المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَنَزَعۡنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنۡ غِلّٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهِمُ ٱلۡأَنۡهَٰرُۖ وَقَالُواْ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي هَدَىٰنَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهۡتَدِيَ لَوۡلَآ أَنۡ هَدَىٰنَا ٱللَّهُۖ لَقَدۡ جَآءَتۡ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلۡحَقِّۖ وَنُودُوٓاْ أَن تِلۡكُمُ ٱلۡجَنَّةُ أُورِثۡتُمُوهَا بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (43)

43- وأخرجنا من قلوبهم ما كان فيها من غل ، فهم في الجنة إخوان متحابون ، تجرى من تحتهم الأنهار بمائها العذب ، ويقولون - سرورا بما نالوا من النعيم - الحمد للَّه الذي دلَّنا على طريق هذا النعيم ، ووفقنا إلى سلوكه ، ولولا أن هدانا اللَّه إليه بإرسال الرسل وتوفيقه لنا ، ما كان في استطاعتنا أن نوفق إلى الهداية . لقد جاءت رسل ربنا بالوحي الحق ، وهنا يقول اللَّه لهم : إن هذه الجنة هبة من اللَّه ، أعطيتمُوها فضلاً منى دون عوض منكم كالميراث ، وهذا التكريم بسبب أعمالكم الصالحة في الدنيا .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَنَزَعۡنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنۡ غِلّٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهِمُ ٱلۡأَنۡهَٰرُۖ وَقَالُواْ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي هَدَىٰنَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهۡتَدِيَ لَوۡلَآ أَنۡ هَدَىٰنَا ٱللَّهُۖ لَقَدۡ جَآءَتۡ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلۡحَقِّۖ وَنُودُوٓاْ أَن تِلۡكُمُ ٱلۡجَنَّةُ أُورِثۡتُمُوهَا بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (43)

37

وبعد ، فإذا كان أولئك المفترون المكذبون المجرمون الظالمون الكافرون المشركون يتلاعنون في النار

ويتخاصمون ، وتغلي صدورهم بالسخائم والأحقاد ، بعد أن كانوا أصفياء أولياء . . فإن الذين آمنوا وعملوا الصالحات في الجنة إخوان متحابون متصافون متوادون ، يرف عليهم السلام والولاء :

( ونزعنا ما في صدورهم من غل ) . .

فهم بشر . وهم عاشوا بشراً . وقد يثور بينهم في الحياة الدنيا غيظ يكظمونه ، وغل يغالبونه ويغلبونه . . ولكن تبقى في القلب منه آثار .

قال القرطبي في تفسيره المسمى أحكام القرآن : قال رسول الله - [ ص ] : " الغل على أبواب الجنة كمبارك الإبل قد نزعه الله من قلوب المؤمنين " . . وروي عن علي - رضي الله عنه - أنه قال : أرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير من الذين قال الله تعالى فيهم : ( ونزعنا ما في صدورهم من غل ) . .

وإذا كان أهل النار يصطلون النار من تحتهم ومن فوقهم . فأهل الجنة تجري من تحتهم الأنهار ؛ فترف على الجو كله أنسام :

( تجري من تحتهم الأنهار ) . .

وإذا كان أولئك يشتغلون بالتنابز والخصام ، فهؤلاء يشتغلون بالحمد والاعتراف :

( وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا ، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، لقد جاءت رسل ربنا بالحق ) . . وإذا كان أولئك ينادون بالتحقير والتأنيب : ( ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في النار ) . . فإن هؤلاء ينادون بالتأهيل والتكريم :

( ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون ) . .

