المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَلَا تَتَّخِذُوٓاْ أَيۡمَٰنَكُمۡ دَخَلَۢا بَيۡنَكُمۡ فَتَزِلَّ قَدَمُۢ بَعۡدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُواْ ٱلسُّوٓءَ بِمَا صَدَدتُّمۡ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَكُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ} (94)

94- ولا تسلكوا سبيل الغدر ، فتتخذوا الأيمان سبيلاً للتغرير والخديعة ، فإنه بسبب ذلك تزل الأقدام فتبتعدوا عن المحجة المستقيمة ، ويكون في ذلك إعراض عن سبيل اللَّه في الوفاء ، وتكونون قدوة سيئة في الغدر ، ويرى الناس فيكم صورة مشوهة للإسلام ، فيعرضون عنه ، وينزل السوء بكم في الدنيا لعدم الثقة فيكم ، بسبب صدّكم عن طريق الحق ، وينزل بكم عذاب مؤلم شديد الإيلام .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَا تَتَّخِذُوٓاْ أَيۡمَٰنَكُمۡ دَخَلَۢا بَيۡنَكُمۡ فَتَزِلَّ قَدَمُۢ بَعۡدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُواْ ٱلسُّوٓءَ بِمَا صَدَدتُّمۡ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَكُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ} (94)

90

ويمضي السياق في توكيده للوفاء بالعهود ، ونهيه عن اتخاذ الأيمان للغش والخديعة ، وبث الطمأنينة الكاذبة للحصول على منافع قريبة من منافع هذه الدنيا الفانية . ويحذر عاقبة ذلك في زعزعة قوائم الحياة النفسية والاجتماعية ، وزلزلة العقائد والارتباطات والمعاملات . وينذر بالعذاب العظيم في الآخرة ، ويلوح بما عند الله من عوض عما يفوتهم بالوفاء من منافع هزيلة ، وينوه بفناء ما بأيديهم وبقاء ما عند الله الذي لا تنفد خزائنه ، ولا ينقطع رزقه :

( ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم ، فتزل قدم بعد ثبوتها ، وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله ، ولكم عذاب عظيم . ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا . إن ما عند الله هو خير لكم إن كنتم تعلمون . ما عندكم ينفد وما عند الله باق . ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) .

واتخاذ الأيمان غشا وخداعا يزعزع العقيدة في الضمير ، ويشوه صورتها في ضمائر الآخرين . فالذي يقسم وهو يعلم أنه خادع في قسمه ، لا يمكن أن تثبت له عقيدة ، ولا أن تثبت له قدم على صراطها . وهو في الوقت ذاته يشوه صورة العقيدة عند من يقسم لهم ثم ينكث ، ويعلمون أن أقسامه كانت للغش والدخل ؛ ومن ثم يصدهم عن سبيل الله بهذا المثل السييء الذي يضربه للمؤمنين بالله .

ولقد دخلت في الإسلام جماعات وشعوب بسبب ما رأوا من وفاء المسلمين بعهدهم ، ومن صدقهم في وعدهم ، ومن إخلاصهم في أيمانهم ، ومن نظافتهم في معاملاتهم . فكان الكسب أضخم بكثير من الخسارة الوقتية الظاهرية التي نشأت عن تمسكهم بعهودهم .

ولقد ترك القرآن وسنة الرسول [ ص ] في نفوس المسلمين أثرا قويا وطابعا عاما في هذه الناحية ظل هو طابع التعامل الإسلامي الفردي والدولي المتميز . . روى أنه كان بين معاوية بن أبي سفيان وملك الروم أمد ، فسار إليهم في آخر الأجل . [ حتى إذا انقضى وهو قريب من بلادهم أغار عليهم وهم غارون لا يشعرون ] فقال له عمر بن عتبة : الله أكبر يا معاوية . وفاء لا غدر . سمعت رسول الله [ ص ] يقول : " من كان بينه وبين قوم أجل فلا يحلن عقده حتى ينقضي أمدها " فرجع معاوية بالجيش . والروايات عن حفظ العهود - مهما تكن المصلحة القريبة في نقضها - متواترة مشهورة .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَا تَتَّخِذُوٓاْ أَيۡمَٰنَكُمۡ دَخَلَۢا بَيۡنَكُمۡ فَتَزِلَّ قَدَمُۢ بَعۡدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُواْ ٱلسُّوٓءَ بِمَا صَدَدتُّمۡ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَكُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ} (94)

ثم حذر تعالى عباده عن{[16677]} اتخاذ الأيمان دخلا ، أي : خديعة ومكرًا ، لئلا تَزل قدم بعد ثبوتها : مثل لمن كان على الاستقامة فحاد عنها وزل عن طريق الهدى ، بسبب الأيمان الحانثة{[16678]} المشتملة على الصد عن سبيل الله ؛ لأن الكافر إذا رأى أن المؤمن قد عاهده ثم غدر به ، لم يبق له وثوق بالدين ، فانصد بسببه عن الدخول في الإسلام ؛ ولهذا قال : { وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } .


[16677]:في ت، ف: "من".
[16678]:في ت: "الحادثة".