فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَبَرَزُواْ لِلَّهِ جَمِيعٗا فَقَالَ ٱلضُّعَفَـٰٓؤُاْ لِلَّذِينَ ٱسۡتَكۡبَرُوٓاْ إِنَّا كُنَّا لَكُمۡ تَبَعٗا فَهَلۡ أَنتُم مُّغۡنُونَ عَنَّا مِنۡ عَذَابِ ٱللَّهِ مِن شَيۡءٖۚ قَالُواْ لَوۡ هَدَىٰنَا ٱللَّهُ لَهَدَيۡنَٰكُمۡۖ سَوَآءٌ عَلَيۡنَآ أَجَزِعۡنَآ أَمۡ صَبَرۡنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٖ} (21)

{ وَبَرَزُواْ لِلّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاء لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللّهِ مِن شَيْءٍ قَالُواْ لَوْ هَدَانَا اللّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاء عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ ( 21 ) }

{ وَبَرَزُواْ لِلّهِ جَمِيعًا } أي الخلائق من قبورهم يوم القيامة ، والبروز الظهور والبراز بالفتح المكان الواسع لظهوره ، ومنه امرأة برزة أي تظهر للرجال ، وبرز حصل في البراز أي الفضاء ، وذلك بأن يظهر بذاته كلها ، فمعنى برزوا ظهروا من قبورهم .

وعبر بالماضي عن المستقبل تنبيها على تحقيق وقوعه كما هو مقرر في علم المعاني وإنما قال وبرزوا لله مع كونه سبحانه عالما بهم لا يخفى عليه شيء من أحوالهم برزوا أو لم يبرزوا لأنهم كانوا يستترون عن العيون عند فعلهم للمعاصي ويظنون أن ذلك يخفى على الله تعالى ، فالكلام خارج على ما يعتقدونه .

{ فَقَالَ الضُّعَفَاء لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ } أي قال الأتباع الضعفاء في الرأي للرؤساء الأقوياء المتكبرين بما هم فيه من الرياسة { إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا } في الدنيا في الدين والإعتقاد فكذبنا الرسل وكفرنا بالله متابعة لكم ، والتبع جمع تابع مثل خادم وخدم وحارس وحرس وراصد ورصد ، أو مصدر وصف به للمبالغة أو على تقدير ذوي تبع .

قال الزجاج : جمعهم في حشرهم فاجتمع التابع والمتبوع فقال الضعفاء للذين استكبروا من أكابرهم وقادتهم عن عبادة الله أنا كنا لكم تبعا .

{ فَهَلْ أَنتُم } في هذا اليوم ، والاستفهام للتوبيخ { مُّغْنُونَ } أي دافعون { عَنَّا } يقال أغنى عنه إذا دفع عنه الأذى وأغناه إذا أوصل إليه النفع { مِنْ عَذَابِ اللّهِ مِن شَيْءٍ } أي بعض الشيء الذي هو عذاب الله ، فمن الأولى للبيان والثانية للتبعيض قاله الزمخشري ، وقيل هما للتبعيض معا قاله في الكشاف أيضا وقيل الأولى تتعلق بمحذوف والثانية مزيدة .

{ قَالُواْ } أي قال المستكبرون مجيبين عن قول المستضعفين { لَوْ هَدَانَا اللّهُ } إلى الإيمان في الدنيا { لَهَدَيْنَاكُمْ } إليه ولكن لما أضلنا وضللنا دعوناكم إلى الضلالة وأضللناكم واخترنا لكم ما اخترناه لأنفسنا ، والجملة مستأنفة كأنه قيل كيف أجابوا ، وقيل المعنى لو هدانا الله إلى طريق الجنة لهديناكم إليها ، وقيل لو نجانا الله من العذاب لنجيناكم منه .

{ سَوَاء عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا } أي مستو علينا الجزع والصبر ، والجزع أبلغ من الحزن لأنه يصرف الإنسان عما هو بصدده وبقطعه عنه والهمزة وأم لتأكيد التسوية كما في قوله تعالى : { سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم } .

{ مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ } أي منجاة ومهرب من العذاب من الحيص وهو العدول على جهة الفرار يقال حاص فلان عن كذا أي فر وزاغ يحيص حيصا وحيوصا وحيصانا .

والمعنى مالنا وجه نتباعد به عن النار ، ويجوز أن يكون هذا من كلام الفريقين وأن كان الظاهر أنه من كلام المستكبرين ، وفي مجيء كل جملة مستقلة من غير عاطف دلالة على أن كلا من المعاني مستقل بنفسه كاف في الأخبار ، وقال زيد بن أسلم : جزعوا مائة سنة وصبروا مائة سنة .

وأخرج الطبراني وابن أبي حاتم وابن مردويه عن كعب بن مالك يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( يقول أهل النار هلموا فلنصبر فيصبرون خمسمائة عام ، فلما رأوا ذلكم لا ينفعهم قالوا هلموا فلنجزع فبكوا خمسمائة عام ، فلما رأوا ذلك لا ينفعهم قالوا سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص ) .

والظاهر أن هذه المراجعة كانت بينهم بعد دخولهم النار كما في قوله تعالى : { وإذ يتحاجون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار قال الذين استكبروا إنا كل فيها أن الله قد حكم بين العباد } .