إنه التقابل التام بين أصحاب الجنة وأصحاب النار .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَنَزَعۡنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنۡ غِلّٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهِمُ ٱلۡأَنۡهَٰرُۖ وَقَالُواْ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي هَدَىٰنَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهۡتَدِيَ لَوۡلَآ أَنۡ هَدَىٰنَا ٱللَّهُۖ لَقَدۡ جَآءَتۡ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلۡحَقِّۖ وَنُودُوٓاْ أَن تِلۡكُمُ ٱلۡجَنَّةُ أُورِثۡتُمُوهَا بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (43)

{ وَنزعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ } أي : من حسد وبغضاء ، كما جاء في الصحيح للبخاري ، من حديث قتادة ، عن أبي المتوكِّل الناجي ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا خلص المؤمنون من النار حُبِسوا على قنطرة بين الجنة والنار ، فاقتص لهم مظالم كانت بينهم في الدنيا ، حتى إذا هُذبوا ونقوا ، أذن لهم في دخول الجنة ؛ فوالذي نفسي بيده ، إن أحدهم بمنزله في الجنة أدلّ منه بمسكنه كان في الدنيا " {[11741]}

وقال السُّدِّي في قوله : { وَنزعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأنْهَارُ } الآية : إن أهل الجنة إذا سبقوا إلى الجنة فبلغوا ، وجدوا عند بابها شجرة في أصل ساقها عينان ، فشربوا{[11742]} من إحداهما ، فينزع ما في صدورهم من غل ، فهو " الشراب الطهور " ، واغتسلوا من الأخرى ، فجرت عليهم " نضرة النعيم " فلم يشعثوا ولم يشحبوا بعدها أبدًا .

وقد روى أبو إسحاق ، عن عاصم ، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب نحوًا من ذلك{[11743]} كما سيأتي في قوله تعالى : { وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا } [ الزمر : 73 ] إن شاء الله ، وبه الثقة وعليه التكلان .

وقال قتادة : قال علي ، رضي الله عنه : إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير من الذين قال الله تعالى فيهم : { وَنزعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ } رواه ابن جرير .

وقال عبد الرزاق : أخبرنا ابن عيينة ، عن إسرائيل قال : سمعت الحسن يقول : قال علي : فينا والله أهل بدر نزلت : { وَنزعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ }{[11744]}

وروى النسائي وابن مَرْدُويه - واللفظ له - من حديث أبي بكر بن عياش ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كل أهل الجنة يرى مقعده من النار فيقول : لولا أن الله هداني ، فيكون له شكرًا . وكل أهل النار يرى مقعده من الجنة فيقول : لو أن الله هداني فيكون له حسرة " {[11745]}

ولهذا لما أورثوا مقاعد أهل النار من الجنة نودوا : { أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } أي : بسبب أعمالكم نالتكم الرحمة فدخلتم الجنة ، وتبوأتم منازلكم بحسب أعمالكم . وإنما وجب الحمل على هذا لما ثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " واعلموا أن أحدكم{[11746]} لن يدخله عمله الجنة " . قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : " ولا أنا ، إلا أن يَتَغَمَّدَنِي الله برحمة منه وفضل " {[11747]} .


[11741]:صحيح البخاري برقم (2440).
[11742]:في م: "فيشربون".
[11743]:في ك، م، أ: "هذا".
[11744]:تفسير عبد الرزاق (1/217).
[11745]:سنن النسائي الكبرى كما في تحفة الأشراف للمزي برقم (12492) ورواه أحمد في مسنده (2/512) والحاكم في المستدرك (2/435) من طريق أبي بكر بن عياش به، وقال: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي.
[11746]:في أ: "أحدا".
[11747]:صحيح البخاري برقم (6463) وصحيح مسلم برقم (2816) من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه.
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَنَزَعۡنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنۡ غِلّٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهِمُ ٱلۡأَنۡهَٰرُۖ وَقَالُواْ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي هَدَىٰنَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهۡتَدِيَ لَوۡلَآ أَنۡ هَدَىٰنَا ٱللَّهُۖ لَقَدۡ جَآءَتۡ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلۡحَقِّۖ وَنُودُوٓاْ أَن تِلۡكُمُ ٱلۡجَنَّةُ أُورِثۡتُمُوهَا بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (43)

هذا إخبار من الله عز وجل أنه ينقي قلوب ساكني الجنة من الغل والحقد ، وذلك أن صاحب الغل متعذب به ولا عذاب في الجنة ، وورد في الحديث «الغل على باب الجنة كمبارك الإبل قد نزعه الله من قلوب المؤمنين » .

