وإلى هنا يبلغ يوسف أقصى الغاية من الدرس الذي ألقاه ، مرتبطا في مطلعه بالأمر الذي يشغل بال صاحبيه في السجن . ومن ثم فهو يؤول لهما الرؤيا في نهاية الدرس ، ليزيدهما ثقة في قوله كله وتعلقا به :
( يا صاحبي السجن ، أما أحدكما فيسقي ربه خمرا ، وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه )
ولم يعين من هو صاحب البشرى ومن هو صاحب المصير السيء تلطفا وتحرجا من المواجهة بالشر والسوء . ولكنه أكد لهما الأمر واثقا من العلم الذي وهبه الله له :
{ يا صاحبي السجن أما أحدكما } يعني الشرابي . { فيسقي ربه خمرا } كما كان يسقيه قبل ويعود إلى ما كان عليه . { وأما الآخر } يريد به الخباز . { فيُصلب فتأكل الطير من رأسه } فقالا كذبنا فقال { قُضي الأمر الذي تستفتيان } أي قطع الأمر الذي تستفتيان فيه ، وهو ما يؤول إليه أمركما ولذلك وحده ، فإنهما وإن استفتيا في أمرين لكنهما أرادا استبانة عاقبة ما نزل بهما .
ثم نادى { يا صاحبي السجن } ثانية لتجتمع أنفسهما لسماع الجواب ، فروي أنه قال لنبو : أما أنت فتعود إلى مرتبتك وسقاية ربك ، وقال لمجلث : أما أنت فتصلب ، وذلك كله بعد ثلاث ، فروي أنهما قالا له ما رأينا شيئاً وإنما تحالمنا لنجربك ؛ وروي أنه لم يقل ذلك إلا الذي حدثه بالصلب ؛ وقيل : كانا رأيا ثم أنكرا .
وقرأت فرقة : «يَسقي ربه » من سقى ، وقرأت فرقة من أسقى ، وهما لمعنى واحد{[6688]} لغتان وقرأ عكرمة والجحدري : «فيُسقَى ربه خمراً » بضم الياء وفتح القاف أي ما يرويه{[6689]} .
وأخبرهما يوسف عليه السلام عن غيب علمه من قبل الله تعالى : إن الأمر قد قضي ووافق القدر .
افتتح خطابهما بالنداء اهتماماً بما يلقيه إليهما من التعبير ، وخاطبهما بوصف { صاحبي السجن } أيضاً .
ثم إذا كان الكلام المحكي عن يوسف عليه السّلام في الآية صدر منه على نحو النظم الذي نظم به في الآية وهو الظاهر كان جَمع التأويلَ في عبارة واحدة مجملة ، لأن في تأويل إحدى الرؤيين ما يسوء صاحبَها قصداً لتلقيه ما يسوء بعدَ تأمل قليل كيلا يفجأه من أول الكلام ، فإنه بعد التأمل يعلم أن الذي يسقي ربه خمراً هو رَائي عَصر الخمر ، وأن الذي تأكل الطير من رأسه هو رائي أكل الطير من خبزٍ على رأسه .
وإذا كان نظم الآية على غير ما صَدر من يوسف عليه السّلام كان في الآية إيجاز لحكاية كلام يوسف عليه السّلام ، وكان كلاماً معيّناً فيه كل من الفتيين بأن قال : أما أنتَ فكيْت وكيْت ، وأما أنت فكَيْت وكيْت ، فحُكي في الآية بالمعنى .
وجملة { قضي الأمر الذي فيه تستفتيان } تحقيق لما دلت عليه الرؤيا ، وأن تعبيرها هو ما أخبرهما به فإنهما يستفتيان في دلالة الرؤيا على ما سيكون في شأن سجنهما لأن ذلك أكبر همهما ، فالمراد بالأمر تعبير رؤياهما .
والاستفتاء : مصدر استفتَى إذا طلب الإفتاء . وهو : الإخبار بإزالة مشكل ، أو إرشاد إلى إزالة حيرة . وفعله أفتى مُلازم للهمز ولم يسمع له فعل مُجرد ، فدلا ذلك على أن همزه في الأصل مجتلب لمعنًى ، قالوا : أصل اشتقاق أفتى من الفتى وهو الشاب ، فكأنّ الذي يفتيه يقوي نهجه ببيانه فيصير بقوة بيانه فَتِيّا أي قوياً . واسم الخبر الصادر من المفتي : فتوى بفتح الفاء وبضمها مع الواو مقصوراً ، وبضم الفاء مع الياء مقصوراً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.