لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{وَبَرَزُواْ لِلَّهِ جَمِيعٗا فَقَالَ ٱلضُّعَفَـٰٓؤُاْ لِلَّذِينَ ٱسۡتَكۡبَرُوٓاْ إِنَّا كُنَّا لَكُمۡ تَبَعٗا فَهَلۡ أَنتُم مُّغۡنُونَ عَنَّا مِنۡ عَذَابِ ٱللَّهِ مِن شَيۡءٖۚ قَالُواْ لَوۡ هَدَىٰنَا ٱللَّهُ لَهَدَيۡنَٰكُمۡۖ سَوَآءٌ عَلَيۡنَآ أَجَزِعۡنَآ أَمۡ صَبَرۡنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٖ} (21)

قوله عز وجل { وبرزوا لله جميعاً } يعني خرجوا من قبورهم إلى الله ليحاسبهم ويجازيهم على قدر أعمالهم والبراز الفضاء ، وبرز حصل في البراز وذلك أن يظهر بذاته كلها والمعنى ، وخرجوا من قبورهم وظهروا إلى الفضاء وأورد بلفظ الماضي وإن كان معناه الاستقبال لأن كل ما أخبر الله عنه ، فهو حق وصدق . وكائن لا محالة فصار كأنه قد حصل ودخل في الوجود { فقال الضعفاء } يعني الأتباع { للذين استكبروا } وهم القادة والرؤساء { ن كنا لكم تبعاً } يعني في الدين والاعتقاد { فهل أنتم } يعني في هذا اليوم { مغنون عنا } يعني دافعون عنا { من عذاب الله من شيء } من هنا للتبعيض والمعنى هل تقدرون على أن تدفعوا عنا بعض عذاب الله الذي حل بنا { قالوا } يعني الرؤساء والقادة ، والمتبوعين للتابعين { لو هدانا الله لهديناكم } يعني لو أرشدنا الله لأرشدناكم ودعوناكم إلى الهدى ولكن لما أضلنا دعوناكم إلى الضلالة { سواء علينا أجزعنا أم صبرنا } يعني مستويان علينا الجزع والصبر . والجزع ، أبلغ من الحزن لأنه يصرف الإنسان عما هو بصدده ، ويقطعه عنه { ما لنا من محيص } يعني من مهرب ، ولا مناجاة مما نحن فيه من العذاب . قال مقاتل : يقولون في النار تعالوا نجزع فيجزعون خمسمائة عام فلا ينفعهم الجزع فيقولون : تعالوا نصبر فيصبرون خمسمائة عام فلا ينفعهم الصبر فعند ذلك يقولون سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص . وقال محمد بن كعب القرظي : بلغني أن أهل النار يستغيثون بالخزنة كما قال الله وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوماً من العذاب فردت الخزنة عليهم وقالوا ألم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى فردت الخزنة وقالوا ادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال فلما يئسوا مما عند الخزنة ، نادوا يا مالك ليقض علينا ربك سألوا الموت فلا يجيبهم ثمانين سنة ، والسنة ثلاثمائة وستون يوماً واليوم كألف سنة مما تعدون ثم يجيبهم بقوله : إنكم ماكثون فلما يئسوا مما عنده قال بعضهم لبعض : تعالوا فلنصبر كما صبر أهل الطاعة لعل ذلك ينفعنا فصبروا وطال صبرهم فلم ينفعهم وجزعوا ، فلم ينفعهم عند ذلك قالوا : سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص .