المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبٗا مِّنَ ٱلۡكِتَٰبِ يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡجِبۡتِ وَٱلطَّـٰغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَـٰٓؤُلَآءِ أَهۡدَىٰ مِنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ سَبِيلًا} (51)

51- ألا تعجب من أمر هؤلاء الذين أوتوا حظاً من علم الكتاب يُرْضُون عبدة الأصنام والشيطان ويقولون عن الذين عبدوا الأوثان : إنهم أهدى من أهل الإيمان طريقاً .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبٗا مِّنَ ٱلۡكِتَٰبِ يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡجِبۡتِ وَٱلطَّـٰغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَـٰٓؤُلَآءِ أَهۡدَىٰ مِنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ سَبِيلًا} (51)

{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا * أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا * أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا * فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا * وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا }

وهذا من قبائح اليهود وحسدهم للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ، أن أخلاقهم الرذيلة وطبعهم الخبيث ، حملهم على ترك الإيمان بالله ورسوله ، والتعوض عنه بالإيمان بالجبت والطاغوت ، وهو الإيمان بكل عبادة لغير الله ، أو حكم بغير شرع الله .

فدخل في ذلك السحر والكهانة ، وعباده غير الله ، وطاعة الشيطان ، كل هذا من الجبت والطاغوت ، وكذلك حَمَلهم الكفر والحسد على أن فضلوا طريقة الكافرين بالله -عبدة الأصنام- على طريق المؤمنين فقال : { وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا } أي : لأجلهم تملقا لهم ومداهنة ، وبغضا للإيمان : { هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا } أي : طريقا . فما أسمجهم وأشد عنادهم وأقل عقولهم " كيف سلكوا هذا المسلك الوخيم والوادي الذميم ؟ " هل ظنوا أن هذا يروج على أحد من العقلاء ، أو يدخل عقلَ أحد من الجهلاء ، فهل يُفَضَّل دين قام على عبادة الأصنام والأوثان ، واستقام على تحريم الطيبات ، وإباحة الخبائث ، وإحلال كثير من المحرمات ، وإقامة الظلم بين الخلق ، وتسوية الخالق بالمخلوقين ، والكفر بالله ورسله وكتبه ، على دين قام على عبادة الرحمن ، والإخلاص لله في السر والإعلان ، والكفر بما يعبد من دونه من الأوثان والأنداد والكاذبين ، وعلى صلة الأرحام والإحسان إلى جميع الخلق ، حتى البهائم ، وإقامة العدل والقسط بين الناس ، وتحريم كل خبيث وظلم ، والصدق في جميع الأقوال والأعمال ، فهل هذا إلا من الهذيان ، وصاحب هذا القول إما من أجهل الناس وأضعفهم عقلا ، وإما من أعظمهم عنادا وتمردا ومراغمة للحق ، وهذا هو الواقع ، ولهذا قال تعالى عنهم : { أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ } أي : طردهم عن رحمته وأحل عليهم نقمته . { وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا } أي : يتولاه ويقوم بمصالحه ويحفظه عن المكاره ، وهذا غاية الخذلان .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبٗا مِّنَ ٱلۡكِتَٰبِ يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡجِبۡتِ وَٱلطَّـٰغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَـٰٓؤُلَآءِ أَهۡدَىٰ مِنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ سَبِيلًا} (51)

أعيد التعجيب من اليهود ، الذين أوتوا نصيباً من الكتاب ، بما هو أعجب من حالهم التي مرّ ذكرها في قوله : { ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يشترون الضلالة } [ النساء : 44 ] ؛ فإنّ إيمانهم بالجبت والطاغوت وتصويبهم للمشركين تباعد منهم عن أصول شرعهم بمراحل شاسعة ، لأنّ أوّل قواعد التوراة وأولى كلماتها العشر هي ( لا يكن لك آلهة أخرى أمامي ، لا تصنع لك تمثالاً منحُوتاً ، لا تسجد لهنّ ولا تعبدهنّ ) . وتقدّم بيان تركيب { ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب } آنفاً في سورة آل عمران ( 23 ) .

