جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤۡتِيَهُ ٱللَّهُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحُكۡمَ وَٱلنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادٗا لِّي مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَٰكِن كُونُواْ رَبَّـٰنِيِّـۧنَ بِمَا كُنتُمۡ تُعَلِّمُونَ ٱلۡكِتَٰبَ وَبِمَا كُنتُمۡ تَدۡرُسُونَ} (79)

{ ما كان لبشر } : ما ينبغي له ، وما يتأتى منه ، { أن يؤتيه الله الكتاب والحكم } : الحكمة أو إمضاء الحكم من الله ، { والنبوّة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله } ، رد على اليهود حين قالوا : أتريد يا محمد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى ابن مريم ؟ فقال صلى الله عليه وسلم معاذ الله ما بذلك بعثني ؛ فنزلت{[738]} ، أورد على النصارى حيث قالوا : إن عيسى أمرهم أن يتخذوه ربا فنزلت ، { ولكن{[739]} } : يقول{[740]} ، { كونوا ربّانيين } :{[741]} حكماء ، وحلماء وعلماء ، أو فقهاء ، أو من يرب{[742]} علمه بعمله أو منسوب{[743]} إلى الرب بزيادة الألف والنون { إنما كنتم تُعلِّمون الكتاب وبما كنتم تدرسون{[744]} } : أي : بسبب كونكم معلمين الكتاب{[745]} ودارسين له .


[738]:أخرجه البيهقي في (دلائل النبوة) (5/384)، وفي سنده محمد بن إسحاق وقد صرح بالسماع.
[739]:والمعنى: ما استقام لبشر أن يؤتيه الله الكتاب، ثم يترتب عليه أن يقول للناس كونوا عبادًا لي، ولا أن يأمرهم باتخاذ الملائكة والنبيين أربابا فالخطاب في (ولا يأمركم) التفات/12.
[740]:لما كان يقول تذكيرا وإعادة ليقول المذكور ينبغي أن يكون بالنصب/12.
[741]:دلت الآية على أن العلم والتعليم والدراسة توجب كون الإنسان ربانيًّا فمن اشتغل بالتعلم والتعليم لا لهذا المقصود ضاع سعيه، وخاب عمله، وكان مثله مثل من غرس شجرة حسناء مونقة بمنظرها، ولا منفعة بثمرها، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (نعوذ بالله من علم لا ينفع وقلب لا يخشع) /12 تفسير كبير [أخرجه مسلم في (الذكر والدعاء) (5/569) ط الشعب].
[742]:وقيل: الرباني الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره/12.
[743]:وهو شديد التمسك بدين الله وطاعته؛ لأن الشيء إنما ينسب إلى من اشتهر أو ما اشتهر به سيما وزيادة الألف والنون تؤذن بمبالغة زائدة هذا قول طاوس [ في الأصل: طاؤس] والحسن البصري وقتادة/12 منه.
[744]:وفي هذه الآية أعظم باعث لمن علم على أن يعمل وأن من أعظم العمل بالعلم تعليمه، والإخلاص لله سبحانه، والدراسة مذاكرة العلم والفقه فدلت الآية على أن العلم والتعليم والدراسة توجب كون الإنسان ربانيا فمن اشتغل بها لا لهذا المقصود فقد ضاع عمله وخاب سعيه، وحاصل الكلام أن العلم والتعليم والدراسة توجب على صاحبها كونه ربانيا، والسبب لا محالة مغاير [في الأصل: مغائر] للمسبب فهذا يقتضي أن يكون كونه ربانيا أمرا مغايرا لكونه عالمًا ومعلما ومواظبا على الدراسة وما ذاك إلا أن يكون بحيث يكون تعلمه لله، وتعليمه ودراسته لله، وبالجملة أن يكون الداعي له إلى جميع الأفعال طلب مرضات الله، والصارف له عن كل الأفعال الهرب عن عقاب الله، وإذا ثبت أن الرسول يأمر الخلق بهذا المعنى ثبت أنه يمتنع منه أن يأمر [كذا العبارة في الأصل] الخلق بعبادته وحاصل الحرف شيء واحد وهو أن الرسول هو الذي يكون منتهى جهده وجده صرف الأرواح والقلوب عن الخلق إلى الحق فمثل هذا الإنسان كيف يمكن أن يصرف عقول الخلق عن طاعة الحق إلى طاعة نفسه وعند هذا يظهر أنه يمتنع في أحد من الأنبياء صلوات الله عليهم أن يأمر غيره بعبادته/12 تفسير كبير.
[745]:أي حافظين قارئين له، وجاز أن يكون معناه يدرسون على الناس والأول أولى فافهم/12.