44- وبين - أيها النبي - للناس أهوال يوم القيامة الذي يأتيهم فيه العذاب فيقول الذين ظلموا أنفسهم بالكفر والمعاصي : ربنا أخِّر العذاب عنا ، وردنا إلى الدنيا ، وأمهلنا إلى أجل من الزمان قريب ، نتدارك ما فرطنا بإجابة دعوتك إلى التوحيد واتباع الرسل . فيقال لهم : أتقولون اليوم هذا ونسيتم أنكم حلفتم من قبل في الدنيا أنكم إذا متم لا تزول عنكم هذه النعمة ، إن كان بعث يوم القيامة ؟ .
هذا هو اليوم الذي يؤخرهم الله إليه ، والذي ينتظرهم بعد الإمهال هناك . فأنذر الناس أنه إذا جاء فلا اعتذار يومئذ ولا فكاك . . وهنا يرسم مشهدا آخر لليوم الرعيب المنظور :
( وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب ، فيقول الذين ظلموا : ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل . أو لم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال ؟ ! وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم ، وتبين لكم كيف فعلنا بهم ، وضربنا لكم الأمثال ؟ ) . .
أنذرهم يوم يأتيهم ذلك العذاب المرسوم آنفا ، فيتوجه الذين ظلموا يومئذ إلى الله بالرجاء ، يقولون :
الآن وقد كانوا يكفرون به من قبل ويجعلون له أندادا !
( أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل ) . .
وهنا ينقلب السياق من الحكاية إلى الخطاب . كأنهم ماثلون شاخصون يطلبون . وكأننا في الآخرة وقد انطوت الدنيا وما كان فيها . فها هو ذا الخطاب يوجه إليهم من الملأ الأعلى بالتبكيت والتأنيب ، والتذكير بما فرط منهم في تلك الحياة :
أو لم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال ؟ ! . .
فكيف ترون الآن ؟ ! زلتم يا ترى أم لم تزولوا ؟ ! ولقد قلتم قولتكم هذه وآثار الغابرين شاخصة أمامكم مثلا بارزا للظالمين ومصيرهم المحتوم :
{ وأنذر الناس } يا محمد . { يوم يأتيهم العذاب } يعني يوم القيامة ، أو يوم الموت فإنه أول أيام عذابهم ، وهو مفعول ثان ل { أنذر } . { فيقول الذين ظلموا } بالشرك والتكذيب . { ربنا أخّرنا إلى أجل قريب } أخر العذاب عنا أو ردنا إلى الدنيا وأمهلنا إلى حد من الزمان قريب ، أو أخر آجالنا وأبقنا مقدار ما نؤمن بك ونحبك ونجيب دعوتك . { نُجب دعوتك ونتّبع الرسل } جواب للأمر ونظيره { لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين } { أوَلم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال } على إرادة القول و{ ما لكم } جواب القسم جاء بلفظ الخطاب على المطابقة دون الحكاية ، والمعنى أقسمتم أنكم باقون في الدنيا لا تزالون بالموت ، ولعلهم أقسموا بطراً وغروراً أو دل عليه حالهم حيث بنوا شديدا وأملوا بعيدا . وقيل أقسموا أنهم لا ينتقلون إلى دار أخرى وأنهم إذا ماتوا لا يزالون على تلك الحالة إلى حالة أخرى كقوله : { وأقسموا بالله جهدا أيمانهم لا يبعث الله من يموت } .
وقوله تعالى : { وأنذر الناس } الآية ، المراد ب { يوم } يوم القيامة ونصبه على أنه مفعول ب { أنذر } ولا يجوز أن يكون ظرفاً ، لأن القيامة ليست بموطن إنذار ، وقوله : { فيقول } رفع عطفاً على قوله : { يأتيهم } وقوله : { ولم تكونوا } إلى آخر الآية ، معناه : يقال لهم ، فحذف ذلك إيجازاً ، إذ المعنى يدل عليه ، وقوله : { ما لكم من زوال } هو المقسم عليه نقل المعنى{[7101]} ، و { من زوال } معناه من الأرض بعد الموت . أي لا بعث من القبور ، وهذه الآية ناظرة إلى ما حكى عنهم في قوله : { وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت }{[7102]} [ النحل : 38 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.