تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي  
{مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤۡتِيَهُ ٱللَّهُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحُكۡمَ وَٱلنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادٗا لِّي مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَٰكِن كُونُواْ رَبَّـٰنِيِّـۧنَ بِمَا كُنتُمۡ تُعَلِّمُونَ ٱلۡكِتَٰبَ وَبِمَا كُنتُمۡ تَدۡرُسُونَ} (79)

{ مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ * وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }

وهذه الآية نزلت ردا لمن قال من أهل الكتاب للنبي صلى الله عليه وسلم لما أمرهم بالإيمان به ودعاهم إلى طاعته : أتريد يا محمد أن نعبدك مع الله ، فقوله { ما كان لبشر } أي : يمتنع ويستحيل على بشر من الله عليه بإنزال الكتاب وتعليمه ما لم يكن يعلم وإرساله للخلق { أن يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله } فهذا من أمحل المحال صدوره من أحد من الأنبياء عليهم أفضل الصلاة والسلام ، لأن هذا أقبح الأوامر على الإطلاق ، والأنبياء أكمل الخلق على الإطلاق ، فأوامرهم تكون مناسبة لأحوالهم ، فلا يأمرون إلا بمعالي الأمور وهم أعظم الناس نهيا عن الأمور القبيحة ، فلهذا قال { ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون } أي : ولكن يأمرهم بأن يكونوا ربانيين ، أي : علماء حكماء حلماء معلمين للناس ومربيهم ، بصغار العلم قبل كباره ، عاملين بذلك ، فهم يأمرون بالعلم والعمل والتعليم التي هي مدار السعادة ، وبفوات شيء منها يحصل النقص والخلل ، والباء في قوله { بما كنتم تعلمون } إلخ ، باء السببية ، أي : بسبب تعليمكم لغيركم المتضمن لعلمكم ودرسكم لكتاب الله وسنة نبيه ، التي بدرسها يرسخ العلم ويبقى ، تكونون ربانيين .