قوله تعالى : { تَبَعًا } : يجوز أن يكونَ جمع " تابِع " كخادِم وخَدَم وغائِب وغَيَب ، ويجوزُ أن يكونَ مصدراً نحو : قومٌ عَدْلٌ ، ففيه ثلاثةُ التأويلاتِ المشهورةِ .
قوله : { مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِن شَيْءٍ } في " مِنْ " أوجهٌ : أحدُها : أنَّ :مِنْ " الأولى للتبيين ، والثانيةَ للتبعيض ، تقديرُه : مُغْنون عنا بعضَ الشيءِِ الذي هو عذابُ الله ، قاله الزمخشري . قال الشيخ : " هذا يقتضي التقديمَ في قوله " مِن شَيْءٍ " على قوله { مِنْ عَذَابِ اللَّهِ } ؛ لأنه جَعَلَ { مِن شَيْءٍ } هو المُبَيِّنَ بقولِهِ من عذاب ، و " مِنْ " التبيينيةُ مقدَّمٌ عليها ما تُبَيِّنه ولا يتأخَّر " . قلتُ : كلامُ الزمخشري صحيحٌ من حيث المعنى ، فإنَّ { مِنْ عَذَابِ اللَّهِ } لو تأخَّر عن " شيء " كان صفةً له ومُبَيِّناً ، فلمَّا تقدَّم انقلب إعرابُه من الصفة إلى الحال ، وأمَّا معناه وهو البيانُ فباقٍ لم يتغيَّرْ .
الثاني : أن تكونا للتبعيضِ معاً بمعنى : هل أنتم مُغْنُوْن عنا بعضَ شيءٍ هو بعضُ عذابِ الله ؟ أي : بعض عذاب الله ، قاله الزمخشري . قال الشيخ : " وهذا يقتضي أن يكونَ بدلاً ، فيكونَ بدلَ عامٍّ مِنْ خاص ، وهذا لا يُقال ؛ فإنَّ بَعْضِيَّةِ الشيء مطلقةٌ ، فلا يكون لها بعضٌ " . قلت : لا نزاعَ أنه يقالُ : بعضُ البعض ، وهي عبارةٌ متداولةٌ ، وذلك البعضُ المُتَبَعِّضُ هو كلُّ لأبعاضِه بعضٌ لكلِّه ، وهذا كالجنسِ المتوسط هو نوعٌ لِما فوقَه ، جنسٌ لِما تحته .
الثالث : أنَّ " مِنْ " في { مِن شَيْءٍ } مزيدةٌ ، و " مِنْ " في { مِنْ عَذَابِ } فيها وجهان ، أحدُهما : أن تتعلَّقَ بمحذوفٍ لأنها في الأصل صفةٌ لشيء ، فلمَّا تقدَّمَتْ نُصِبت على الحال . والثاني : أنها تتعلَّق بنفس " مُغْنُوْنَ " على أن يكون " من شيء " واقعاً موقعَ المصدر ، أي : غِنى . ويوضح هذا ما قاله أبو البقاء ، قال : " ومِنْ زائدةٌ ، أي : شيئاً كائناً من عذاب الله ، ويكون محمولاً على المعنى تقديره : هل تمنعون عنا شيئاً ؟ ويجوز أن يكونَ " شيء " واقعاً موقعَ المصدر ، أي : غِنَى ، فيكون { مِنْ عَذَابِ اللَّهِ } متعلقاً ب " مُغْنُوْن " . وقال الحوفيُّ أيضاً : { ومِنْ عَذَابِ اللَّهِ } متعلٌ ب " مُغْنُون " ، و " مِنْ " في { مِن شَيْءٍ } لاستغراقِ الجنسِ زائدةٌ للتوكيد " .
قوله : { سَوَآءٌ عَلَيْنَآ } إلى آخرِه ، فيه قولان ، أحدُهما : أنه مِنْ كلام المستكبرين . والثاني : أنه من كلام المستكبرين والضعفاءِ معاً . وجاءَتْ كلٌّ جملةٍ مستقلةٍ من غيرِ عاطف دلالةً على أنَّ كلاًّ من المعاني مستقلٌّ بنفسه كافٍ في الإِخبار . وقد تقدَّم الكلامُ في التسويةِ والهمزةِ بعده في أول البقرة .
والجَزَعُ : عدمُ احتمالِ الشِّدَّةِ . قال امرؤ القيس :
جَزِعْتُ ولم أَجْزَعْ من البَيْنِ مَجْزِعاً *** وعَزَّيْتَ قلباً بالكواعب مُولَعا
وقال الراغب : " أصلُ الجَزَعِ : قَطْعُ الحَبْل مِنْ نصفه يقال : جَزَعْتُه فانْجَزَعْ ، ولتصَوُّرِ الانقطاع فيه قيل : جَزْعُ الوادي لمُنْقَطَعِه ، ولانقطاعِ اللونِ بتغيُّره . قيل للخرزِ المتلوِّن : جَزْعٌ ، واللحمُ المُجَزَّع ما كان ذا لونين ، والبُسْرَة المُجَزَّعَة أن يَبْلغَ الإِرطابُ نصفَها ، والجازِع خشبةٌ تُجعل في وسط البيت تلْقى عليها رؤوس الخشب من الجانبين ، وكأنه سُمِّي بذلك تَصَوُّراً لجَزَعِهِ لِما حُمِل عليه من العِبْء أو لقطعِه وسطَ البيت " والجَزَعُ أخصُّ من الحزن ، فإنَّ الجَزَعَ حُزْنٌ يَصْرِف الإِنسان عمَّا هو بصددِه .
والمَحيصُ : يكون مصدراً ويكون مكاناً . ويقال : جاض بالضاد المعجمة وجَيْضاً ، بها وبالجيم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.