المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَمَن لَّمۡ يَسۡتَطِعۡ مِنكُمۡ طَوۡلًا أَن يَنكِحَ ٱلۡمُحۡصَنَٰتِ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ فَمِن مَّا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُم مِّن فَتَيَٰتِكُمُ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِۚ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِإِيمَٰنِكُمۚ بَعۡضُكُم مِّنۢ بَعۡضٖۚ فَٱنكِحُوهُنَّ بِإِذۡنِ أَهۡلِهِنَّ وَءَاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِ مُحۡصَنَٰتٍ غَيۡرَ مُسَٰفِحَٰتٖ وَلَا مُتَّخِذَٰتِ أَخۡدَانٖۚ فَإِذَآ أُحۡصِنَّ فَإِنۡ أَتَيۡنَ بِفَٰحِشَةٖ فَعَلَيۡهِنَّ نِصۡفُ مَا عَلَى ٱلۡمُحۡصَنَٰتِ مِنَ ٱلۡعَذَابِۚ ذَٰلِكَ لِمَنۡ خَشِيَ ٱلۡعَنَتَ مِنكُمۡۚ وَأَن تَصۡبِرُواْ خَيۡرٞ لَّكُمۡۗ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (25)

25- ومن لم يستطع منكم نكاح الحرائر المؤمنات فله أن يتجاوزهن إلى ما يستطيع من المملوكات المؤمنات ، والله أعلم بحقيقة إيمانكم وإخلاصكم ، ولا تستنكفوا من نكاحهن ، فأنتم وهن سواء في الدين ، فتزوجوهن بإذن أصحابهن وأدوا إليهن مهورهن التي تفرضونها لهن حسب المعهود بينكم في حسن التعامل وتوفية الحق ، واختاروهن عفيفات ، فلا تختاروا زانية معلنة ولا خليلة ، فإن أتين الزنا بعد زواجهن فعقوبتهن نصف عقوبة الحرة . وإباحة نكاح المملوكات عند عدم القدرة جائز لمن خاف منكم المشقة المفضية إلى الزنا وصبركم عن نكاح المملوكات مع العفة خير لكم ، والله كثير المغفرة ، عظيم الرحمة .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمَن لَّمۡ يَسۡتَطِعۡ مِنكُمۡ طَوۡلًا أَن يَنكِحَ ٱلۡمُحۡصَنَٰتِ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ فَمِن مَّا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُم مِّن فَتَيَٰتِكُمُ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِۚ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِإِيمَٰنِكُمۚ بَعۡضُكُم مِّنۢ بَعۡضٖۚ فَٱنكِحُوهُنَّ بِإِذۡنِ أَهۡلِهِنَّ وَءَاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِ مُحۡصَنَٰتٍ غَيۡرَ مُسَٰفِحَٰتٖ وَلَا مُتَّخِذَٰتِ أَخۡدَانٖۚ فَإِذَآ أُحۡصِنَّ فَإِنۡ أَتَيۡنَ بِفَٰحِشَةٖ فَعَلَيۡهِنَّ نِصۡفُ مَا عَلَى ٱلۡمُحۡصَنَٰتِ مِنَ ٱلۡعَذَابِۚ ذَٰلِكَ لِمَنۡ خَشِيَ ٱلۡعَنَتَ مِنكُمۡۚ وَأَن تَصۡبِرُواْ خَيۡرٞ لَّكُمۡۗ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (25)

24

فإذا كانت ظروف المسلم تحول بينه وبين الزواج من حرة تحصنها الحرية وتصونها ، فقد رخص له في الزواج من غير الحرة ، إذا هو لم يصبر حتى يستطيع الزواج من حرة ، وخشي المشقة ؛ أو خشي الفتنة :

( ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات ، فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات - والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض - فانكحوهن بإذن أهلهن ؛ وآتوهن أجورهن بالمعروف - محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان - فإذا أحصن . فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب . ذلك لمن خشي العنت منكم . وأن تصبروا خير لكم . والله غفور رحيم ) .

إن هذا الدين يتعامل مع " الإنسان " في حدود فطرته ، وفي حدود طاقته . وفي حدود واقعه ، وفي حدود حاجاته الحقيقية . . وحين يأخذ بيده ليرتفع به من حضيض الحياة الجاهلية إلى مرتقى الحياة الإسلامية لا يغفل فطرته وطاقته وواقعه وحاجاته الحقيقية ، بل يلبيها كلها وهو في طريقه إلى المرتقى الصاعد . . إنه فقط لا يعتبر واقع الجاهلية هو الواقع الذي لا فكاك منه . فواقع الجاهلية هابط ، وقد جاء الإسلام ليرفع البشرية من وهدة هذا الواقع ! إنما هو يعتبر واقع " الإنسان " في فطرته وحقيقته . . واقتدار الإنسان على الترقي واقع من هذا الواقع . . فليس الواقع فقط هو مجرد تلبطه في وحل الجاهلية . . أية جاهلية . . فمن الواقع كذلك مقدرته - بما ركب في فطرته - على الصعود والتسامي عن ذلك الوحل أيضا ! والله - سبحانه - هو الذي يعلم " واقع الإنسان " كله ، لأنه يعلم " حقيقة الإنسان " كلها . هو الذي خلقه ويعلم ما توسوس به نفسه . . ( ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ) ؟

