المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤۡتِيَهُ ٱللَّهُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحُكۡمَ وَٱلنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادٗا لِّي مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَٰكِن كُونُواْ رَبَّـٰنِيِّـۧنَ بِمَا كُنتُمۡ تُعَلِّمُونَ ٱلۡكِتَٰبَ وَبِمَا كُنتُمۡ تَدۡرُسُونَ} (79)

79- وما كان معقولا ولا سائغاً لبشر ينزل الله عليه الكتاب ، ويؤتيه العلم النافع والتحدث عن الله أن يطلب من الناس أن يعبدوه من دون الله . ولكن المعقول والواقع أن يطلب منهم أن يكونوا خالصين لربهم الذي خلقهم بمقتضى ما عَلَّمهم من علم الكتاب وما يدرسونه منه .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤۡتِيَهُ ٱللَّهُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحُكۡمَ وَٱلنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادٗا لِّي مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَٰكِن كُونُواْ رَبَّـٰنِيِّـۧنَ بِمَا كُنتُمۡ تُعَلِّمُونَ ٱلۡكِتَٰبَ وَبِمَا كُنتُمۡ تَدۡرُسُونَ} (79)

65

هذا النموذج من بني إسرائيل - فيما يبدو من مجموع هذه الآيات - كانوا يتلمسون في كتاب الله الجمل ذات التعبير المجازي ؛ فيلوون السنتهم بها - أي في تأويلها واستخراج مدلولات منها هي لا تدل عليها بغير ليها وتحريفها - ليوهموا الدهماء أن هذه المدلولات المبتدعة هي من كتاب الله ؛ ويقولون بالفعل : هذا ما قاله الله ، وهو ما لم يقله - سبحانه - وكانوا يهدفون من هذا إلى إثبات الوهية عيسى عليه السلام ومع " روح القدس " . . وذلك فيما كانوا يزعمون من الأقانيم : الأب والابن والروح القدس . باعتبارها كائنا واحدا هو الله - تعالى الله عما يصفون - ويروون عن عيسى - عليه السلام - كلمات تؤيد هذا الذي يدعونه ، فرد الله عليهم هذا التحريف وهذا التأويل ، بأنه ليس من شأن نبي يخصه الله بالنبوة ويصطفيه لهذا الأمر العظيم أن يأمر الناس أن يتخذوه إلها هو والملائكة . فهذا مستحيل :

( ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ، ثم يقول للناس : كونوا عبادا لي من دون الله . ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون . ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون ؟ )

إن النبي يوقن أنه عبد ، وأن الله وحده هو الرب ، الذي يتجه إليه العباد بعبوديتهم وبعبادتهم . فما يمكن أن يدعي لنفسه صفة الألوهية التي تقتضي من الناس العبودية . فلن يقول نبي للناس : ( كونوا عبادا لي من دون الله ) . . ولكن قوله لهم : ( كونوا ربانيين ) . . منتسبين إلى الرب ، عبادا له وعبيدا ، توجهوا إليه وحده بالعبادة ، وخذوا عنه وحده منهج حياتكم ، حتى تخلصوا له وحده فتكونوا( ربانيين ) . . كونوا( ربانيين )بحكم علمكم للكتاب وتدارسكم له . فهذا مقتضى العلم بالكتاب ودراسته .