الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤۡتِيَهُ ٱللَّهُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحُكۡمَ وَٱلنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادٗا لِّي مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَٰكِن كُونُواْ رَبَّـٰنِيِّـۧنَ بِمَا كُنتُمۡ تُعَلِّمُونَ ٱلۡكِتَٰبَ وَبِمَا كُنتُمۡ تَدۡرُسُونَ} (79)

قوله : ( مَا كَانَ لِبَشَرٍ اَنْ يُّوتِيَهُ اللَّهُ الكِتَابَ وَالْحُكْمَ( {[10293]} ) وَالنُّبُوءَةَ( {[10294]} ) ) [ 79 ] أي : ما ينبغي لبشر أن ينزل الله عليه الكتاب ويعطيه الحكم ، وهو الفقه في الدين ، ويعطيه النبوءة ثم يدعو الناس إلى عبادته ، بل يدعوهم إلى الله وإلى عبادته .

وروي أنها نزلت في النفر من اليهود والنصارى الذين دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام( {[10295]} ) . وروي أن اليهود قالت له( {[10296]} ) : تريد يا محمد أن نعبدك كما عبدت النصارى عيسى ؟

وقال الرئيس من نصارى نجران : ذاك تريد منا يا محمد ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم( {[10297]} ) : معاذ الله أن أعبد( {[10298]} ) غير الله ، أو آمر بعبادة غيره ما بذلك بعثت فأنزل الله جل ذكره ( مَا كَانَ لِبَشَرٍ ) الآية( {[10299]} ) .

ثم قال( {[10300]} ) : ( وَلَكِن كُونُوا رَبَّانِيِّينَ ) أي . . . حكماء علماء ( بِمَا كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) من شدة فهو مشتمل على معنى التخفيف لأن من علمنا شيئاً فقد علم( {[10301]} ) .

قال الضحاك : لا ينبغي لأحد أن يدع حفظ القرآن جهده ، فإن الله تعالى يقول : ( وَلَكِن كُونُوا رَبَّانِيِّينَ ) فقهاء علماء بعلم الكتاب ودرسكم إياه( {[10302]} ) .

هذا على قراءة من خفف .

( ومن شدد فمعناه : بتعليمكم الكتاب وبدرسكم إياه " )( {[10303]} ) وكل معلم عالم ، وليس كل عالم معلماً ، فالتشديد أعم وأبلغ وأمدح( {[10304]} ) . ونزلت هذه الآية حين قالت اليهود من( {[10305]} ) أهل نجران وغيرهم : أتريد يا محمد أن نعبدك فقال النبي صلى الله عليه وسلم : معاذ الله أن نعبد غير الله أو نأمر( {[10306]} ) بعبادة غير الله( {[10307]} ) ما بذلك بعثني ولا بذلك أمرني " أو كما قال فأنزل الله عز وجل ( مَا كَانَ لِبَشَرٍ ) الآية .

ومعنى ( وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ ) أي : ما ينبغي لبشر أن يفعل ذلك مع الناس وأن يقول لهم ذلك ، ولكن يقول لهم كونوا ربانيين " ( {[10308]} ) .

أي حكماء علماء( {[10309]} ) .

وقيل : فقهاء علماء فتركوا القول لدلالة الكلام عليه .

وقال ابن زيد : الربانيون ولاة الأمر ، وقرأ ( لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ ) ، وقال : هم ولاة الأمر( {[10310]} ) .

والألف والنون في " ربانيين " دخلت للمبالغة كجماني للعظيم الجمة ، وكذلك غضبان للممتلئ غيظاً ومعنى الرباني العالم بدين الرب ، وكأنه في الأصل الربي منسوب إلى الرب ثم دخلت الألف والنون للمبالغة ، وجمع جمع السلامة بالياء والنون والألف والنون( {[10311]} ) .

قال مجاهد : الربانيون ، فوق الأحبار( {[10312]} ) .

قال النحاس : الأحبار العلماء ، والربانيون الذين جمعوا مع العلم السياسة والصلاح( {[10313]} ) .

من قولهم : ربَّ( {[10314]} ) فلان الأمر( {[10315]} ) إذا أصلحه .

وقد قي في ( وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ ) أي : الفقه( {[10316]} ) .

والأحسن أن يكون مردوداً على ما قبله فتكون الدراسة للكتاب الذي جرى ذكره ، ولم يجر ذكر( {[10317]} ) للفقه .

والكتاب هنا القرآن ، قاله عاصم( {[10318]} ) .


[10293]:- (أ): الحكمة وهو خطأ.
[10294]:- ساقط من (أ).
[10295]:- انظر: جامع البيان 3/325.
[10296]:- (ج): أتريد.
[10297]:- (ج): صلى الله عليه وسلم.
[10298]:- (أ): أن نعبد.
[10299]:- انظر: جامع البيان 3/325 والدر المنثور 2/250.
[10300]:- (أ): ثم قال قال.
[10301]:- هذه العبارة فيها شيء من التشويش، فهو يريد أن يقول: بما كنتم تعلِّمون –بقراءة التشديد- فهو مشتمل على معنى التخفيف أي القراءة بالتخفيف (تَعْلَمُون) لأن من علمنا شيئاً فقد علم. قاله المدقق.
[10302]:- انظر: معاني الزجاج 1/437.
[10303]:- ساقط من (ب).
[10304]:- في تعلمون وتدرسون أربع قراءات: (أ): التخفيف وقرأ به نافع وأبو عمرو وابن كثير وأهل المدينة. (ب) التشديد وقرأ به ابن عباس وعاصم، وحمزة والكسائي، وأهل الكوفة. (ج): قرأ أبو حيوة تُدَرِسون بضم التاء وفتح الدال وكسر الراء، وفي رواية عنه بفتح الدال والراء معاً. (د): وقرأ مجاهد والحسن تَعَلَّمون بفتح التاء والعين واللام المشددة، انظر: معاني الفراء 1/224 والسبعة 213، وإعراب النحاس 1/347، والحجة 112، وحجة القراءات 166، والكشف 1/351، والعنوان 80 والبحر 2/606.
[10305]:- (ب): من ناصر أهل نجران.
[10306]:- (أ) (د): ونامر.
[10307]:- (ب): غيره.
[10308]:- ساقط من (أ) و(ج).
[10309]:- من قوله ونزلت هذه الآية... أي: حكماء علماء، إقحام على النص وقد تقدم ما يغني عنه فهل كان مكي يملي هذا أم أنه كان يكتب وينسى ما كتب، أو أنه لا يراجع.
[10310]:- انظر: جامع البيان 3/324-327.
[10311]:- انظر: المصدر السابق.
[10312]:- انظر: المصدر السابق.
[10313]:- انظر: إعراب النحاسن 1/347.
[10314]:- انظر: اللسان (رب) 1/399.
[10315]:- (ج): القوم إذا صلح.
[10316]:- انظر: جامع البيان 3/328.
[10317]:- (أ): ذلك.
[10318]:- هو عاصم بن أبي النجود توفي (127) هـ أحد القراء السبعة ثقة محدث مشهور. تاريخ الثقات 239 وغاية النهاية 1/346.