وقد كان في المجتمع المسلم الأول رقيق يتخلف من الحروب ؛ ريثما يتم تدبير أمره . . إما بإطلاق سراحه امتنانا عليه بلا مقابل . وإما فداء مقابل إطلاق سراح أسارى المسلمين ، أو مقابل مال - حسب الملابسات والظروف المنوعة فيما بين المسلمين وأعدائهم المحاربين - وقد عالج الإسلام هذا الواقع بإباحة مباشرة ملك اليمين - كما جاء في الآية السابقة - لمن هن ملك يمينه . لمواجهة واقع فطرتهن كما أسلفنا . مباشرتهن إما بزواج منهن - إن كن مؤمنات - أو بغير زواج ، بعد استبراء أرحام المتزوجات منهن في دار الحرب ، بحيضة واحدة . . ولكنه لم يبح لغير سادتهن مباشرتهن إلا أن يكون ذلك عن طريق الزواج . لم يبح لهن أن يبعن أعراضهن في المجتمع لقاء أجر ؛ ولا أن يسرحهن سادتهن في المجتمع يزاولن هذه الفاحشة لحسابهم كذلك !

وفي هذه الآية ينظم طريقة نكاحهن والظروف المبيحة لهذا النكاح :

( ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات ، فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات ) . .

إن الإسلام يؤثر الزواج من حرة في حالة الطول - أي القدرة على نكاح الحرة - ذلك أن الحرة تحصنها الحرية ؛ وتعلمها كيف تحفظ عرضها ، وكيف تصون حرمة زوجها . فهن( محصنات ) هنا - لا بمعنى متزوجات ، فقد سبق تحريم نكاح المتزوجات - ولكن بمعنى حرائر ، محصنات بالحرية ؛ وما تسبغه على الضمير من كرامة ، وما توفره للحياة من ضمانات . فالحرة ذات أسرة وبيت وسمعة ولها من يكفيها ، وهي تخشى العار ، وفي نفسها أنفة وفي ضميرها عزة ، فهي تأبى السفاح والانحدار . ولا شيء من هذا كله لغير الحرة . ومن ثم فهي ليست محصنة ، وحتى إذا تزوجت ، فإن رواسب من عهد الرق تبقى في نفسها ، فلا يكون لها الصون والعفة والعزة التي للحرة . فضلا على أنه ليس لها شرف عائلي تخشى تلويثه . . مضافا إلى هذا كله أن نسلها من زوجها كان المجتمع ينظر إليهم نظرة أدنى من أولاد الحرائر . فتعلق بهم هجنة الرق في صورة من الصور . . وكل هذه الاعتبارات كانت قائمة في المجتمع الذي تشرع له هذه الآية . .

لهذه الاعتبارات كلها آثر الإسلام للمسلمين الأحرار ألا يتزوجوا من غير الحرائر ، إذا هم استطاعوا الزواج من الحرائر . وجعل الزواج من غير الحرة رخصة في حالة عدم الطول . مع المشقة في الانتظار .

ولكن إذا وجدت المشقة ، وخاف الرجال العنت . عنت المشقة أو عنت الفتنة . فإن الدين لا يقف أمامهم يذودهم عن اليسر والراحة والطمأنينة . فهو يحل - إذن - الزواج من المؤمنات غير الحرائر اللواتي في ملك الآخرين .

ويعين الصورة الوحيدة التي يرضاها للعلاقة بين الرجال الأحرار وغير الحرائر . وهي ذاتها الصورة التي رضيها من قبل في زواج الحرائر :

فأولا يجب أن يكن مؤمنات :

( فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات ) . .

وثانيا : يجب أن يعطين أجورهن فريضة لهن لا لسادتهن . فهذا حقهن الخالص .

( فآتوهن أجورهن ) .

وثالثا : يجب أن تكون هذه الأجور في صورة صداق : وأن يكون الاستمتاع بهن في صورة نكاح . لا مخادنة ولا سفاح : والمخادنة أن تكون لواحد . والسفاح أن تكون لكل من أراد . محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان .

وقد كان المجتمع إذ ذاك يعرف هذه الأنواع من الاتصال الجنسي بين الحرائر كما سلف من حديث عائشة - رضي الله عنها - كما كان يعرف كذلك بين غير الحرائر أنواعا من البغاء . وقد كان سادة من أشراف القوم يرسلون رقيقاتهم يكسبن بأجسامهن في هذا السبيل القذر ، لحساب سادتهن . وكان لعبدالله بن أبي بن سلول - رأس المنافقين في المدينة وهو من سادة قومه - أربع جوار يكسبن له من هذا السبيل ! وكانت هذه بقايا أو حال الجاهلية ، التي جاء الإسلام ليرفع العرب منها ، ويطهرهم ويزكيهم ، كما يرفع منها سائر البشرية كذلك !

