( ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون79 )
( ما كان ) أي ما ينبغي ولا يستقيم ( لبشر ) أي جميع بني آدم ولا واحد للفظ بشر كالقوم والرهط ، بيان لافترائهم على الأنبياء إثر بيان افترائهم على الله ، وإنما قيل " لبشر " إشعارا بعلة الحكم فإن البشرية منافية للأمر الذي تقولوه عليه ( أن يؤتيه الله الكتاب ) الناطق بالحق ( والحكم ) يعني الفهم والعلم وقيل هو إمضاء الحكم من الله ، والأول أولى ( والنبوة ) يعني المنزلة الرفيعة ( ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ) أي هذه المقالة وهو متصف بتلك الصفة وفيه بيان من الله سبحانه لعباده أن النصارى افتروا على عيسى ما لا يصح عنه ، ولا ينبغي أن يقوله .
( ولكن ) يقول ( كونوا ربانيين ) قال سيبويه : الرباني منسوب إلى الرب بزيادة الألف والنون للمبالغة كما يقال لعظيم اللحية لحياني ولعظيم الجمة جماني ولغليظ الرقبة رقباني .
وقيل الرباني الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره ، فكأنه يقتدي بالرب سبحانه في تيسير الأمور ، وقال المبرد الربانيون أرباب العلم واحدهم رباني ، من قوله ربه يربه فهو ربان إذا دبره وأصلحه ، والياء للنسب ، فمعنى الرباني العالم بدين الرب القوي التمسك بطاعة الله ، وقيل العالم الحكيم أي كونوا ربانيين بسب كونكم عالمين فإن حصول العلم للإنسان والدراسة له يتسبب عنهما الربانية التي هي التعليم للعلم وقوة التمسك بطاعة الله ، قال ابن عباس معناه : حكماء علماء .
وقيل الرباني العالم الذي يعمل بعلمه ، وقيل العالم بالحلال والحرام والأمر والنهي ، وقيل الجامع بين علم البصيرة والسياسة .
ولما مات ابن عباس قال محمد بن الحنفية اليوم مات رباني هذه الأمة ، وقيل هم ولاة الأمر والعلماء ، وقال أبو عبيدة أحسب أن هذه الكلمة عبرانية أو سريانية .
( بما كنتم تعلمون الكتاب ) بالتخفيف والتشديد ، قال مكي التشديد أبلغ لأن العالم قد يكون عالما غير معلم فالتشديد يدل على العلم والتعليم ، والتخفيف إنما يدل على العلم فقط ، ويؤيد الأولى ( وبما كنتم تدرسون ) بالتخفيف .
والحاصل إن من قرأ بالتشديد لزمه أن يحمل الرباني على أمر زائد على العلم والتعليم ، هو أن يكون مع ذلك مخلصا أو حكيما أو حليما حتى تظهر السببية ، ومن قرأ بالتخفيف جاز له أن يحمل الرباني على العالم الذي يعلم الناس ، فيكون المعنى كونوا معلمين بسبب كونكم علماء ، وبسبب كونكم تدرسون العلم .
وفي هذه الآية أعظم باعث لمن علم على أن يعمل ، وإن من أعظم العمل بالعلم تعليمه والإخلاص لله سبحانه ، والدراسة مذاكرة العلم والفقه ، فدلت الآية على أن العلم والتعليم والدراسة توجب كون الإنسان ربانيا فمن اشتغل بها لا لهذا المقصود فقد ضاع علمه وخاب سعيه{[339]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.