وأمام هذا المشهد يضرب مثلا للحياة الدنيا كلها . فإذا هي كتلك الجنة المضروبة مثلا قصيرة قصيرة ، لا بقاء لها ولا قرار :
( واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض ، فأصبح هشيما تذروه الرياح ، وكان الله على كل شيء مقتدرا ) . .
هذا المشهد يعرض قصيرا خاطفا ليلقي في النفس ظل الفناء والزوال . فالماء ينزل من السماء فلا يجري ولا يسيل ولكن يختلط به نبات الأرض . والنبات لا ينمو ولا ينضج ، ولكنه يصبح هشيما تذروه الرياح . وما بين ثلاث جمل قصار ، ينتهي شريط الحياة .
ولقد استخدم النسق اللفظي في تقصير عرض المشاهد . بالتعقيب الذي تدل عليه الفاء :
( ماء أنزلناه من السماء ) ف ( فاختلط به نبات الأرض ) ف ( أصبح هشيما تذروه الرياح ) فما أقصرها حياة ! وما أهونها حياة !
القول في تأويل قوله تعالى : { وَاضْرِبْ لَهُم مّثَلَ الْحَيَاةِ الدّنْيَا كَمَآءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرّياحُ وَكَانَ اللّهُ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ مّقْتَدِراً } .
يقول عزّ ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : واضرب لحياة هؤلاء المستكبرين الذين قالوا لك : اطرد عنك هؤلاء الذين يدعون ربهم بالغداة والعشيّ ، إذا نحن جئناك الدنيا منهم مثلاً يقول : شبها كَماءٍ أنْزَلْناهُ مِنَ السّماءِ يقول : كمطر أنزلناه من السماء فاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الأرْضِ يقول : فاختلط بالماء نبات الأرض فأصْبَحَ هَشِيما يقول : فأصبح نبات الأرض يابسا متفتتا تَذْرُوهُ الرّياحُ يقول تطيره الرياح وتفرّقه يقال منه : ذَرَته الريح تَذْروه ذَرْوا ، وَذَرتْه ذَرْيا ، وأذرته تُذْرِيهِ إذراء كما قال الشاعر :
فَقُلْتُ لَهُ صَوّبْ وَلا تُجْهِدَنّهُ *** فَيُذْرِكَ مِنْ أُخْرَى القَطاةِ فَتزْلَقِ
يقال : أذريت الرجل عن الدابة والبعير : إذا ألقيته عنه .
وقوله : وكانَ اللّهُ على كُلّ شَيْءٍ مُقْتَدِرا يقول : وكان الله على تخريب جنة هذا القائل حين دخل جنته : ما أظُنّ أنْ تَبِيدَ هَذِهِ أبَدا وَما أظُنّ السّاعَةَ قائمَةً وإهلاك أموال ذي الأمْوَالِ الباخلين بها عن حقوقها ، وإزالة دنيا الكافرين به عنهم ، وغير ذلك مما يشاء قادر ، لا يعجزه شيء أراده ، ولا يعْييه أمر أراده ، يقول : فلا يفخر ذو الأموال بكثرة أمواله ، ولا يستكبر على غيره بها ، ولا يغترنّ أهل الدنيا بدنياهم ، فإنما مَثَلُها مثل هذا النبات الذي حسُن استواؤه بالمطر ، فلم يكن إلا رَيْثَ أن انقطع عنه الماء ، فتناهى نهايته ، عاد يابسا تذروه الرياح ، فاسدا ، تنبو عنه أعين الناظرين ، ولكن ليعمل للباقي الذي لا يفنى ، والدائم الذي لا يبيد ولا يتغير .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.