فأما إذا كانت الأخرى . . فانتصر المجاهدون ؛ الذين خرجوا مستعدين لقبول كل ما يأتيهم به الله . . ونالهم فضل من الله بالنصر والغنيمة . . ندم المتخلفون أن لم يكونوا شركاء في معركة رابحة ! رابحة بحسب مفهومهم القريب الصغير للربح والخسارة ! ( ولئن أصابكم فضل من الله ، ليقولن - كأن لم تكن بينكم وبينه مودة - يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيمًا ) .
إنها أمنية الفوز الصغير بالغنيمة والإياب ، هي التي يقولون عنها : ( فوزا عظيمًا ) والمؤمن لا يكره الفوز بالإياب والغنيمة ؛ بل مطلوب منه أن يرجوه من الله . والمؤمن لا يتمنى وقوع البلاء بل مطلوب منه أن يسأل الله العافية . . ولكن التصور الكلي للمؤمن غير هذا التصور ، الذي يرسمه التعبير القرآني لهذه الفئة رسما مستنكرا منفرا . .
إن المؤمن لا يتمنى البلاء بل يسأل الله العافية . ولكنه إذا ندب للجهاد خرج - غير متثاقل - خرج يسأل الله إحدى الحسنيين : النصر أو الشهادة . . وكلاهما فضل من الله ؛ وكلهما فوز عظيم . فيقسم له الله الشهادة ، فإذا هو راض بما قسم الله ؛ أو فرح بمقام الشهادة عند الله . ويقسم له الله الغنيمة والإياب ، فيشكر الله على فضله ، ويفرح بنصر الله . لا لمجرد النجاة !
وهذا هو الأفق الذي أراد الله أن يرفع المسلمين إليه ؛ وهو يرسم لهم هذه الصورة المنفرة لذلك الفريق( منهم )وهو يكشف لهم عن المندسين في الصف من المعوقين ، ليأخذوا منهم حذرهم ؛ كما يأخذون حذرهم من أعدائهم !
ومن وراء التحذير والاستنهاض للجماعة المسلمة في ذلك الزمان ، يرتسم نموذج إنساني متكرر في بني الإنسان ، في كل زمان ومكان ، في هذه الكلمات المعدودة من كلمات القرآن !
ثم تبقى هذه الحقيقة تتملاها الجماعة المسلمة أبدا . وهي أن الصف قد يوجد فيه أمثال هؤلاء . فلا ييئس من نفسه . ولكن يأخذ حذره ويمضي . ويحاول بالتربية والتوجيه والجهد ، أن يكمل النقص ، ويعالج الضعف ، وينسق الخطى والمشاعر والحركات !
{ وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ } أي : نصر وظفر وغنيمة { لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَه مَوَدَّةٌ }{[7892]} أي : كأنه ليس من أهل دينكم { يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا } أي : بأن يضرب لي بسهم معهم فأحصل عليه . وهو أكبر قصده وغاية مراده .
{ وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ الله لَيَقُولَنّ كَأَن لّمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدّةٌ يَلَيتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً } . .
يقول جلّ ثناؤه : { وَلَئِنْ أصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللّهِ } : ولئن أظفركم الله بعدوّكم ، فأصبتم منهم غنيمة¹ { لَيَقُولَنّ } هذا المبطىء المسلمين عن الجهاد معكم في سبيل الله المنافق { كأنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَودّةٌ يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأفُوزَ } بما أصيب معهم من الغنيمة { فَوْزا عَظِيما } . وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن هؤلاء المنافقين أن شهودهم الحرب مع المسلمين إن شهدوها لطلب الغنيمة ، وإن تخلفوا عنها فللشكّ الذي في قوبلهم ، وأنهم لا يرجون لحضورها ثوابا ولا يخافون بالتخلف عنها من الله عقابا . وكان قتادة وابن جريج يقولان : إنما قال من قال من المنافقين إذا كان الظفر للمسلمين : يا ليتني كنت معهم ، حسدا منهم لهم .
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَلَئِنْ أصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللّهِ لَيَقُولَنّ كأنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدّةٌ يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فأفُوزَ فَوْزا عَظِيما } قال : قول حاسد .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : { وَلَئِنْ أصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللّهِ } قال : ظهور المسلمين على عدوّهم ، فأصابوا الغنيمة { لَيَقُولَنّ } { يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأفُوزَ فَوْزا عَظِيما } قال : قول الحاسد .
أكّد قوله : { ولئن أصابكم فضل من الله ليَقولنّ } ، باللام الموطّئة للقسم وبلام جواب القسم وبنون التوكيد ، تنبيهاً على غريب حالته حتّى ينزَّل سامعها منزلة المنكر لوقوع ذلك منه .
والمراد من الفضل الفتح والغنيمة . وهذا المبطّىء يتمنّى أن لو كان مع الجيش ليفوز فوزاً عظيماً ، وهو الفوز بالغنيمة والفوْز بأجر الجهاد ، حيث وقعت السلامة والفوز برضا الرسول ، ولذلك أتبع { أفوز } بالمصدر والوصف بعظيم . ووجه غريب حاله أنّه أصبح متلهّفاً على ما فاته بنفسه ، وأنّه يودّ أن تجري المقادير على وفق مراده ، فإذا قعَد عن الخروج لا يصيبُ المسلمين فضل من الله .
وجملة { كَأنْ لم يكن بينكم وبينه مودة } معترضة بين فعل القول ومَقُولِه . والمودّة الصحبة والمحبّة ؛ وإمّا أن يكون إطلاق المودّة على سبيل الاستعارة الصورية إن كان المراد به المنافق ، وإمّا أن تكون حقيقة إن أريد ضعفة المؤمنين .
وشبّه حالهم في حين هذا القول بحال من لم تسبق بينه وبين المخاطبين مودّة حقيقية أو صوريّة ، فاقتضى التشبيه أنّه كان بينه وبينهم مودّة من قبل هذا القول .
ووجه هذا التشبيه أنّه لمّا تمنّى أن لو كان معهم وتحسّر على فوات فوزه لو حضر معهم ، كان حاله في تفريطه رفقتهم يشبه حال من لم يكن له اتّصال بهم بحيث لا يشهد ما أزمَعوا عليه من الخروج للجهاد ، فهذا التشبيه مسوق مساق زيادة تنديمه وتحسيره ، أي أنّه الذي أضاع على نفسه سببَ الانتفاع بما حصل لرفقته من الخير ، أي أنّه قد كان له من الخلطة مع الغانمين ما شأنه أن يكون سبباً في خروجه معهم ، وانتفاعه بثواب النصر وفخره ونعمة الغنيمة .
وقرأ الجمهور { لم يكن } بياء الغيبة وهو طريقة في إسناد الفعل لما لفظه مؤنّث غير حقيقيّ التأنيث ، مثل لفظ { مودَّة } هنا ، ولا سيما إذا كان فصْل بين الفعل وفاعله . وقرأ ابن كثير ، وحفص ، ورويس عن يعقوب بالتاء الفوقية علامة المضارع المسند إلى المؤنّث اعتباراً بتأنيث لفظ مودّة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.