غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَبَرَزُواْ لِلَّهِ جَمِيعٗا فَقَالَ ٱلضُّعَفَـٰٓؤُاْ لِلَّذِينَ ٱسۡتَكۡبَرُوٓاْ إِنَّا كُنَّا لَكُمۡ تَبَعٗا فَهَلۡ أَنتُم مُّغۡنُونَ عَنَّا مِنۡ عَذَابِ ٱللَّهِ مِن شَيۡءٖۚ قَالُواْ لَوۡ هَدَىٰنَا ٱللَّهُ لَهَدَيۡنَٰكُمۡۖ سَوَآءٌ عَلَيۡنَآ أَجَزِعۡنَآ أَمۡ صَبَرۡنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٖ} (21)

18

{ وبرزوا } بلفظ الماضي تحقيقاً للوقوع مثل { وسيق } [ الزمر : 73 ] { ونادى } [ الأعراف : 48 ] والتركيب يدل على الظهور بعد الخفاء ومنه " امرأة برزة " إذا كانت تظهر للناس " وبرز فلان على أقرانه " إذا فاقهم . ومعنى بروزهم لله وهو سبحانه لا يخفى عليه شيء أنهم كانوا يستترون عن العيون عند ارتكاب الفواحش ويظنون أن ذلك خافٍ على الله . فإذا كان يوم القيامة انكشفوا لله عند أنفسهم وعلموا أن الله لا يخفى عليه خافية ، أو المضاف محذوف أي برزوا لحساب الله وحكمه . قال أبو بكر الأصم : قوله : { وبرزوا لله } هو المراد من قوله : { ومن ورائه عذاب غليظ } وعلى قواعد الحكماء : النفس إذا فارقت الجسد زال الغطاء وكشف الوطاء وظهرت عليه آثار الملكات والهيئات التي كان يمنعها عن الشعور بها اشتغالها بعالم الحس فذلك هو البروز لله ، فإن كانوا من السعداء برزوا لموقف الجمال بصفاتهم القدسية وهيئاتهم النورية ، فما أجل تلك الأحوال ويا طوبى لأهل النوال . وإن كانوا من الأشقياء برزوا لموقف الجلال بأوصافهم الذميمة وهيئاتهم المظلمة ، فما أعظم تلك الفضيحة وما أشنع تلك المهانة .

كتب { الضعفواء } بواو قبل الهمزة على لفظ من يفخم الألف قبل الهمزة فيميلها إلى الواو ومثله : { علمواء بني إسرائيل } [ الشعراء : 197 ] والضعفاء العوام الأراذل ، والذين استكبروا سادتهم وأشرافهم الذين استنكفوا عن عبادته تعالى فضلوا وأضلوا . قال الفراء : أكثر أهل اللغة على أن التبع جمع تابع كخدم وخادم وحرس وحارس . وجوز الزجاج أن يكون التبع مصدراً أي ذوي أتباع إما في الكفر أو في الأمور الدنيوية { فهل أنتم مغنون } هل يمكنكم دفع عذاب الله { عنا } ومن في { من عذاب الله } للتبيين وفي { من شيء } للتبعيض . والمعنى هل تدفعون عنا بعض الشيء الذي هو عذاب الله أو كلاهما للتبعيض بمعنى هل أنتم مغنون عنا بعض شيء هو بعض عذاب الله { قالوا لو هدانا الله لهديناكم } . عن ابن عباس : لو أرشدنا الله لأرشدناكم قال الواحدي : معناه أنهم إنما دعوهم إلى الضلال لأن الله أضلهم ولو هداهم لدعوهم إلى الهدى . وقال في الكشاف : لعلهم قالوا ذلك مع أنه كذبوا فيه كقوله : { يوم يبعثهم الله جميعاً فيحلفون له كما يحلفون لكم } [ المجادلة : 18 ] واعترض عليه بأن هذا خلاف مذهبه لأنهم لا يجوّزون صدور الكذب عن أهل القيامة كما مر في أوائل " الأنعام " في قوله : { والله ربنا ما كنا مشركين } [ الآية : 23 ] وجوز أيضاً أن يكون المراد لو كنا من أهل اللطف فلطف بنا ربنا واهتدينا لهديناكم إلى الإيمان . وزيف بأن كل ما في مقدور الله تعالى من الألطاف فقد فعله . وقيل : لو هدانا الله طريق النجاة من العذاب لأغنينا عنكم وسلكنا بكم طريق النجاة ، ويؤكد هذا التفسير قوله : { سواء علينا أجزعنا أم صبرنا } وإعرابه كقوله : { سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم }

[ البقرة : 6 ] أرادوا إقناطهم من دفع العذاب بالكلية ، أو أرادوا أن عتاب الضعفاء لهم وتوبيخهم إياهم نوع من الجزع ولا فائدة فيه ولا في الصبر . وجوز في الكشاف أن يكون قوله : { سواء علينا } الخ من كلام الضعفاء والمستكبرين جميعاً نظيره في وصل كلام إنسان بكلام إنسان آخر ، قوله : { ذلك ليعلم أني لم أخنه } { يوسف : 52 } والمحيص المنجي والمهرب مصدر كالمغيب والمحيص ، أو مكان كالمبيت والمضيف . ولما ذكر مناظرة شياطين الإنس أتبعها مناظرة شيطان الجن . ومعنى { قضي الأمر } قطع وفرغ منه وذلك حين انقضاء المحاسبة . والأكثرون على أنه بعد الحساب ودخول الأشقياء النار والسعداء الجنة . وعند أهل السنة هو بعد خروج الفساق من النار فليس بعد ذلك إلا الدوام في الجنة أو في النار .

/خ34