وكذلك جعل الإسلام طريقا واحدة للمعاشرة بين الرجال الأحرار وهؤلاء " الفتيات " ، هي طريق النكاح ، الذي تتخصص فيه امرأة لرجل لتكوين بيت وأسرة ، لا الذي تنطلق فيه الشهوات انطلاق البهائم . وجعل الأموال في أيدي الرجال لتؤدى صداقا مفروضا ، لا لتكون أجرا في مخادنة أو سفاح . . وكذلك طهر الإسلام هذه العلاقات حتى في دنيا الرقيق من وحل الجاهلية ، الذي تتلبط فيه البشرية كلما ارتكست في الجاهلية ! والذي تتلبط فيه اليوم في كل مكان ، لأن رايات الجاهلية هي التي ترتفع في كل مكان ، لا راية الإسلام !

ولكن - قبل أن نتجاوز هذا الموضع من الآية - ينبغي أن نقف أمام تعبير القرآن عن حقيقة العلاقات الإنسانية التي تقوم بين الأحرار والرقيق في المجتمع الإسلامي ، وعن نظرة هذا الدين إلى هذا الأمر عندما واجهه المجتمع الإسلامي . إنه لا يسمي الرقيقات : رقيقات . ولا جواري . ولا إماء . إنما يسميهن " فتيات " .

( فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات ) . .

وهو لا يفرق بين الأحرار وغير الأحرار تفرقة عنصرية تتناول الأصل الإنساني - كما كانت الاعتقادات والاعتبارات السائدة في الأرض كلها يومذاك - إنما يذكر بالأصل الواحد ، ويجعل الآصرة الإنسانية والآصرة الإيمانية هما محور الارتباط :

( والله أعلم بإيمانكم ، بعضكم من بعض ) . .

وهو لا يسمي من هن ملك لهم سادة . إنما يسميهم " أهلا " :

( فانكحوهن بإذن أهلهن ) .

وهو لا يجعل مهر الفتاة لسيدها . فمهرها إنما هو حق لها . لذلك يخرج من قاعدة أن كسبها كله له . فهذا ليس كسبا ، إنما هو حق ارتباطها برجل :

( وآتوهن أجورهن ) . .

وهو يكرمهن عن أن يكن بائعات أعراض بثمن من المال ، إنما هو النكاح والإحصان :

( محصنات غير مسافحات ولامتخذات أخدان ) . .

وكلها لمسات واعتبارات تحمل طابع التكريم لإنسانية هؤلاء الفتيات ، حتى وهن في هذا الوضع ، الذي اقتضته ملابسات وقتية ، لا تطعن في أصل الكرامة الإنسانية .

وحين يقاس هذا التكريم إلى ما كان سائدا في جاهلية الأرض كلها يومذاك من النظرة إلى الرقيق ، وحرمانه حق الانتساب إلى " إنسانية " السادة ! وسائر الحقوق التي تترتب على هذه " الإنسانية " . . يبدو مدى النقلة التي نقل الإسلام إليه كرامة " الإنسان " وهو يرعاها في جميع الأحوال ، بغض النظر عن الملابسات الطارئة التي تحد من أوضاع بعض الأناسي ، كوضع الاسترقاق .

ويبدو مدى النقلة البعيدة حين يقاس صنيع الإسلام هذا ، وتنظيمه لأوضاع هذه الحالة الطارئة بما تصنعه الجيوش الفاتحة في هذه الجاهلية الحديثة بنساء وفتيات البلاد المفتوحة . وكلنا يعرف حكاية " الترفيه " أو قصة الوحل الذي تلغ فيه جيوش الجاهلية الفاتحة في كل مكان ! وتخلفه وراءها للمجتمع حين ترحل يعاني منه السنوات الطوال !

ثم يقرر الإسلام عقوبة مخففة على من ترتكب الفاحشة من هؤلاء الفتيات بعد إحصانها بالزواج ، واضعا في حسابه واقعها وظروفها التي تجعلها أقرب إلى السقوط في الفاحشة ، وأضعف في مقاومة الإغراء من الحرة ، مقدرا أن الرق يقلل من الحصانة النفسية ، لأنه يغض من الشعور بالكرامة ، والشعور بشرف العائلة - وكلاهما شعور يثير الإباء في نفس الحرة - كما يقدر الحالة الاجتماعية والاقتصادية ، واختلافها بين الحرة والأمة . وأثرها في جعل هذه أكثر تسامحا في عرضها ، وأقل مقاومة لإغراء المال وإغراء النسب ممن يراودها عن نفسها ! يقدر الإسلام هذا كله فيجعل حد الأمة - بعد إحصانها - نصف حد الحرة المحصنة بالحرية قبل زواجها .