قال القاضي أبو محمد : ومعنى هذا الحديث إذا حمل على حقيقته ، أن الله عز وجل يخلق جوهراً يجعله حيث يرى كمبارك الإبل ، لأن الغل عرض لا يقول بنفسه ، وإن قيل إن هذه استعارة وعبر عن سقوطه عن نفوسهم فهذه الألفاظ على جهة التمثيل كما تقول فلان إذا دخل على الأمير ترك نخوته بالباب ملقاة فله وجه ، والأول أصوب وأجرى مع الشرع في أشياء كثيرة ، مثل قوله يؤتى بالموت يوم القيامة كأنه كبش فيذبح وغير ذلك ، وروى الحسن عن علي بن أبي طالب قال : فينا والله أهل بدر نزلت { ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سرر متقابلين } وروي عنه أيضاً أنه قال : فينا والله نزلت { ونزعنا ما في صدورهم من غل } ، وذكر قتادة : أن علياً قال : إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير من الذين قال الله فيهم { ونزعنا ما في صدورهم من غل } .

قال القاضي أبو محمد : وهذا هو المعنى الصحيح ، فإن الآية عامة في أهل الجنة ، و «الغل » الحقد والإحنة الخفية في النفس وجمعه غلال ومنه الغلول أخذ في خفاء ومنه الانغلال في الشيء ، ومنه المغل بالأمانة ، ومنه قول علقمة بن عبدة :

ُسَّلاءة كعصا الهندي غل لها*** ذو فيئة من نوى ُقَّران معجوم

وقوله : { من تحتهم الأنهار } بين لأن ما كان لاطئاً بالأرض فهو تحت ما كان منتصباً آخذاً في سماء ، و { هدانا } بمعنى أرشدنا ، والإشارة بهذا تتجه أن تكون إلى الإيمان والأعمال الصالحة المؤدية إلى القرآن ، وقرأ ابن عامر وحده «ما كنا لنهتدي » بسقوط الواو من قوله : { وما كنا } ، وكذلك هي في مصاحف أهل الشام ، قال أبو علي : وجه سقوط الواو أن الكلام متصل مرتبط بما قبله ، ولما رأوا تصديق ما جاءت به الأنبياء عن الله تعالى وعاينوا إنجاز المواعيد قالوا : { لقد جاءت رسل ربنا بالحق } فقضوا بأن ذلك حق قضاه من يحس وكانوا في الدنيا يقضون بأن ذلك حق قضاه من يستدل { ونودوا } أي قيل لهم بصياح ، وهذا النداء ، من قبل الله عز وجل ، و { أن } يحتمل أن تكون مفسرة لمعنى النداء بمعنى أي ، ويحتمل أن تكون مخففة من الثقيلة وفيها ضمير مستتر تقديره أنه تلكم الجنة ، ونحو هذا قول الأعشى : [ البسيط ]

في فتية كسيوف الهند قد علموا*** أن هالك كل من يحفى وينتعل

تقديره أنه هالك ، ومنه قول الآخر : [ الوافر ]

أكاشره ويعلم أنْ كلانا*** على ما ساء صاحبه حريصُ

و { تلكم الجنة } ابتداء وصفة و { أورثتموها } الخبر و { تلكم } إشارة فيها غيبة فإما لأنهم كانوا وعدوا بها في الدنيا فالإشارة إلى تلك ، أي تلكم هذه الجنة ، وحذفت هذه ، وإما قبل أن يدخلوها وإما بعد الدخول وهم مجتمعون في موضع منها ، فكل غائب عن منزله ، وقوله : { بما كنتم تعملون } لا على طريق وجوب ذلك على الله ، لكن بقرينة رحمته وتغمده ، والأعمال أمارة من الله وطريق إلى قوة الرجاء ، ودخول الجنة إنما هو بمجرد رحمة الله تعالى ، والقسم فيها على قدر العمل ، و «أورثتم » مشيرة إلى الأقسام ، وقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر «أورثتموها » وكذلك الزخرف ، وقرأ أبو عمر وحمزة والكسائي «أورُّتموها » بإدغام الثاء في التاء وكذلك في الزخرف .