المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ يَٰقَوۡمِ إِنَّكُمۡ ظَلَمۡتُمۡ أَنفُسَكُم بِٱتِّخَاذِكُمُ ٱلۡعِجۡلَ فَتُوبُوٓاْ إِلَىٰ بَارِئِكُمۡ فَٱقۡتُلُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ عِندَ بَارِئِكُمۡ فَتَابَ عَلَيۡكُمۡۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ} (54)

54- واذكروا يوم قال لكم رسولكم موسى : يا قوم ، لقد ظلمتم أنفسكم باتخاذكم عجل السامري معبوداً ، فتوبوا إلى ربكم خالقكم من العدم ، بأن تغضبوا على أنفسكم الشريرة الآمرة بالسوء وتذلوها ، لتتجدد بنفوس مطهرة ، فأعانكم الله على ذلك ووفقكم له وكان ذلك خيراً لكم عند خالقكم ، ولهذا قَبِل توبتكم وعفا عنكم ، فهو كثير التوبة على عباده ، واسع الرحمة بهم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ يَٰقَوۡمِ إِنَّكُمۡ ظَلَمۡتُمۡ أَنفُسَكُم بِٱتِّخَاذِكُمُ ٱلۡعِجۡلَ فَتُوبُوٓاْ إِلَىٰ بَارِئِكُمۡ فَٱقۡتُلُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ عِندَ بَارِئِكُمۡ فَتَابَ عَلَيۡكُمۡۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ} (54)

40

ولم يكن بد من التطهير القاسي ؛ فهذه الطبيعة المنهارة الخاوية لا تقومها إلا كفارة صارمة ، وتأديب عنيف . عنيف في طريقته وفي حقيقته :

( وإذ قال موسى لقومه : يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل ، فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم . ذلكم خير لكم عند بارئكم ) . .

أقتلوا أنفسكم . ليقتل الطائع منكم العاصي . ليطهره ويطهر نفسه . . هكذا وردت الروايات عن تلك الكفارة العنيفة . . وإنه لتكليف مرهق شاق ، أن يقتل الأخ أخاه ، فكأنما يقتل نفسه برضاه . ولكنه كذلك كان تربية لتلك الطبيعة المنهارة الخوارة ، التي لا تتماسك عن شر ، ولا تتناهى عن نكر . ولو تناهوا عن المنكر في غيبة نبيهم ما عبدوا العجل . وإذ لم يتناهوا بالكلام فليتناهوا بالحسام ؛ وليؤدوا الضريبة الفادحة الثقيلة التي تنفعهم وتربيهم !

وهنا تدركهم رحمة الله بعد التطهير :

( فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم ) . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ يَٰقَوۡمِ إِنَّكُمۡ ظَلَمۡتُمۡ أَنفُسَكُم بِٱتِّخَاذِكُمُ ٱلۡعِجۡلَ فَتُوبُوٓاْ إِلَىٰ بَارِئِكُمۡ فَٱقۡتُلُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ عِندَ بَارِئِكُمۡ فَتَابَ عَلَيۡكُمۡۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ} (54)

هذه صفَةُ توبته تعالى على بني إسرائيل من عبادة العجل ، قال الحسن البصري ، رحمه الله ، في قوله تعالى : { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ } فقال : ذلك حين وقع في قلوبهم من شأن عبادتهم العجل ما وقع حين قال الله تعالى : { وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا } الآية [ الأعراف : 149 ] .

قال : فذلك حين يقول موسى : { يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ }

وقال أبو العالية ، وسعيد بن جبير ، والربيع بن أنس : { فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ } أي إلى خالقكم .

قلت : وفي قوله هاهنا : { إِلَى بَارِئِكُمْ } تنبيه على عظم جرمهم ، أي : فتوبوا إلى الذي خلقكم وقد عبدتم معه غيره .

وروى النسائي وابن جرير وابن أبي حاتم ، من حديث يزيد بن هارون ، عن الأصبغ بن زيد الوراق عن القاسم بن أبي أيوب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : قال الله تعالى : إن توبتهم أن يقتل كل واحد منهم كل من لقي من ولد ووالد{[1741]} فيقتله بالسيف ، ولا يبالي من قتل في ذلك الموطن . فتاب أولئك الذين كانوا خفي على موسى وهارون ما اطلع الله من ذنوبهم ، فاعترفوا بها ، وفعلوا ما أمروا به فغفر الله تعالى للقاتل والمقتول . وهذا{[1742]} قطعة من حديث الفُتُون ، وسيأتي في تفسير سورة طه بكماله ، إن شاء الله{[1743]} .