( فإذا أحصن . فإن أتين بفاحشة ، فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب )

ومفهوم أن النصف يكون من العقوبة التي تحتمل القسمة . وهي عقوبة الجلد . ولا يكون في عقوبة الرجم . إذ لا يمكن قسمتها ! فإذا زنت الجارية المؤمنة المتزوجة عوقبت بنصف ما تعاقب به الحرة البكر . أما عقوبة الجارية البكر فمختلف عليها بين الفقهاء . هل تكون هذا الحد نفسه - وهو نصف ما على الحرة البكر - ويتولاه الإمام ؟ أم تكون تأديبا يتولاه سيدها ودون النصف من الحد ؟ وهو خلاف يطلب في كتب الفقه .

أما نحن - في ظلال القرآن - فنقف أمام مراعاة هذا الدين لواقع الناس وظروفهم ، في الوقت الذي يأخذ بأيديهم في المرتقى الصاعد النظيف .

إن هذا الدين يأخذ في اعتباره - كما قلنا - واقع الناس ، دون أن يدعهم يتلبطون في الوحل باسم هذا الواقع !

وقد علم الله ما يحيط بحياة الرقيق من مؤثرات . تجعل الواحدة - ولو كانت متزوجة - أضعف من مقاومة الإغراء والوقوع في الخطيئة . فلم يغفل هذا الواقع ويقرر لها عقوبة كعقوبة الحرة . ولكن كذلك لم يجعل لهذا الواقع كل السلطات ، فيعفيها نهائيا من العقوبة .

قوام وسط . يلحظ كل المؤثرات وكل الملابسات .

كذلك لم يجعل من انحطاط درجة الرقيق سببا في مضاعفة العقوبة ، كما كانت قوانين الجاهلية السائدة في الارض كلها تصنع مع الطبقات المنحطة والطبقات الراقية ؛ أو مع الوضعاء والأشراف تخفف عن الأشراف ، وتقسو على الضعاف .

كان المعمول به في القانون الروماني الشهير أن تشدد العقوبة كلما انحطت الطبقة . فكان يقول : " ومن يستهو أرملة مستقيمة أو عذراء ، فعقوبته - إن كان من بيئة كريمة - مصادرة نصف ماله . وإن كان من بيئة ذميمة فعقوبته الجلد والنفي من الأرض "

وكان المعمول به في القانون الهندي الذي وضعه " منو " وهو القانون المعروف باسم " منوشاستر " أن البرهمي إن استحق القتل ، فلا يجوز للحاكم إلا أن يحلق رأسه . أما غيره فيقتل ! وإذا مد أحد المنبوذين إلى برهمي يدا أو عصا ليبطش به قطعت يده . . . الخ

وكان اليهود إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الوضيع أقاموا عليه الحد .

وجاء الإسلام ليضع الحق في نصابه ؛ ولياخذ الجاني بالعقوبة ، مراعيا جميع اعتبارات " الواقع " . وليجعل حد الامة - بعد الإحصان - نصف حد الحرة قبل الإحصان . فلا يترخص فيعفيها من العقوبة ، ويجعل إرادتها ملغاة كلية من ارتكاب الفعل تحت وطأة الظروف . فهذا خلاف الواقع . ولا يغفل واقعها كذلك فيعاقبها عقاب الحرة - وواقعها يختلف عن واقع الحرة . ولا يتشدد تشدد الجاهلية مع الضعاف دون الأشراف ! ! !

وما تزال الجاهلية الحديثة في أمريكا وفي جنوب أفريقية وفي غيرها تزاول هذه التفرقة العنصرية ، وتغفر للأشراف " البيض " ما لا تغفره للضعاف " الملونين " والجاهلية هي الجاهلية حيث كانت . والإسلام هو الإسلام . . حيث كان . .

ثم تنتهي الآية ببيان أن الزواج من الإماء رخصة لمن يخشى المشقة أو الفتنة . فمن استطاع الصبر - في غير مشقة ولا فتنة - فهو خير . لما أسلفناه من الملابسات التي تحيط بالزواج من الإماء :

( ذلك لمن خشي العنت منكم . وأن تصبروا خير لكم . والله غفور رحيم )

إن الله لا يريد أن يعنت عباده ، ولا أن يشق عليهم ، ولا أن يوقعهم في الفتنة . وإذا كان دينه الذي اختاره لهم ، يريد منهم الاستعلاء والارتفاع والتسامي ، فهو يريد منهم هذا كله في حدود فطرتهم الإنسانية ، وفي حدود طاقتهم الكامنة ، وفي حدود حاجاتهم الحقيقية كذلك . . ومن ثم فهو منهج ميسر ، يلحظ الفطرة ، ويعرف الحاجة ، ويقدر الضرورة . كل ما هنالك أنه لا يهتف للهابطين بالهبوط ، ولا يقف أمامهم - وهم غارقون في الوحل - يبارك هبوطهم ، ويمجد سقوطهم . أو يعفيهم من الجهد في محاولة التسامي ، أو من التبعة في قلة مقاومة الإغراء !

