( خشعا أبصارهم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر . مهطعين إلى الداعي يقول الكافرون : هذا يوم عسر . . )
وهو مشهد من مشاهد ذلك اليوم ، يناسب هوله وشدته ظلال السورة كلها ؛ ويتناسق مع الإرهاص باقتراب الساعة ، ومع الإنباء بانشقاق القمر ، ومع الإيقاع الموسيقي في السورة كذلك !
" وهو متقارب سريع . وهو مع سرعته شاخص متحرك ، مكتمل السمات والحركات : هذه جموع خارجة من الأجداث في لحظة واحدة كأنهم جراد منتشر [ ومشهد الجراد المعهود يساعد على تصور المنظر المعروض ]
وهذه الجموع خاشعة أبصارها من الذل والهول ، وهي تسرع في سيرها نحو الداعي ، الذي يدعوها لأمر غريب نكير شديد لا تعرفه ولا تطمئن إليه . . وفي أثناء هذا التجمع والخشوع والإسراع يقول الكافرون : ( هذا يوم عسر ) . . وهي قولة المكروب المجهود ، الذي يخرج ليواجه الأمر الصعيب الرعيب ! .
فهذا هو اليوم الذي اقترب ، وهم عنه معرضون ، وبه يكذبون . فتول عنهم يوم يجيء ، ودعهم لمصيرهم فيه وهو هذا المصير الرعيب المخيف !
خشعا أبصارهم : ذليلة خاضعة من شدة الهول .
7- { خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ } .
هم يخرجون من القبور في حالة من الذلة والخشوع والخوف ، لأنّ أثر العزّ والذل يتبين في نظر الإنسان .
قال تعالى : { أبصارها خاشعة } . ( النازعات : 9 ) .
وقال سبحانه وتعالى : { وتراهم يُعرضون عليها خاشعين من الذل يَنظرون من طرف خفي . . . } ( الشورى : 45 ) .
ويقال : خشع واختشع ، إذا ذلّ ، وخشع ببصره ، إذا غضّه ، وقرأ حمزة والكسائي : خاشعا أبصارهم .
{ يََخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ } .
يخرجون من القبور مسرعين مطيعين ، كأنهم جراد منتشر منبت في الآفاق ، وإذا نظرنا إلى الجراد في كثرته وتتابعه كأنه حملة قوية ، وكثيرا ما يكون وبالا على الزراعة ، أو ناشرا للآفات ، أدركنا عمق التعبير في الآية .
وقد قال تعالى في آية أخرى : { يوم يكون الناس كالفراش المبثوت } . ( القارعة : 4 ) .
إحداهما : عند الخروج من القبور يخرجون فزعين ، لا يهتدون أين يتوجهون ، فيدخل بعضهم في بعض ، فهم حينئذ كالفراش المبثوت بعضه في بعض ، لا جهة يقصدها .
الثانية : فإذا سمعوا المنادي قصدوه ، فصاروا كالجراد المنتشر ، لأن الجراد له جهة يقصدها .
كأنهم في انتشارهم وسرعة سيرهم إلى موقف الحساب جراد منتشر في الآفاق .
إنه يوم الفزَع الأكبر ، يوم تراهم :
{ خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الأجداث كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ } .
يخرجون من قبورهم في حالةِ هلع عظيم ، خاشعة أبصارهم من شدة الهول ، كأنهم من كثرتهم وسرعة انتشارهم جرادٌ منتشر . كما قال تعالى أيضا : { يَوْمَ يَكُونُ الناس كالفراش المبثوث } [ القارعة : 4 ] ، فهم في أول أمرِهم يكونون كالفَراش حين يموجون فزِعين لا يهتدون أين يتوجهون ، ثم يكونون كالجراد المنتشِر عندما يتوجهون للحشْر .
قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وعاصم : خُشّعاً بضم الخاء وتشديد الشين جمع خاشع . والباقون : خاشعاً أبصارهم على الأفراد .
قوله : { خشعا أبصارهم } خشعا ، منصوب على الحال{[4396]} أي أذلة مذعورين وقد أحاط بهم الوجل والفزع ، وغشيهم من الرعب ما غشيهم . قال صاحب الكشاف في ذلك : وخشوع الأبصار كناية عن الذلة والانخذال ، لأن ذل الذليل وعزة العزيز تظهران في عيونهما .
قوله : { يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر } الأجداث ، القبور ، جمع جدث . أي يبعثهم الله من قبورهم أحياء فيخرجون إلى موقف الحساب مذعورين مدهوشين منتشرين انتشار الجراد في كثرته وتموجه . فهم كثيرون مائجون مبثوثون في كل مكان .