تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَبَرَزُواْ لِلَّهِ جَمِيعٗا فَقَالَ ٱلضُّعَفَـٰٓؤُاْ لِلَّذِينَ ٱسۡتَكۡبَرُوٓاْ إِنَّا كُنَّا لَكُمۡ تَبَعٗا فَهَلۡ أَنتُم مُّغۡنُونَ عَنَّا مِنۡ عَذَابِ ٱللَّهِ مِن شَيۡءٖۚ قَالُواْ لَوۡ هَدَىٰنَا ٱللَّهُ لَهَدَيۡنَٰكُمۡۖ سَوَآءٌ عَلَيۡنَآ أَجَزِعۡنَآ أَمۡ صَبَرۡنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٖ} (21)

الآية 21 : وقوله تعالى : { وبرزوا لله جميعا } قال مقاتل : خرجوا إلى الله من قبورهم جميعا . وقال : { جميعا } لأنه لا يغادر أحدا إلا بعثه{[9549]} . ويحتمل وجوها أخر سِوى ذلك .

وهي{[9550]} أنه قوله : { وبرزوا لله جميعا } أي لأمر الله ، أي لوعده الذي وعد أنهم يبعثون .

أو يريد الحكم : الله يحكم في بعثهم .

[ أو ]{[9551]} : { وبرزوا لله جميعا } أي ظهروا به ، ووجدوا ، فيكونون موجودين ظاهرين بعد أن كانوا فائتين ذاهبين غائبين ؛ أي عندهم في الدنيا أنهم [ فائتون غائبون ]{[9552]} عن الله ، فيومئذ يعلمون أنه كان لا يخفى عليه شيء من أفعالهم وأحوالهم ، وهو ما ذكرنا بقوله : { ليعلم الله من يخافه بالغيب } [ المائدة : 94 ] وقوله : { حتى تعلم المجاهدين منكم والصابرين } [ محمد : 31 ] [ وأمثالهم : أي ليَعلمهم ]{[9553]} مجاهدين صابرين كما علمهم غير مجاهدين وغير صابرين وقوله{[9554]} : { عالم الغيب والشهادة } [ الأنعام : 73 و . . . . . ] أي{[9555]} يعلمهم شهودا كما علمهم غيبا .

فعلى ذلك قوله : { وبرزوا لله جميعا } أي يكونون له موجودين ظاهرين ، والله أعلم .

وإضافة البروز إليه في الآخرة ، وإن كان بروزهم له في الدارين جميعا ، وكذلك المصير إليه ، والمرجع إليه ، والمآب ، ونحوه . فهو ، والله أعلم ، لما ينازعه أحد في البروز في ذلك اليوم ، وقد ينازع في الدنيا .

أو خص ذلك البروز بالإضافة لما هو المقصود من إنشائه إياهم وخَلقهم ، ليس المقصود في خلقهم وإنشائهم الأول ، ولكن الآخر . فخص ذلك بالإضافة إليه ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { وبرزوا لله جميعا } أي يومئذ يعلمون أنه كان لا يخفى عليه شيء ، لأنهم{[9556]} لم يكونوا يعلمون قبل{[9557]} ذلك .

وقوله تعالى : { فقال الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مُغنون عنا من عذاب الله من شيء } قال قائلون : قوله : { فهل أنتم مغنون عنا } أي دافعون عنا من عذاب الله إذ كنا لكم أتباعا ، وكنتم متبوعين ، فادفعوا عنا ذلك .

لكن هذا بعيد أن يطلبوا منهم دفع العذاب عنهم ، وقد رأوهم في العذاب . فلو قدروا على دفع [ العذاب ]{[9558]} عنهم لدفعوا أولا عن أنفسهم إلا أن يكون فيهم حيرة وعمى كما كان في الدنيا ؛ فللحيرة ما قالوا كقوله : { ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى } [ الإسراء : 72 ] .

والأشبه أنهم يطلبون : [ منهم دفع بعض العذاب ]{[9559]} عنهم [ وتحمل بعض العذاب ]{[9560]} لأن مَؤُنَة الإتباع في العرف يتحملها المتبوع ، فيطلبون منهم دفع شيء وتحمل بعض ما حل بهم ، وهو ما ذكر في الآية الأخرى : { فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار } [ غافر : 47 ] طلبوا منهم تحمل بعض ما حل بهم .

وقوله تعالى : { قالوا لو هدانا الله لهديناكم } قال بعض أهل العلم : إن الكفرة جميعا أتباعهم ومتبوعيهم أعلم بهداية الله من المعتزلة لأنهم قالوا : { لو هدانا الله لهديناكم } علموا أن الله عز وجل لو هداهم لاهتدوا ، وأنه{[9561]} يملك هدايتهم ، والمعتزلة يقولون : قد هدى الله جميع الكفرة وجميع الخلائق ، فلم يهتدوا ، وإنه لو أراد أن يهدي أحدا لم يملك . والكفرة حين{[9562]}قالوا : { لو هدانا الله لهديناكم } رأوا ، وعلموا أن الله لو هداهم لاهتدوا ، لأنهم لو لم يهتدوا بهدايته إذ هداهم لم يعتذروا إلى أتباعهم { لهديناكم } .

وقال إبليس : { رب بما أغويتني } [ الحجر : 39 ] أضاف الإغواء إليه ، وهم{[9563]} يقولون : لا يغوي الله أحدا . فإبليس أعلم بهذا من المعتزلة ، وقولهم{[9564]} : { لو هدانا الله } أي لو رزقنا الله الهدى ، وأكرمنا به { لهديناكم } ولكن لم يرزقنا ذلك ، ولم يكرمنا [ به ]{[9565]} .

وقال أبو بكر الأصم : تأويل قولهم : { لو هدانا الله لهديناكم } لو كان الذي كنا عليه هدى لهديناكم .

فهذا صرف هذه الآية عن وجهها بلا دليل ؛ فلو جاز له{[9566]} هذا جاز لغيره صرف جميع الآيات عن ظاهرها بلا دليل مع ا أن الاتباع قد علموا أن الذي كانوا عليه لم يكن هدى ، فلا معنى لهذا .

وقوله تعالى : { سواء علينا أجَزعنا أم صبرنا ما لنا من مَّحيص } . قال أهل التأويل : إنهم قالوا فيما بينهم : تعالوا حتى نجزع ، لعل الله يرحمنا ، فجزعوا حينا ، فلم يرحموا ، ثم قالوا : تعالوا حتى نصبر ، لعل الله يرحمنا ، فلم يرحموا ، فعند ذلك قالوا : { سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص } .

لكن لا يُحتمل أن يقولوا ذلك بعد الامتحان والاختبار ، لكم كأنهم قالوا ذلك بالذي سمعوا ، وهو قوله : { فاصبروا أو لا تصبروا سواء عليكم إنما تجزون ما كنتم تعملون } [ الطور : 16 ] أي لما سمعوا ذلك ]{[9567]} قالوا : { سواء / 270 – أ / علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص } أي مُنجِ ومُخَلِّص .

لا يُحتمل أن يقولوا : { سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص } في أول أحوالهم وأمورهم ، ولكن يحتمل ما ذكر أهل التأويل أنهم يقولون ذلك عند الإياس .


[9549]:في الأصل وم: بعث.
[9550]:في الأصل وم: وهو.
[9551]:ساقطة من الأصل وم.
[9552]:في الأصل وم: فائتين غائبين.
[9553]:في الأصل: وأمثاله أن يعلمهم، في م: وأمثاله أي يعلمهم.
[9554]:في الأصل وم: وكقوله.
[9555]:في الأصل وم: و.
[9556]:في الأصل وم: وكأنهم.
[9557]:في الأصل وم: وقبل.
[9558]:ساقطة من الأصل وم.
[9559]:من م، ساقطة من الأصل.
[9560]:في الأصل وم: ويحتمل بعض.
[9561]:في الأصل وم: و.
[9562]:في الأصل وم: حيث.
[9563]:الضمير يعود إلى المعتزلة.
[9564]:الضمير يعود إلى الكفرة.
[9565]:من م، ساقطة من الأصل.
[9566]:من م، في الأصل: لغير.
[9567]:في الأصل وم: ولما سمعوا ذلك عند ذلك.