وهو هنا يهيب بالصبر حتى تتهيأ القدرة على نكاح الحرائر ؛ فهن أولى أن تصان نفوسهن بالزواج ، وان تقوم عليهن البيوت ، وأن ينجبن كرام الأبناء ، وأن يحسن الإشراف على الجيل الناشى ء ، وأن يحفظن فراش الأزواج . . فأما إذا خشي العنت : عنت المشقة عند الصبر ، وعنت الفتنة التي لا تقاوم ، فهناك الرخصة ، والمحاولة لرفع مستوى الإماء ، بذلك التكريم الذي يضفيه عليهن . فهن( فتياتكم ) وهم( أهلهن ) . والجميع بعضهم من بعض يربطهم الإيمان . والله أعلم بالإيمان . ولهن مهورهن فريضة . وهو نكاح لا مخادنة ولا سفاح . . وهن مسؤولات إن وقعن في الخطيئة . . ولكن مع الرفق والتخفيف ومراعاة الظروف :

( والله غفور رحيم ) . .

يعقب بها على الاضطرار لنكاح غير الحرائر . ويعقب بها على تخفيف عقوبة الإماء . . وهي في موضعها المناسب عقب هذه وتلك ، فمغفرة الله ورحمته وراء كل خطيئة ، ووراء كل اضطرار .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَمَن لَّمۡ يَسۡتَطِعۡ مِنكُمۡ طَوۡلًا أَن يَنكِحَ ٱلۡمُحۡصَنَٰتِ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ فَمِن مَّا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُم مِّن فَتَيَٰتِكُمُ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِۚ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِإِيمَٰنِكُمۚ بَعۡضُكُم مِّنۢ بَعۡضٖۚ فَٱنكِحُوهُنَّ بِإِذۡنِ أَهۡلِهِنَّ وَءَاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِ مُحۡصَنَٰتٍ غَيۡرَ مُسَٰفِحَٰتٖ وَلَا مُتَّخِذَٰتِ أَخۡدَانٖۚ فَإِذَآ أُحۡصِنَّ فَإِنۡ أَتَيۡنَ بِفَٰحِشَةٖ فَعَلَيۡهِنَّ نِصۡفُ مَا عَلَى ٱلۡمُحۡصَنَٰتِ مِنَ ٱلۡعَذَابِۚ ذَٰلِكَ لِمَنۡ خَشِيَ ٱلۡعَنَتَ مِنكُمۡۚ وَأَن تَصۡبِرُواْ خَيۡرٞ لَّكُمۡۗ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (25)

فَمِن مَّا مَلَكَتَ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمًُ المُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيْمانِكُم بَعْضُكُم مِّنْ بَعْضٍ } قال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير والسدي وابن زيد ومالك بن أنس في المدونة : الطول هنا السعة في المال ، وقال ربيعة وإبراهيم النخعي : الطول هنا الجلد والصبر لمن أحب أمة وهويها حتى صار لذلك لا يستطيع أن يتزوج غيرها ، فإن له أن يتزوج الأمة إذا لم يملك هواها ، وإن كان يجد سعة في المال لنكاح حرة ، ثم يكون قوله تعالى : { لمن خشي العنت } على هذا التأويل بياناً في صفة عدم الجلد وعلى التأويل الآخر يكون تزوج الأمة معلقاً بشرطين : عدم السعة في المال وخوف العنت ، فلا يصح إلا باجتماعهما ، وهذا هو نص مذهب مالك في المدونة من رواية ابن نافع وابن القاسم وابن وهب وابن زياد أن الحر لا يتزوج الأمة على حال إلا ألا يجد سعة في المال لمهر حرة ، وأن يخشى العنت مع ذلك ، وقال مالك في كتاب محمد : إذا وجد المهر ولكنه لا يقدر على النفقة فإنه لا يجوز له أن يتزوج أمة . وقال أصبغ{[3947]} : ذلك جائز ، إذ نفقة الأمة على أهلها إذا لم يضمها إليه ، وقال مطرف{[3948]} ، وابن الماجشون : لا يحل للحر أن ينكح أمة ولا يقر إن وقع ، إلا أن يجتمع الشرطان كما قال الله تعالى ، وقاله أصبغ ، قال : وقد كان ابن القاسم يذكر أنه سمع مالكاً يقول : نكاح الأمة حلال في كتاب الله عز وجل .

قال القاضي أبو محمد : وهو في المدونة ، وقال سحنون في غيرها : ذلك في قوله تعالى : { وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم }{[3949]} [ النور : 32 ] وقاله ابن مزين .

