المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{فَأَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡهِ أَنِ ٱصۡنَعِ ٱلۡفُلۡكَ بِأَعۡيُنِنَا وَوَحۡيِنَا فَإِذَا جَآءَ أَمۡرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ فَٱسۡلُكۡ فِيهَا مِن كُلّٖ زَوۡجَيۡنِ ٱثۡنَيۡنِ وَأَهۡلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيۡهِ ٱلۡقَوۡلُ مِنۡهُمۡۖ وَلَا تُخَٰطِبۡنِي فِي ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ إِنَّهُم مُّغۡرَقُونَ} (27)

27- فقلنا له عن طريق الوحي : اصنع السفينة وعنايتنا ترعاك ، فتدفع عنك شرهم ونرشدك في عملك ، فإذا حل ميعاد عذابهم ، ورأيت التنور يفور ماء بأمرنا ، فأدخل في السفينة من كل نوع من الكائنات الحية ذكراً وأنثى ، وأدخل أهلك أيضاً إلا من تقرر تعذيبهم لعدم إيمانهم ، ولا تسألني نجاة الذين ظلموا أنفسهم وغيرهم بالكفر والطغيان ، فإني حكمت بإغراقهم لظلمهم بالإشراك والعصيان{[143]} .


[143]:{فأوحينا إليه أن اصنع الفلك بأعيينا ووحينا. فإذا جاء أمرنا وفار التنور فاسلك فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول منهم، ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون}: إن ما جاء في وصف حدوث الطوفان في الآيات الكريمة رغم أنه موجز، إلا أنه بالنسبة للعقل المفكر يتضمن من المعاني والحقائق العلمية ما يعزب عن كثير من البشر. والتنور لغة: هو الكانون يخبز فيه. أو هو وجه الأرض، وكل مفجر ماء، وكل محفل ماء. ونحن عندما نحاول تحديد تاريخ حدوث الطوفان نجد أنه ليس بالأمر السهل. فقد حدثت طوفانات عديدة في أزمنة غير سحيقة في عهد البشرية، كما حدث في أرض بابل وفي الهند وفي الصين وفي الأمريكتين. وجاء ذكر بعض هذه الطوفانات في القصص الشعبي، إلا أنه من المستبعد أن يكون لها علاقة بالطوفان العظيم أو طوفان نوح. وقد ثبت من البحث والمشاهدة أن العالم انتابته طوفانات عالمية كثيرة، وأن آخر الطوفانات لعالمية كان سببه انقضاء عصر الجليد الأخير وانصهار معظم الثلوج المتجمدة في القطبين، ونحن لا نعلم علن اليقين متى انقلب الميزان وفار التنور ـ وجه الأرض ـ نتيجة للارتفاع المفاجئ في سرعة انصهار الجليد حتى علا منسوب الماء العام للبحار، وطفت المياه. وجدير بالذكر أنه قد صاحب انصهار ثلوج العصر الجليدي الأخير مناخ شديد المطر في مناطق نائية عن القطبين، مثل حوض البحر الأبيض المتوسط. ومهما يكن من شيء فمن المسلم به أنه ليس لدينا من الوثائق ما يمكننا من تحديد عصر نوح وقومه، فالظاهرة كلها معجزة إلهية. ومن الإعجاز أن ينصح نوح قومه ويحذرهم من غضب الله، ويوحي الله أنه مغرقهم إذا لم ينتصحوا، ثم يوحي إليه أن يصنع الفلك، ثم يأتي أمر الله، وينقلب الميزان، ويفوز التنور، وينهمر المطر تحقيقا لما أخبر الله به نوحا من أن الله يعلم أنه لن يؤمن من قومه إلا من قد آمن.
 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَأَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡهِ أَنِ ٱصۡنَعِ ٱلۡفُلۡكَ بِأَعۡيُنِنَا وَوَحۡيِنَا فَإِذَا جَآءَ أَمۡرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ فَٱسۡلُكۡ فِيهَا مِن كُلّٖ زَوۡجَيۡنِ ٱثۡنَيۡنِ وَأَهۡلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيۡهِ ٱلۡقَوۡلُ مِنۡهُمۡۖ وَلَا تُخَٰطِبۡنِي فِي ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ إِنَّهُم مُّغۡرَقُونَ} (27)