وقال ابن جرير : حدثني عبد الكريم بن الهيثم ، حدثنا إبراهيم بن بَشَّار ، حدثنا سفيان بن عيينة ، قال : قال أبو سعيد : عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : قال موسى لقومه : { فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } قال : أمر موسى قومه - من أمر ربه عز وجل - أن يقتلوا أنفسهم قال : واحتبى الذين عبدوا{[1744]} العجل فجلسوا ، وقام الذين لم يعكفوا على العجل ، فأخذوا الخناجر بأيديهم ، وأصابتهم ظُلَّة{[1745]} شديدة ، فجعل يقتل بعضهم بعضا ، فانجلت الظلَّة{[1746]} عنهم ، وقد أجلوا عن سبعين ألف قتيل ، كل من قتل منهم كانت له توبة ، وكل من بقي كانت له توبة .

وقال ابن جُرَيْج : أخبرني القاسم بن أبي بَزَّة أنه سمع سعيد بن جبير ومجاهدًا يقولان في قوله تعالى : { فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ } قالا قام بعضهم إلى بعض بالخناجر فقتل بعضهم بعضًا ، لا يحنو رجل على قريب ولا بعيد ، حتى ألوى موسى بثوبه ، فطرحوا ما بأيديهم ، فكُشِفَ عن سبعين ألف قتيل . وإن الله أوحى إلى موسى : أن حَسْبي ، فقد اكتفيت ، فذلك حين ألوى موسى بثوبه ، [ وروي عن علي رضي الله عنه نحو ذلك ]{[1747]} .

وقال قتادة : أمر القوم بشديد من الأمر ، فقاموا يتناحرون بالشفار يقتل بعضهم بعضا ، حتى بلغ الله فيهم نقمته ، فسقطت الشفار من أيديهم ، فأمسك عنهم القتل ، فجعل لحيهم توبة ، وللمقتول شهادة .

وقال الحسن البصري : أصابتهم ظلمة حنْدس ، فقتل بعضهم بعضا [ نقمة ]{[1748]} ثم انكشف عنهم ، فجعل توبتهم في ذلك .

وقال السدي في قوله : { فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ } قال : فاجتلد الذين عبدوه والذين لم يعبدوه بالسيوف ، فكان من قُتِل من الفريقين شهيدًا ، حتى كثر القتل ، حتى كادوا أن يهلكوا ، حتى قتل بينهم{[1749]} سبعون ألفًا ، وحتى دعا موسى وهارون : ربنا أهلكت بني إسرائيل ، ربنا البقيةَ البقيةَ ،

فأمرهم أن يضعوا السلاح وتاب عليهم ، فكان من قتل منهم من الفريقين شهيدًا ، ومن بقي مُكَفّرا عنه ؛ فذلك قوله : { فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ }

وقال الزهري : لما أمرت بنو إسرائيل بقتل أنفسها ، برزوا ومعهم موسى ، فاضطربوا بالسيوف ، وتطاعنوا بالخناجر ، وموسى رافع يديه ، حتى إذا أفنوا بعضهم{[1750]} ، قالوا : يا نبي الله ، ادع الله لنا . وأخذوا بعضُديه يسندون يديه ، فلم يزل أمرهم على ذلك ، حتى إذا قبل الله توبتهم قبض أيديهم ، بعضهم عن بعض ، فألقوا السلاح ، وحزن موسى وبنو إسرائيل للذي كان من القتل فيهم ، فأوحى الله ، جل ثناؤه ، إلى موسى : ما يحزنك ؟ أما من قتل منكم فحي عندي يرزقون ، وأما من بقي فقد قبلت توبته . فسُرّ بذلك موسى ، وبنو إسرائيل .

رواه ابن جرير بإسناد جيد عنه .

وقال ابن إسحاق : لما رجع موسى إلى قومه ، وأحرق العجل وذَرّاه في اليم ، خرج إلى ربه بمن اختار من قومه ، فأخذتهم الصاعقة ، ثم بُعثوا ، فسأل موسى ربه التوبة لبني إسرائيل من عبادة العجل . فقال : لا إلا أن يقتلوا أنفسهم قال : فبلغني أنهم قالوا لموسى : نَصبر لأمر الله . فأمر موسى من لم يكن عبد العجل أن يَقْتُل من عبده . فجلسوا بالأفنية وأصْلَتَ عليهم القومُ السيوف ، فجعلوا يقتلونهم ، وبكى موسى ، وَبَهَش إليه النساء والصبيان ، يطلبون العفو عنهم ، فتاب الله عليهم ، وعفا عنهم وأمر موسى أن ترفع عنهم السيوف .