قال القاضي أبو محمد : وليس في الآية ما يلزم منه تحليل الأمة لحر دون الشرطين . وقال مالك في المدونة : ليست الحرة بطول تمنع من نكاح الأمة إذا لم يجد سعة لأخرى وخاف العنت ، وقال في كتاب محمد : ما يقتضي أن الحرة بمثابة الطول . قال الشيخ أبو الحسن اللخمي : وهو ظاهر القرآن ، وروي نحو هذا عن ابن حبيب ، وقاله أبو حنيفة : فمقتضى هذا أن من عنده حرة فلا يجوز له نكاح أمة ، وإن عدم السعة وخاف العنت ، لأنه طالب شهوة وعنده امرأة ، وقال به الطبري واحتج له ، و { طولاً } - يصح في إعرابه أن يكون مفعولاً بالاستطاعة ، و { أن ينكح } في موضع نصب بدل من قوله { طولاً } أو في موضع نصب بتقدير لأن ينكح{[3950]} ، وفي هذا نظر ، ويصح أن يكون { طولاً } نصباً على المصدر والعامل فيه الاستطاعة لأنها بمعنى يتقارب ، و { أن ينكح } على هذا مفعول بالاستطاعة أو بالمصدر{[3951]} تقول : طال الرجل طولاً بفتح الطاء إذا تفضل ووجد واتسع عرفه{[3952]} ، و { وطولاً } بضم الطاء في ضد القصر { والمحصنات } في هذا الموضع الحرائر يدل على ذلك التقسيم بينهن وبين الإماء ، وقالت فرقة : معناه العفائف وهو ضعيف لأن الإماء يقعن تحته وقد تقدم الذكر للقراءة في { المحصنات } و { المؤمنات } صفة فأما من يقول في الرجل يجد طولاً لحرة كتابية لا لمؤمنة : إنه يمتنع عن نكاح الإماء ، فهي صفة غير مشترطة ، وإنما جاءت لأنها مقصد النكاح ، إذ الأمة مؤمنة ، وهذا المذهب المالكي ، نص عليه ابن الماجشون في الواضحة . ومن قال في الرجل لا يجد طولاً إلا الكتابية : إنه يتزوج الأمة إن شاء ، فصفة { المؤمنات } عنده في الآية مشترطة في إباحة نكاح الإماء والمسألة مختلف فيها حسبما ذكرناه ، و { ما } في قوله : { فمن ما ملكت أيمانكم } يصح أن تكون مصدرية تقديره : فمن ملك أيمانكم ويصح أن يراد بها النوع المملوك ، فهي واقعة عليه{[3953]} .

والفتاة - وإن كانت واقعة في اللغة على الشابة أية كانت ، فعرفها في الإماء ، وفتى - كذلك وهذه المخاطبات بالكاف والميم عامة ، أي : منكم الناكحون ومنكم المالكون ، لأن الرجل ينكح فتاة نفسه وهذا التوسع في اللغة كثير و { المؤمنات } في هذا الموضع صفة مشترطة عند مالك وجمهور أصحابه ، لأنهم يقولون : لا يجوز زواج أمة غير مسلمة بوجه ، وقالت طائفة من أهل العلم منهم أصحاب الرأي : نكاح الأمة الكتابية جائز ، وقوله { المؤمنات } على جهة الوجه الفاضل ، واحتجوا بالقياس على الحرائر ، وذلك أنه لما لم يمنع قوله { المؤمنات } في الحرائر من نكاح الكتابيات الحرائر ، فكذلك لا يمنع قوله { المؤمنات } في الإماء من نكاح الكتابيات الإماء ، وقال أشهب في المدونة : جائز للعبد المسلم أن يتزوج أمة كتابية .

قال القاضي أبو محمد : فالمنع عنده أن يفضل الزوج في الحرية والدين معاً ، وقوله تعالى : { والله أعلم بإيمانكم } معناه : أن الله عليم ببواطن الأمور ولكم ظواهرها فإذا كانت الفتاة ظاهرها الإيمان فنكاحها صحيح ، وعلم باطنها إلى الله ، وإنما هذا لئلا يستريب متحير بإيمان بعض الإماء ، كالقريبة عهد بالسباء ، أو كالخرساء وما أشبهه . وفي اللفظ أيضاً تنبيه على أنه ربما كان إيمان أمة أفضل من إيمان بعض من الحرائر ، أي : فلا تعجبوا بمعنى الحرية وقوله : { بعضكم من بعض } قالت طائفة : هو رفع على الابتداء والخبر ، والمقصد بهذا الكلام ، أي{[3954]} إنكم أيها الناس سواء بنو الحرائر وبنو الإماء ، أكرمكم عند الله أتقاكم ، فهذه توطئة لنفوس العرب التي كانت تستهجن ولد الأمة ، فلما جاء الشرع بجواز نكاحها ، أعلموا مع ذلك أن ذلك التهجين لا معنى له{[3955]} . وقال الطبري : هو رفع بفعل تقديره : فلينكح مما ملكت «أيمانكم بعضكم من بعض » فعلى هذا في الكلام تقديم وتأخير ، وهذا قول ضعيف .

