ] . { مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ } أي : من منجى ومهرب من العذاب ، يقال : حاص فلان عن كذا ، أي : فرّ وزاغ ، يحيص حيصاً وحيوصاً وحيصاناً ، والمعنى : ما لنا وجه نتباعد به عن النار ، ويجوز أن يكون هذا من كلام الفريقين ، وإن كان الظاهر أنه من كلام المستكبرين .

/خ23