الرباني : منسوب إلى الرب ، وزيدت الألف والنون مبالغة .
كما قالوا : لحياني ، وشعراني ، ورقباني .
فلا يفردون هذه الزيادة عن ياء النسبة .
وقال قوم : هو منسوب إلى ربان ، وهو معلم الناس وسائسهم ، والألف والنون فيه كهي في : غضبان وعطشان ، ثم نسب إليه فقالوا : رباني ، فعلى هذا يكون من النسب في الوصف ، كما قالوا : أحمري في أحمر ، و : دواري في دّوار ، وكلا القولين شاذ لا يقاس عليه .
درس الكتاب يدرسه : أدمن قراءته وتكريره ، ودرس المنزل : عفا ، وطلل دارس : عافٍ .
{ ما كان لبشر أن يأتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عباداً لي من دون الله } « روي أن أبا رافع القرظي قال للنبي صلى الله عليه وسلم ، حين اجتمت الأحبار من يهود ، والوفد من نصارى نجران : يا محمد ! إنما تريد أن نعبدك ونتخذك إلهاً كما عبدت النصارى عيسى ؟ فقال الرئيس من نصارى نجران : أَوَ ذاك تريد يا محمد واليه تدعونا ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : » معاذ الله ما بذلك أمرت ولا إليه دعوت « ، فنزلت .
وقيل : » قال رجل : يا رسول الله ! نسلم عليك كما يسلم بعضنا على بعض ، أفلا نسجد لك ؟ قال : « لا ينبغي أن يسجد لأحد من دون الله ، ولكن أكرموا نبيكم واعرفوا الحق لأهله » واختلف المفسرون إلى من هي الإشارة بقوله : { ما كان لبشر } فقال ابن عباس ، والربيع ، وابن جريج ، وجماعة : الإشارة إلى محمد صلى الله عليه وسلم ، وذكروا سبب النزول المذكور .
وقال النقاش ، وغيره : الإشارة إلى عيسى ، والآية رادّة على النصارى الذين قالوا : عيسى إله ، وادعوا أن عبادته هي شرعة مستندة إلى أوامره ، ومعنى { ما كان لبشر أن يؤتيه الله } وما جاء نحوه أنه ينفي عنه الكون ، والمراد نفي الخبر ، وذلك على قسمين .
أحدهما : أن يكون الانتفاء من حيث العقل ، ويعبر عنه بالنفي التام ، ومثاله قوله :
{ ما كان لكم أن تنبتوا شجرها } { وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله }
والثاني : أن يكون الانتفاء فيه على سبيل الانتفاء ، ويعبر عنه بالنفي غير التام ، ومثاله قول أبي بكر الصديق ، رضي الله عنه : ما كان لابن أبي قحافة أن يتقدّم أن يصلى بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ومدرك القسمين إنما يعرف بسياق الكلام الذي النفي فيه ، وهذه الآية من القسم الأول ، لأنا نعلم أن الله لا يعطي الكَذَبة والمدَّعين النبوّة ، وفي هذه الآية دلالة على عصمة الأنبياء عليهم السلام .
والكتاب : هنا اسم جنس ، والحكم : قيل بمعنى الحكمة ، ومنه : « إن من الشعر لحكماً » .
وقيل : الحكم هنا السنة ، يعنون لمقابلته الكتاب ، والظاهر أن الحكم هنا القضاء والفصل بين الناس ، وهذا من باب الترقي ، بدأ أولاً بالكتاب وهو العلم ، ثم ترقى إلى التمكين وهو الفصل بين الناس ثم ترقى إلى الرتبة العليا وهي النبوّة وهي مجمع الخير ، ثم يقول للناس .
أتى بلفظ : ثم ، التي هي للمهلة تعظيماً لهذا القول ، وإذا انتفى هذا القول بعد المهلة كان انتفاؤه بدونها أولى وأحرى ، أي : إن هذا الإيتاء العظيم لا يجامع هذا القول ، وإن كان بعد مهلة من هذا الإنعام العظيم .
{ كونوا عباداً لي من دون الله } عباداً جمع عبد .
قال ابن عطية : ومن جموعه : عبيد وعبدّي .
قال بعض اللغويين : هذه الجموع كلها بمعنى .
وقال قوم : العباد لله والعبيد للبشر .