{ فانكحوهن بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بالمعروف مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَآ أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى المحصنات مِنَ العذاب ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ العنت مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } قوله : { بإذن أهلهن } معناه : بولاية أربابهن المالكين ، وقوله : { وآتوهن آجورهن } يعني مهورهن قاله ابن زيد وغيره ، و { بالمعروف } معناه : بالشرع والسنة ، وهذايقتضي أنهن أحق بمهورهن من السادة وهو مذهب مالك قال في كتاب الرهون : ليس للسيد أن يأخذ مهر أمته ويدعها بلا جهاز ، قال سحنون في كتاب{[3956]} " المدونة " : كيف هذا وهو لا يبوئه معها بيتاً ؟ وقال بعض الفقهاء : معنى ما في المدونة : أنه بشرط التبوئة ، فعلى هذا لا يكون قول سحنون خلافاً{[3957]} و { محصنات } وما بعده حال ، فالظاهر أنه بمعنى عفيفات إذ غير ذلك من وجوه الإحصان بعيد إلا_ مسلمات_ فإنه يقرب ، والعامل في الحال { فانكحوهن } ويحتمل أن يكون { فانكحوهن بإذن أهلهن } كلاماً تاماً ، ثم استأنف «وآتوهن أجورهن مزوجات غير مسافحات » فيكون العامل { وآتوهن } ، ويكون معنى الإحصان : التزويج ، و «المسافحات » من الزواني : المبتذلات اللواتي هن سوق للزنا ، «ومتخذات الأخذان » : هن المتسترات اللواتي يصحبن واحداً واحداً ويزنين خفية ، وهذان كانا نوعين في زنا الجاهلية ، قاله ابن عباس وعامر الشعبي والضحاك وغيرهم ، وأيضاً فهو تقسيم عقلي لا يعطي الوجود إلا أن تكون الزانية : إما لا ترد يد لامس ، وإما أن تختص من تقتصر عليه{[3958]} .

وقوله تعالى : { فإذا أحصنَّ } الآية قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر «أُحصن » على بناء الفعل للمفعول ، وقرأ حمزة والكسائي على بناء الفعل للفاعل ، واختلف عن عاصم ، فوجه الكلام أن تكون القراءة الأولى بالتزوج ، والثانية بالإسلام أو غيره مما هو من فعلهن ، ولكن يدخل كل معنى منهما على الآخر ، واختلف المتأولون فيما هو الإحصان هنا ، فقال الجمهور : هو الإسلام ، فإذا زنت الأمة المسلمة حدت نصف حد الحرة - وإسلامها هو إحصانها الذي في الآية ، وقالت فرقة : إحصانها الذي في الآية هو التزويج لحر ، فإذا زنت الأمة المسلمة التي لم تتزوج فلا حد عليها ، قاله سعيد بن جبير والحسن وقتادة ، وقالت فرقة : الإحصان - في الآية التزوج ، إلا أن الحد واجب على الأمة المسلمة بالسنة ، وهي الحديث الصحيح في مسلم والبخاري ، أنه قيل : يا رسول الله ، الأمة إذا زنت ولم تحصن ؟ فأوجب عليها الحد{[3959]} .

قال الزهري : فالمتزوجة محدودة بالقرآن والمسلمة غير المتزوجة محدودة بالحديث .

قال القاضي أبو محمد : وهذا الحديث والسؤال من الصحابة يقتضي أنهم فهموا من القرآن أن معنى { أحصنَّ } تزوجن ، وجواب النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك يقتضي تقرير المعنى ومن أراد أن يضعف قول من قال : إنه الإسلام بأن الصفة لهن بالإيمان قد تقدمت وتقررت فذلك غير لازم{[3960]} ، لأنه جائز أن يقطع في الكلام ويزيد ، فإذا كن على هذه الحالة المتقدمة من الإيمان { فإن أتين بفاحشة فعليهن } ، وذلك سائغ صحيح ، والفاحشة هنا : الزنى بقرينة إلزام الحد ، و { المحصنات } في هذه الآية الحرائر ، إذ هي الصفة المشروطة في الحد الكامل ، والرجم لا يتنصف ، فلم يرد في الآية بإجماع ، ثم اختلف ، فقال ابن عباس والجمهور : على الأمة نصف المائة لا غير ذلك{[3961]} ، وقال الطبري وجماعة من التابعين : على الأمة نصف المائة ونصف المدة ، وهي نفي ستة أشهر والإشارة بذلك إلى نكاح الأمة ، و { العنت } في اللغة : المشقة وقالت طائفة : المقصد به ها هنا الزنا ، قاله مجاهد : وقال ابن عباس : ما ازلحف{[3962]} ناكح الأمة عن الزنا إلا قريباً ، قال : و { العنت } الزنا ، وقاله عطية العوفي والضحاك ، وقالت طائفة : الإثم{[3963]} ، وقالت طائفة : الحد .

قال القاضي أبو محمد : والآية تحتمل ذلك كله ، وكل ما يعنت عاجلاً وآجلاً ، وقوله تعالى : { وأن تصبروا خير لكم } يعني عن نكاح - الإماء - قاله سعيد بن جبير ومجاهد والسدي وابن عباس رضي الله عنهما ، وهذا ندب إلى الترك ، وعلته ما يؤدي إليه نكاح الإماء من استرقاق الولد ومهنتهن{[3964]} ، وهذه الجملة ابتداء ، وخبر تقديره : وصبركم خير لكم { والله غفور }{[3965]} ، أي لمن فعل وتزوج .