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : لما رجع موسى إلى قومه ، وكان{[1751]} سبعون{[1752]} رجلا قد اعتزلوا مع هارون العجل لم يعبدوه . فقال لهم موسى : انطلقوا إلى موعد ربكم . فقالوا : يا موسى ، ما من{[1753]} توبة ؟ قال : بلى ، { فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ } الآية ، فاخترطوا السيوف والجرزَة والخناجر والسكاكين . قال : وبعث عليهم ضبابة . قال : فجعلوا يتلامسون بالأيدي ، ويقتل بعضهم بعضًا . قال : ويلقى الرجل أباه وأخاه فيقتله ولا يدري . قال : ويتنادون [ فيها ]{[1754]} : رحم الله عبدا صبر نفسه حتى يبلغ الله رضاه ، قال : فقتلاهم شهداء ، وتيب على أحيائهم ، ثم قرأ : { فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } .


[1741]:في ط: "أو والد".
[1742]:في جـ: "وهذه".
[1743]:في جـ: "وهذه".
[1744]:في جـ، ط، ب: "عكفوا".
[1745]:في جـ، ط، ب، أ، و: "ظلمة".
[1746]:في جـ، ط، ب، أ، و: "الظلمة".
[1747]:زيادة من جـ، ط، ب، وفي أ، و: "وروي عن علي رحمة الله عليه نحو ذلك".
[1748]:زيادة من أ.
[1749]:في جـ، ط، ب: "منهم".
[1750]:في جـ، أ: "بعضهم بعضا".
[1751]:في جـ: "وكانوا".
[1752]:في أ: "سبعين".
[1753]:في أ: "هل من".
[1754]:زيادة من جـ، ط، ب، أ.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ يَٰقَوۡمِ إِنَّكُمۡ ظَلَمۡتُمۡ أَنفُسَكُم بِٱتِّخَاذِكُمُ ٱلۡعِجۡلَ فَتُوبُوٓاْ إِلَىٰ بَارِئِكُمۡ فَٱقۡتُلُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ عِندَ بَارِئِكُمۡ فَتَابَ عَلَيۡكُمۡۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ} (54)

{ وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم } فاعزموا على التوبة والرجوع إلى من خلقكم براء من التفاوت ، ومميزا بعضكم عن بعض بصور وهيئات مختلفة ، وأصل التركيب لخلوص الشيء عن غيره ، إما على سبيل التقصي كقولهم بريء المريض من مرضه والمديون من دينه ، أو الإنشاء كقولهم برأ الله آدم من الطين أو فتوبوا . { فاقتلوا أنفسكم } إتماما لتوبتكم بالبخع ، أو قطع الشهوات كما قيل من لم يعذب نفسه لم ينعمها ومن لم يقتلها لم يحيها . وقيل أمروا أن يقتل بعضهم بعضا . وقيل أمر من لم يعبد العجل أن يقتل العبدة . روي أن الرجل كان يرى بعضه وقريبه فلم يقدر على المضي لأمر الله ، فأرسل الله ضبابة وسحابة سوداء لا يتباصرون ، فأخذوا يقتتلون من الغداة إلى العشي حتى دعا موسى وهارون فكشفت السحابة ونزلت التوبة ، وكانت القتلى سبعين ألفا . والفاء الأولى للتسبب ، والثانية للتعقيب .

{ ذلكم خير لكم عند بارئكم } من حيث إنه طهرة من الشرك ، ووصلة إلى الحياة الأبدية والبهجة السرمدية .

{ فتاب عليكم } متعلق بمحذوف إن جعلته من كلام موسى عليه السلام لهم تقديره : إن فعلتم ما أمرتم به فقد تاب عليكم ، أو عطف على محذوف إن جعلته خطابا من الله تعالى لهم على طريقة الالتفات ، كأنه قال : ففعلتم ما أمرتم به فتاب عليكم بارئكم . وذكر البارئ وترتيب الأمر عليه إشعار بأنهم بلغوا غاية الجهالة والغباوة ، حتى تركوا عبادة خالقهم الحكيم إلى عبادة البقر التي هي مثل في الغباوة ، وأن من لم يعرف حق منعمه حقيق بأن لا يسترد منه ، ولذلك أمروا بالقتل وفك التركيب .

{ إنه هو التواب الرحيم } للذي يكثر توفيق التوبة ، أو قبولها من المذنبين ، ويبالغ في الإنعام عليهم .