يقول تعالى مخبرًا عن نوح ، عليه السلام ، أنه دعا ربه يستنصره على قومه ، كما قال تعالى مخبرا [ عنه ]{[20537]} في الآية الأخرى : { فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ } [ القمر : 10 ] ، وقال هاهنا : { [ قَالَ ]{[20538]} رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ } فعند ذلك أمره الله تعالى بصنعة السفينة وإحكامها وإتقانها ، وأن يحمل فيها من كل زوجين اثنين ، أي : ذكرًا وأنثى من كل صنف من الحيوانات والنباتات والثمار ، وغير ذلك ، وأن يحمل فيها أهله { إِلا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ } أي : سبق فيه القول من الله بالهلاك ، وهم الذين لم يؤمنوا به من أهله ، كابنه وزوجته ، والله أعلم .

وقوله : { وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ } أي : عند معاينة إنزال المطر العظيم ، لا تأخذنك رأفة بقومك ، وشفقة عليهم ، وطَمَع في تأخيرهم لعلهم يؤمنون ، فإني قد قضيت أنهم مغرقون على ما هم عليه من الكفر والطغيان . وقد تقدمت القصة مبسوطة في سورة " هود " {[20539]} بما يغني عن إعادة ذلك هاهنا .


[20537]:- زيادة من ف ، أ.
[20538]:- زيادة من أ.
[20539]:- انظر تفسير الآيات : 25 - 48.

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَأَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡهِ أَنِ ٱصۡنَعِ ٱلۡفُلۡكَ بِأَعۡيُنِنَا وَوَحۡيِنَا فَإِذَا جَآءَ أَمۡرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ فَٱسۡلُكۡ فِيهَا مِن كُلّٖ زَوۡجَيۡنِ ٱثۡنَيۡنِ وَأَهۡلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيۡهِ ٱلۡقَوۡلُ مِنۡهُمۡۖ وَلَا تُخَٰطِبۡنِي فِي ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ إِنَّهُم مُّغۡرَقُونَ} (27)

وقوله : فأَوْحَيْنا إلَيْهِ أنه اصْنَعِ الفُلْكَ بأَعْيُنِنا وَوَحْينا يقول : فقلنا له حين استنصرَنا على كَفَرة قومه : اصنع الفُلْك ، وهي السفينة بأَعْيُنِنا يقول : بمرأى ومنظر ، ووَحْينَا يقول : وبتعليمنا إياك صنعتها . فإذَا جاء أمْرُنا يقول : فإذا جاء قضاؤنا في قومك ، بعذابهم وهلاكهم وَفارَ التّنّورُ ، وقد ذكرنا فيما مضى اختلاف المختلفين في صفة فور التنور ، والصواب عندنا من القول فيه بشواهده ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع . فاسْلُكْ فِيها مِنْ كلَ زَوْجِيْنِ اثْنَيْنِ يقول : فأدخل في الفلك واحمل . والهاء والألف في قوله : فيها من ذكر الفلك . منْ كُلَ زَوْجِيْنِ اثْنَينِ يقال سلكته في كذا وأسلكته فيه ومن سلكته قوم الشاعر :

وكُنْتُ لِزَازَ خَصْمِكَ لَمْ أُعَرّدْ *** وَقَدْ سَلَكُوكَ فِي يَوْمٍ عَصِيبِ

وبعضهم يقول : أسلكت بالألف ومنه قولي الهُذَليّ :

حتى إذَا أسْلَكُوهُمْ فِي قُتائِدَةٍ *** شَلاّ كمَا تَطْرُدِ الجّمّالَةُ الشّرُدَا

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : فاسْلُكْ فِيها مِنْ كُلَ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يقول لنوح : اجعل في السفينة من كل زوجين اثنين .

وأهْلَكَ وهم ولده ونساؤهم : إلاّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ القَوْلُ من الله بأنه هالك فيمن يهلك من قومك فلا تحمله معك ، وهو يام الذي غرق . ويعني بقوله : مِنْهُمْ مِن أهلك ، والهاء والميم في قوله «منهم » من ذكر الأهل . وقوله : وَلا تخاطِبْنِي . . . الاَية ، يقول : ولا تسألني في الذين كفروا بالله أن أنجيهم . إنّهُمْ مُغْرَقُونَ يقول : فإني قد حتمت عليهم أن أغرق جميعهم .