[3947]:- هو أصبغ بن الفرج بن سعيد بن نافع، فقيه من كبار المالكية بمصر، كان كاتب ابن وهب، وله تصانيف، قال ابن الماجشون: "ما أخرجت مصر مثل أصبغ" وفيات الأعيان- الأعلام.
[3948]:- هناك مطرف بن عيسى بن لبيب الغساني-أبو القاسم- من قضاة الأندلس وأدبائها سكن غرناطة ودفن بها، ومن كتبه "فقهاء إلبيرة" توفي سنة 356هـ وهناك مطرف بن عيسى في أخبار كورة البيرة وأهلها. توفي بإلبيرة سنة 377، ونميل إلى أن المراد هنا هو الأول
[3949]:- من الآية رقم (32) من سورة (النور).
[3950]:-ويصح أن يكون [طولا] مفعولا من أجله على حذف مضاف، أي: ومن لم يستطع منكم لعدم طول نكاح المحصنات. [البحر المحيط-3/220].
[3951]:- كأنه بذلك يعني أن الطول هو استطاعة، فيكون التقدير: "ومن لم يستطع منكم استطاعة أن ينكح".
[3952]:- وتكون [ما] على هذا موصولة اسمية، و[من فتياتكم] في موضع الحال من الضمير المحذوف في [ما ملكت] العائد على [ما]، ومفعول الفعل المحذوف الذي هو [فلينكح]، والتقدير: فلينكح أمة مما ملكت أيمانكم، و[من] للتبعيض- قاله في "البحر المحيط" 3/221
[3953]:- العرب تقول للملوك: فتى- وللمملوكة: فتاة. وفي الحديث الصحيح: (لا يقولن أحدكم عبدي وأمتي، ولكن ليقل: فتاي وفتاتي)، ولفظ الفتى والفتاة يطلق أيضا على الأحرار في ابتداء الشباب، وأما في المماليك فيطلق في الشباب وفي الكبر.
[3954]:- ربما كانت (أي) هذه من زيادة النساخ.
[3955]:- كانت العرب تستهجن ولد الأمة، وتُسميه الهجين، قال المبرد: الهجين: ولد العربي من غير العربية.
[3956]:- في بعض النسخ: في غير المدونة.
[3957]:- لا يصح نكاح الأمة إلا بإذن سيدها كما نصت هذه الآية، وأما العبد فالعلماء أيضا مجمعون على أنه لا ينكح إلا بإذن سيدهن والفرق بينه وبين الأمة يأتي في أنه إذا تزوج بغير إذن سيده وأجازه السيد بعد ذلك جاز، وهذا هو مذهب مالك وأصحاب الرأي، وقالت طائفة منهم الشافعي والأوزاعي: لا تجوز إجازة المولى إن لم يحضر، لأن العقد الفاسد لا تصح إجازته، وقد كان ابن عمر يعد العبد بذلك زانيا ويحده. راجع القرطبي 5/141.
[3958]:- قال ابن عباس: كان قوم يحرمون ما ظهر من الزنى، ويستحلون ما خفي منه، والخدن هو الصديق للمرأة يزني بها سرا، فنهى الله تعالى عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن. "البحر المحيط" 3/222، 223 – وقيل: المسافحة: المجاهرة بالزنى، أي التي تكري نفسها لذلك، وذات الخدن: هي التي تزني سرا. والآراء كلها متقاربة.
[3959]:- روى البخاري عن أبي هريرة، وزيد بن خالد: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحض. قال: إذا زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها، ثم بيعوها ولو بضفير). والضفير: هو الحبل المضفور. فعيل بمعنى مفعول. وقول ابن عطية: "واجب على الأمة المسلمة بالسنة" معناه أن الوجوب ثابت بالسنة- والحديث المذكور أخرجه عبد الرزاق، والبخاري، ومسلم عن زيد بن خالد الجهني (المنثور 2/142).
[3960]:- قوله: "فذلك غير لازم" هو جواب قوله قبل: "ومن أراد".
[3961]:- اختلف العلماء في سبب نقصان الحد بالنسبة للأمة- قيل: لأنهن أضعف من الحرائر، وقيل: إنهن لا يصلن إلى مرادهن كما تصل الحرائر، وقيل: لأن العقوبة تجب على قدر النعمة، ألا ترى أن الله تعالى قال لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم: [يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين].
[3962]:- يريد: ما ابتعد عن الزنى إلا قليلا. يقال: ازلحفّ عن الشيء: تنحّى.
[3963]:- أخرج الطسي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق سأله عن العنت فقال: الإثم، قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت قول الشاعر: رأيتك تبتغي عنتي وتسعى على الساعي عليّ بغير دخل
[3964]:- في سنن ابن ماجة من حديث أنس قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أراد أن يلقى الله طاهرا مطهرا فليتزوج الحرائر) ومهنه وامتهنه بمعنى: استخدمه واستذله.
[3965]:- قال أبو (ح) في "البحر المحيط" 3/224: "لما ندب بقوله: [وأن تصبروا] إلى الصبر عن نكاح الإماء صار كأنه في حيز الكراهية، فجاء بصفة الغفران المؤذنة بأن ذلك مما سمح فيه تعالى، وبصفة الرحمة حيث رخص في نكاحهن وأباحه".