المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّا نَصَٰرَىٰٓ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَهُمۡ فَنَسُواْ حَظّٗا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِۦ فَأَغۡرَيۡنَا بَيۡنَهُمُ ٱلۡعَدَاوَةَ وَٱلۡبَغۡضَآءَ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ وَسَوۡفَ يُنَبِّئُهُمُ ٱللَّهُ بِمَا كَانُواْ يَصۡنَعُونَ} (14)

14- وكذلك أخذ الله العهد على النصارى - الذين قالوا : إنا نصارى - بالإيمان بالإنجيل وبالوحدانية ، فتركوا نصيباً وافراً مما أُمروا به في الإنجيل ، فعاقبهم الله على ذلك بإثارة العداوة والخصومة بينهم ، فصاروا فرقاً متعادية إلى يوم القيامة ، وسوف يخبرهم الله يومئذ بما كانوا يعملون ويجازيهم عليه .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّا نَصَٰرَىٰٓ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَهُمۡ فَنَسُواْ حَظّٗا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِۦ فَأَغۡرَيۡنَا بَيۡنَهُمُ ٱلۡعَدَاوَةَ وَٱلۡبَغۡضَآءَ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ وَسَوۡفَ يُنَبِّئُهُمُ ٱللَّهُ بِمَا كَانُواْ يَصۡنَعُونَ} (14)

كذلك يقص الله - سبحانه - على نبيه [ ص ] وعلى الجماعة المسلمة ، أنه أخذ ميثاق الذين قالوا : إنا نصارى ، من أهل الكتاب . ولكنهم نقضوا ميثاقهم كذلك . فنالهم جزاء هذا النقض للميثاق :

( ومن الذين قالوا : إنا نصارى أخذنا ميثاقهم ؛ فنسوا حظا مما ذكروا به ؛ فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة . وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون ) .

ونجد هنا تعبيرا خاصا ذا دلالة خاصة :

( ومن الذين قالوا : إنا نصارى ) . .

ودلالة هذا التعبير : أنهم قالوها دعوى ، ولم يحققوها في حياتهم واقعا . . ولقد كان أساس هذا الميثاق هو توحيد الله . وهنا كانت نقطة الانحراف الأصيلة في خط النصرانية التاريخي . وهذا هو الحظ الذي نسوه مما ذكروا به ؛ ونسيانه هو الذي قاد بعد ذلك إلى كل انحراف . كما أن نسيانه هو الذي نشأ من عنده الخلاف بين الطوائف والمذاهب والفرق ، التي لا تكاد تعد . في القديم وفي الحديث [ كما سنبين إجمالا بعد قليل ] . وبينها ما بينها من العداوة والبغضاء ما يخبرنا الله سبحانه أنه باق فيهم إلى يوم القيامة . . جزاء وفاقا على نقض ميثاقهم معه ، ونسيانهم حظا مما ذكروا به . . ويبقى جزاء الآخرة عندما ينبئهم الله بما كانوا يصنعون ؛ وعندما يجزيهم وفق ما ينبئهم به مما كانوا يصنعون !

ولقد وقع بين الذين قالوا : إنا نصارى من الخلاف والشقاق والعداوة والبغضاء في التاريخ القديم والحديث مصداق ما قصه الله - سبحانه - في كتابه الصادق الكريم ؛ وسال من دمائهم على أيدي بعضهم البعض ما لم يسل من حروبهم مع غيرهم في التاريخ كله . سواء كان ذلك بسبب الخلافات الدينية حول العقيدة ؛ أو بسبب الخلافات على الرياسة الدينية ؛ أو بسبب الخلافات السياسية والاقتصادية والاجتماعية . وفي خلال القرون الطويلة لم تسكن هذه العداوات والخلافات ولم تخمد هذه الحروب والجراحات . . وهي ماضية إلى يوم القيامة كما قال أصدق القائلين ، جزاء على نقضهم ميثاقهم ، ونسيانهم حظا مما ذكروا به من عهد الله ، وأول بند فيه هو بند التوحيد ، الذي انحرفوا عنه بعد فترة من وفاة المسيح عليه السلام . لأسباب لا مجال هنا لعرضها بالتفصيل

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّا نَصَٰرَىٰٓ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَهُمۡ فَنَسُواْ حَظّٗا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِۦ فَأَغۡرَيۡنَا بَيۡنَهُمُ ٱلۡعَدَاوَةَ وَٱلۡبَغۡضَآءَ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ وَسَوۡفَ يُنَبِّئُهُمُ ٱللَّهُ بِمَا كَانُواْ يَصۡنَعُونَ} (14)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ وَمِنَ الّذِينَ قَالُواْ إِنّا نَصَارَىَ أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظّاً مّمّا ذُكِرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَآءَ إِلَىَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبّئُهُمُ اللّهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } . .

يقول عزّ ذكره : وأخذنا من النصارى الميثاق على طاعتي وأداء فرائضي واتباع رسلي والتصديق بهم ، فسلكوا في ميثاقي الذي أخذته عليهم منهاج الأمة الضالة من اليهود ، فبدّلوا كذلك دينهم ونقضوا نقضهم وتركوا حظهم من ميثاقي الذي أخذته عليهم بالوفاء بعهدي وضيعوا أمري . كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : وَمِنَ الّذِينَ قالُوا إنّا نَصَارَى أخَذْنا مِيثاقَهُمْ فَنَسُوا حَظّا مِمّا ذُكّرُوا بِهِ : نسوا كتاب الله بين أظهرهم ، وعهد الله الذي عهده إليه ، وأمر الله الذي أمرهم به .

حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : قالت النصارى مثل ما قالت اليهود ، ونسوا حظّا مما ذكّروا به .

القول في تأويل قوله تعالى : فَأغْرَيْنا بَيْنَهُمُ العَدَاوَةَ وَالبَغْضَاءَ إلى يَوْمِ القِيامَةِ .

يعني تعالى ذكره بقوله : فَأغْرَيْنا بَيْنَهُمْ : حرشنا بينهم وألقينا ، كما نُغزي الشيءَ بالشيء . يقول جلّ ثناؤه : لما ترك هؤلاء النصارى الذين أخذت ميثاقهم بالوفاء بعهدي حظهم ، مما عهدت إليهم من أمري ونهيي ، أغريت بينهم العداوة والبغضاء .

ثم اختلف أهل التأويل في صفة إغراء الله بينهم العداوة والبغضاء ، فقال بعضهم : كان إغراؤه بينهم بالأهواء التي حدثت بينهم . ذكر من قال ذلك :

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا العوّام بن حوشب ، عن إبراهيم النخعي في قوله : فَأغْرَيْنا بَيْنَهُمُ العَدَاوَةَ والبَغْضَاءَ قال : هذه الأهواء المختلفة ، والتباغض فهو الإغراء .

حدثنا سفيان بن وكيع ، قال : حدثنا يزيد بن هارون ، عن العوّام بن حوشب ، قال : سمعت النخعي يقول : فَأغْرَيْنا بَيْنَهُمُ العَدَاوَةَ وَالبَغْضَاءَ قال : أغرى بعضهم ببعض بخصومات بالجدال في الدين .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني هشيم ، قال : أخبرنا العوّام بن حوشب ، عن إبراهيم النخعي والتيمي ، قوله : فَأغْرَيْنا بَيْنَهُمْ العَدَاوَةَ وَالبَغْضَاءَ قال : ما أرى الإغراء في هذه الاَية إلا الأهواء المختلفة . وقال معاوية بن قرة : الخصومات في الدين تحبط الأعمال .

وقال آخرون : بل ذلك هو العداوة التي بينهم والبغضاء . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : فَأغْرَيْنا بَيْنَهُمْ العَدَاوَةَ وَالبَغْضَاءَ إلى يَوْمِ القِيامَةِ . . . الاَية . إن القوم لما تركوا كتاب الله ، وعَصَوا رسله ، وضيعوا فرائضه ، وعطلوا حدوده ، ألقى بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة بأعمالهم أعمال السوء ، ولو أخذ القوم كتاب الله وأمره ، ما افترقوا ولا تباغضوا .

وأولى التأويلين في ذلك عندنا بالحقّ ، تأويل من قال : أغرى بينهم بالأهواء التي حدثت بينهم ، كما قال إبراهيم النخعي لأن عداوة النصارى بينهم ، إنما هي باختلافهم في قولهم في المسيح ، وذلك أهواء لا وحي من الله .

واختلف أهل التأويل في المعنىّ بالهاء والميم اللتين في قوله : فَأغْرَيْنا بَيْنَهُمُ فقال بعضهم : عني بذلك : اليهود والنصارى . فمعنى الكلام على قولهم وتأويلهم : فأغرينا بين اليهود والنصارى ، لنسيانهم حظّا مما ذكّروا به . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، وقال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : قال في النصارى أيضا : فنسوا حظّا مما ذكّروا به ، فلما فعلوا ذلك أغرى الله عزّ وجلّ بينهم وبين اليهود العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : فَأغْرَيْنا بَيْنَهُمُ العَدَاوَةَ والبَغْضَاءَ إلى يَوْمه القيامَةِ قال : هم اليهود والنصارى . قال ابن زيد : كما تغري بين اثنين من البهائم .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، ال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : فَأغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ العَدَاوَةَ وَالبَغْضَاءَ قال : اليهود والنصارى .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثني القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو سفيان ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : هم اليهود والنصارى ، أغرى الله بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة .

وقال آخرون : بل عنى الله بذلك : النصارى وحدها . وقالوا : معنى ذلك : فأغرينا بين النصارى عقوبة لها بنيسانها حظا مما ذكرت به . قالوا : وعليها عادت الهاء والميم في بينهم دون اليهود . ذكر من قال ذلك :

حدثني المثنى بن إبراهيم ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قال : إن الله عزّ ذكره تقدّم إلى بني إسرائيل أن لا تشتروا بآيات الله ثمنا قليلاً ، وعلّموا الحكمة ولا تأخذوا عليها أجرا . فلم يفعل ذلك إلا قليل منهم ، فأخذوا الرشوة في الحكم وجاوزوا الحدود ، فقال في اليهود حيث حكموا بغير ما أمر الله : وألْقَيْنا بَيْنَهُمُ العَدَاوَةَ وَالبَغْضَاءَ إلى يَوْمه القِيامَةِ وقال في النصارى : فَنَسُوا حَظّا مِمّا ذُكّرُوا بِهِ فأغْرَيْنا بَيْنَهُمْ العَدَاوَةَ وَالبَغْضَاءَ إلى يَوْمَ القِيامةِ .

وأولى التأويلين بالاَية عندي ما قاله الربيع بن أنس ، وهو أن المعنىّ بالإغراء بينهم : النصارى في هذه الاَية خاصة ، وأن الهاء والميم عائدتان على النصارى دون اليهود ، لأن ذكر الإغراء في خبر الله عن النصارى بعد تقضي خبره عن اليهود ، وبعد ابتدائه خبره عن النصارى ، فأن لا يكون ذلك معنيا به إلا النصارى خاصة أولى من أن يكون معنيا به الحزبان جميعا لما ذكرنا .

فإن قال قائل : وما العداوة التي بين النصارى ، فتكون مخصوصة بمعنى ذلك ؟ قيل : ذلك عداوة النّسطورية واليعقوبية والملكية النسطورية واليعقوبية ، وليس الذي قاله من قال معنى بذلك : إغراء الله بين اليهود والنصارى ببعيد ، غير أن هذا أقرب عندي وأشبه بتأويل الاَية لما ذكرنا .

القول في تأويل قوله تعالى : وَسَوْفَ يُنَبّئُهُمُ اللّهُ بِمعا كانُوا يَصْنَعُونَ .

يقول جلّ ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : اعف عن هؤلاء الذين هموا ببسط أيديهم إليك وإلى أصحابك ، واصفح فإن الله من وراء الانتقام منهم ، وسينبئهم الله عند ورودهم الله عليه في معادهم بما كانوا في الدنيا يصنعون من نقضهم ميثاقه ، ونكثهم عهده ، وتبديلهم كتابه ، وتحريفهم أمره ونهيه ، فيعاقبهم على ذلك حسب استحقاقهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّا نَصَٰرَىٰٓ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَهُمۡ فَنَسُواْ حَظّٗا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِۦ فَأَغۡرَيۡنَا بَيۡنَهُمُ ٱلۡعَدَاوَةَ وَٱلۡبَغۡضَآءَ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ وَسَوۡفَ يُنَبِّئُهُمُ ٱللَّهُ بِمَا كَانُواْ يَصۡنَعُونَ} (14)

{ من } متعلقة { بأخذنا } التقدير : وأخذنا من الذين قالوا إنّا نصارى ميثاقهم ، ويحتمل أن يكون قوله { ومن } معطوف على قوله { خائنة منهم } [ المائدة : 13 ] ، ويكون قوله { أخذنا ميثاقهم } ابتداء خبر عنهم ، والأول أرجح . وعلق كونهم نصارى بقولهم ودعواهم ، من حيث هو اسم شرعي يقتضي نصر دين الله ، وسموا به أنفسهم دون استحقاق ولا مشابهة بين فعلهم وقولهم ، فجاءت هذه العبارة موبخة لهم مزحزحة عن طريق نصر دين الله وأنبيائه ، وقوله تعالى : { فأغرينا بينهم } معناه أثبتناها بينهم وألصقناها ، والإغراء مأخوذ من الغراء الذي يلصق به ، والضمير في { بينهم } يحتمل أن يعود على اليهود والنصارى لأن العداوة بينهم ، موجودة مستمرة ، ويحتمل أن يعود على النصارى فقط لأنها أمة متقاتلة بينها الفتن إلى يوم القيامة ، ثم توعدهم الله تعالى بعقاب الآخرة إذ إنباؤهم بصنعهم إنما هو تقرير وتوبيخ متقدم للعذاب ، إذ صنعهم كفر يوجب الخلود في النار .