المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَلَا تُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ بَعۡدَ إِصۡلَٰحِهَا وَٱدۡعُوهُ خَوۡفٗا وَطَمَعًاۚ إِنَّ رَحۡمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٞ مِّنَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (56)

56- ولا تفسدوا في الأرض الصالحة بإشاعة المعاصي والظلم والاعتداء ، وادعوه - سبحانه - خائفين من عقابه ، طامعين في ثوابه ، وإن رحمته قريبة من كل محسن ، وهي محققة .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَا تُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ بَعۡدَ إِصۡلَٰحِهَا وَٱدۡعُوهُ خَوۡفٗا وَطَمَعًاۚ إِنَّ رَحۡمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٞ مِّنَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (56)

54

( وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنْ الْمُحْسِنِينَ )

كما ينهى عن الفساد في الأرض بالهوى ، وقد أصلحها الله بالشريعة . . والنفس التي تتضرع وتخشع خفية للقريب المجيب ، لا تعتدي كذلك ولا تفسد في الأرض بعد إصلاحها . . فبين الانفعالين اتصال داخلي وثيق في تكوين النفس والمشاعر . والمنهج القرآني يتبع خلجات القلوب وانفعالات النفوس . وهو منهج من خلق الذي يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير .

( وادعوه خوفاً وطمعاً ) . .

خوفاً من غضبه وعقابه . وطمعاً في رضوانه وثوابه .

( إن رحمة الله قريب من المحسنين ) . .

الذين يعبدون الله كأنهم يرونه ، فإن لم يكونوا يرونه فهو يراهم . . كما جاء في الوصف النبوي للإحسان .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَا تُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ بَعۡدَ إِصۡلَٰحِهَا وَٱدۡعُوهُ خَوۡفٗا وَطَمَعًاۚ إِنَّ رَحۡمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٞ مِّنَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (56)

وقوله تعالى : { ولا تفسدوا في الأرض } الآية ، ألفاظ عامة تتضمن كل إفساد قلَّ أو كثر بعد إصلاح ، قل أو كثر ، والقصد بالنهي هو على العموم وتخصيص شيء دون شيء في هذا تحكم إلا أن يقال على وجهة المثال ، قال الضحاك : معناه لا تغوروا الماء المعين ولا تقطعوا الشجر المثمر ضراراً ، وقد ورد قطع الدينار والدرهم من الفساد في الأرض ، وقد قيل تجارة الحكام من الفساد في الأرض ، وقال بعض الناس : المراد ولا تشركوا في الأرض بعد أن أصلحها الله ببعثة الرسل وتقرير الشرائع ووضوح ملة محمد صلى الله عليه وسلم ، وقائل هذه المقالة قصد إلى أكبر فساد بعد أعظم صلاح فخصه بالذكر .

وقوله تعالى : { وادعوه خوفاً وطمعاً } أمر بأن يكون الإنسان في حالة ترقب وتحزن وتأميل الله عز وجل حتى يكون الرجاء والخوف كالجناحين للطائر يحملانه في طريق استقامة وإن انفرد أحدهما هلك الإنسان ، وقد قال كثير من العلماء ينبغي أن يغلب الخوف الرجاء طول الحياة ، فإذا جاء الموت غلب الرجاء ، وقد رأى كثير من العلماء أن يكون الخوف أغلب على المرء بكثير ، وهذا كله احتياط ومنه تمني الحسن البصري أن يكون الرجل الذي هو آخر من يدخل الجنة ، وتمنى سالم مولى أبي حذيفة أن يكون من أصحاب الأعراف لأن مذهبه أنهم مذنبون ، ثم أنس قوله تعالى : { إن رحمت الله قريب من المحسنين } فإنها آية وعد فيها تقييد بقوله { من المحسنين } .

واختلف الناس في وجه حذف التاء من { قريب } في صفة الرحمة على أقوال ، منها أنه على جهة النسب أي ذات قرب ، ومنها أنه لما كان تأنيثها غير حقيقي جرت مجرى كف خضيب ولحية دهين ، ومنها أنها بمعنى مذكر فذكر الوصف لذلك .

واختلف أهل هذا القول في تقدير المذكر الذي هي بدل منه فقالت فرقة الغفران والعفو ، وقالت فرقة المطر ، وقيل غير ذلك ، وقال الفراء : لفظة القرب إذا استعملت في النسب والقرابة فهي مع المؤنث بتاء ولا بد ، وإذا استعملت في قرب المسافة .

قال القاضي أبو محمد : أو الزمن - فقد تجيء مع المؤنث بتاء وقد تجيء بغير تاء ، وهذا منه ، ومن هذا قول الشاعر : [ الطويل ]

عشية لا عفراء منك قريبة*** فتدنو ولا عفراء منك بعيد

فجمع في هذا البيت بين الوجهين .

قال القاضي أبو محمد : هذا قول الفراء في كتابه ، وقد مر في بعض كتب المفسرين مقيداً ورد الزجّاج على هذا القول ، وقال أبو عبيدة { قريب } في الآية ليس بصفة للرحمة وإنما هو ظرف لها وموضع ، فيجيء ، هكذا في المؤنث والاثنين والجميع وكذلك بعيد ، فإذا جعلوها صفة بمعنى مقربة قالوا قريبة وقريبتان وقريبات .

وذكر الطبري أن قوله { قريب } إنما يراد به مقاربة الأرواح للأجساد أي عند ذلك تنالهم الرحمة .