وقال قوم : العبدي إنما يقال في العبيد بني العبيد ، كأنه مبالغة تقتضي الاستغراق في العبودية .
والذي استقرئت في لفظة : العباد ، أنه جمع عبد ، متى سيقت اللفظة في مضمار الترفيع والدلالة على الطاعة دون أن يقترن بها معنى التحقير وتصغير الشأن فانظر قوله تعالى : { والله رؤوف بالعباد } { وعباد مكرمون } { يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم } وقول عيسى في معنى الشفاعة والتعريض { إن تعذبهم فانهم عبادك }
وأما : العبيد ، فيستعمل في التحقير ، ومنه قول امرىء القيس :
قولاً لدودان عبيد العصا *** ما غركم بالأسد الباسل
ومنه قول حمزة بن عبد المطلب : وهل أنتم إلاَّ عبيد لأبي ، ومنه { وما ربك بظلام للعبيد } لأنه مكان تشقيق وإعلام بقلة انتصارهم ومقدرتهم ، وأنه تعالى ليس بظلام لهم مع ذلك ، ولما كانت لفظة العباد تقتضي الطاعة ، لم يقع هنا ، ولذلك أنس بها في قوله : { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم } فهذا النوع من النظر يسلك بك سبيل العجائب في حيز فصاحة القرآن العزيز على الطريقة العربية السليمة ، ومعنى قوله : { كونوا عباداً لي من دون الله } اعبدوني واجعلوني إلهاً .
أما قوله : ومن جموعه : عبيد وعبدى ، أما عبيد فالأصح أنه جمع .
وقيل : اسم جمع ، و : أما عبدى فاسم جمع ، وألفه للتأنيث .
وأما ما استقرأه أن عباداً يساق في مضمار الترفيع والدلالة على الطاعة دون أن يقترن بها معنى التحقير والتصغير ، وإيراده ألفاظاً في القرآن بلفظ العباد ، وقوله : وأما العبيد فيستعمل في تحقير ، وأنشد بيت أمرىء القيس ، وقول حمزة وقوله تعالى
{ بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون } الباء للسبب ، و : ما ، الظاهر أنها مصدرية ، و : تعلمون ، متعدٍ لواحد على قراءة الحرميين وأبي عمرو إذ قرأوا بالتخفيف مضارع علم ، فأما قراءة باقي السبعة بضم التاء وفتح العين وتشديد اللام المكسورة ، فيتعدّى إلى اثنين ، إذ هي منقولة بالتضعيف من المتعدية إلى واحد ، وأول المفعولين محذوف تقديره : تعلمون الناس الكتاب .
وتكلموا في ترجيح أحد القراءتين على الأخرى ، وقد تقدّم أني لا أرى شيئاً من هذه التراجيح ، لأنها كلها منقولة متواترة قرآناً ، فلا ترجيح في إحدى القراءتين على الأخرى .
وقرأ مجاهد ، والحسن : تعلمون ، بفتح التاء والعين واللام المشددة ، وهو مضارع حذفت منه التاء ، التقدير : تتعلمون ، وقد تقدم الخلاف في المحذوف منهما .
وقرأ أبو حيوة : تدرسون بكسر الراء .
وروي عنه : تدرّسون ، بضم التاء وفتح الدال وكسر الراء المشددة أي : تدرسون غيركم العلم ، ويحتمل أن يكون التضعيف للتكثير لا للتعدية .
وقرئ : تدرسون ، منن أدرس بمعنى درّس نحو : أكرم وكرّم ، و : أنزل نزّل ، وقال الزمخشري : أوجب أن تكون الرئاسة التي هي قوّة التمسك بطاعة الله مسببة عن العلم والدراسة ، وكفى به دليلا على خيبة سعي من جهد نفسه وكدر وجه في جمع العلم ، ثم لم يجعله ذريعة إلى العمل ، فكان مثل من غرس شجرة حسناء تونقه بمنظرها ولا تنفعه بثمرها ، ثم قال أيضاً ، بعد أسطر : وفيه أن من علم ودرس العلم ولم يعمل به فليس من الله في شيء ، وأن السبب بينه وبين ربه منقطع حيث لم تثبت النسبة إليه إلاَّ للمتمسكين بطاعته .
وفيه دسيسة الاعتزال ، وهو أنه : لا يكون مؤمناً عالماً إلاَّ بالعمل ، وأن العمل شرط في صحة الإيمان .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.