تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤۡتِيَهُ ٱللَّهُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحُكۡمَ وَٱلنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادٗا لِّي مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَٰكِن كُونُواْ رَبَّـٰنِيِّـۧنَ بِمَا كُنتُمۡ تُعَلِّمُونَ ٱلۡكِتَٰبَ وَبِمَا كُنتُمۡ تَدۡرُسُونَ} (79)

الآية 79 وقوله تعالى : { ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة } أي ما كان لبشر اختاره الله للذي قال ، وتبين أنهم إنما أضافوا دينهم الذي فيه عبادة غير الله إلى أنبيائهم كذبة ، وأن الله يجعل رسالته عند من يعصمه من مثله بقوله : { والله أعلم حيث يجعل رسالته } [ الأنعام : 124 ] لا يجعلها حيث يخان ، والله الموفق .

وهذه الآية تنقض على الباطنية قولهم ، لأنهم يقولون : إن الله لا يؤتي النفس البشرية الكتاب ولا النبوة ، إنما يؤتي النفس البساطة{[4012]} ، وهي الروحانية ليأتي تخيل في قلوب الأنبياء ، ويؤيدهم حتى يؤلفوا كقوله : { نزل به الروح الأمين } { على قلبك لتكون من المنذرين } { بلسان عربي مبين } [ الشعراء : 193 و 194 و 195 ] فإذا ثبت ذلك في قلوب{[4013]} الرسل ألفوا هم الكتب والصحف ، لا يقدر غير الرسل على ذلك . ثم الناس يأخذون ذلك منهم ، فالآية تكذبهم ، وترد عليهم قولهم حين أخبر : يؤتي البشر الكتاب والحكم والنبوة بقوله : { ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة } وكذلك قال عيسى عليه السلام في المهد { إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا } [ مريم : 30 ] .

وفي الآية دليل عصمة الرسل والأنبياء عليهم السلام عن الكفر بقوله : { ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله } [ وخاصة في عصمة رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم قوله : { إن الذين يؤذون الله ]{[4014]} ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة } [ الأحزاب : 57 ] وقوله{[4015]} : { والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا } [ الأحزاب : 58 ] شرط في{[4016]} المؤمنين اكتساب ما يستوجبون به الأذى ، ويكون من المؤمنين بشرطه فيهم ذلك ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { ولكن كونوا } معناه : أي ولكن يقول لهم { كونوا ربانيين } [ وكأنه على الابتداء والاستئناف ، ويقول لهم : { كونوا ربانيين } ]{[4017]} ثم اختلف في { ربانيين } قيل : متعبدين لله الذي [ كانوا يعلمون ]{[4018]} وبالذي [ كانوا ]{[4019]} يدرسون ، وقيل : الربانيون{[4020]} العلماء الحكماء ، وقيل : حكماء علماء ، وقيل : علماء فقهاء ، وهو واحد .

ثم فيه دلالة أن الرجل قد يدرس ، ويعلم آخر بما لا يفقه ، ولا يعلم معناه ، [ ولا كل ]{[4021]} من يدرس شيئا أو يعلم آخر{[4022]} يكون فقيها فيه ، ويعرف ما أودع فيه من المعنى [ وفيه دلالة جواز الاجتهاد لأنه إنما يوصل إلى ما فيه من المعنى ]{[4023]} والفقه بالاجتهاد ، والله أعلم .


[4012]:في الأصل وم: البسيطة.
[4013]:من م، في الأصل: قلوبهم.
[4014]:من م، ساقطة من الأصل.
[4015]:في الأصل وم: وقال.
[4016]:من م، في الأصل: من.
[4017]:من م، ساقطة من الأصل.
[4018]:في الأصل وم: يعلمون.
[4019]:ساقطة من الأصل وم.
[4020]:في الأصل وم: الربانيين.
[4021]:في الأصل: إلا، في م: إلا كل.
[4022]:في الأصل وم: آخره.
[4023]:من م، ساقطة من الأصل.