والجبت : كلمة معرّبة من الحبشية ، أي الشيطان والسحر ؛ لأنّ مادة : جَ بَ تَ مهملة في العربية ، فتعيّن أن تكون هذه الكلمة دخيلة . وقيل : أصلها جبس : وهو ما لا خير فيه ، فأبدلت السين تاء كما أبدلت في قول علباء بن أرقم : يا لَعَنَ الله بني السعْلات ، عمرَو بنَ يَربوع شرار النَّات ، ليسوا أعفّاء ولا أكيات ، أي شرار الناس ولا بأكياس . وكما قالوا : الجتّ بمعنى الجسّ .

والطاغوت : الأصنام كذا فسّره الجمهور هنا ونقل عن مالك بن أنس . وهو اسم يقع على الواحد والجمع فيقال : للصَّنم طاغوت وللأصنام طاغوت ، فهو نظير طِفْل وفُلْك . ولعلّ التزام اقترانه بلام تعريف الجنس هو الذي سوّغ إطلاقه على الواحد والجمع نظير الكتاب والكتب . ثم لمّا شاع ذلك طردوه حتّى في حالة تجرّده عن اللام ، قال تعالى : { يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به } [ النساء : 60 ] فأفرده ، وقال : { والذين اجتنبوا الطاغوت أن يَعْبُدوها } [ الزمر : 17 ] ، وقال : { والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم } [ البقرة : 257 ] الخ . وهذا الاسم مشتقّ من طغى يطغو إذا تعاظم وترفّع ، وأصله مصدر بوزن فَعَلوت للمبالغة ، مثل : رهبوت ، وملكوت ، ورحموت ، وجبَروت ، فأصله طَغَوُوت فوقع فيه قلب مكاني بتقديم لام الكلمة على عينها فصار طوغوت بوزن فَلَعُوت ، والقصد من هذا القلب تأتّي إبدال الواو ألفاً بتحرّكها وانفتاح ما قبلها ، وهم قد يقلبون حروف الكلمة ليتأتّى الإبدال كما قلبوا أرْءَام جمع ريم إلى آرام ليتأتى إبدال الهمزة الثانية الساكنة ألفاً بعد الأولى المفتوحة ، وقد ينزّلون هذا الاسم منزلة المفرد فيجمعونه جمع تكسير على طواغيت ووزنه فعاليل ، وورد في الحديث : " لا تحلفوا بالطواغيت " . وفي كلام ابن المسيّب في « صحيح البخاري » : البَحيرة التي يْمُنع درّها للطواغيت .

وقد يطلق الطاغوت على عظيم أهل الشرك كالكاهن ، لأنّهم يعظّمونه لأجل أصنامهم ، كما سيأتي في قوله تعالى : { يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت } في هذه السورة [ النساء : 60 ] .

والآية تشير إلى ما وقع من بعض اليهود ، وفيهم كعب بن الأشرف ، وحيي بن أخطب ، فإنّهم بعد وقعة أحُد طمعوا أن يسعوا في استئصال المسلمين ، فخرجوا إلى مكّة ليحَالفوا المشركين على قتال المسلمين ، فنزل كعب عند أبي سفيان ، ونزل بَقيّتهم في دور قريش ، فقال لهم المشركون ( أنتم أهل كتاب ولعلّكم أن تكونوا أدنى إلى محمّد وأتباعه منكم إلينا فلا نَأمن مكركم ) فقالوا لهم ( إنّ عبادة الأصنام أرضى عند الله ممّا يدعو إليه محمد وأنتم أهدى سبيلاً ) فقال لهم المشركون ( فاسجدوا لآلهتنا حتّى نطمئنّ إليكم ) ففعلوا ، ونزلت هذه الآية إعلاماً من الله لرسوله بما بيتّه اليهود وأهل مكة .

واللام في قوله { للذين كفروا } لام العلّة ، أي يقولون لأجل الذين كفروا وليس لامَ تعدية فعل القول ، وأريد بهم مشركو مكة وذلك اصطلاح القرآن في إطلاق صفة الكفر أنّه الشرك ، والإشارة بقوله : { هؤلاء أهدى } إلى الذين كفروا ، وهو حكاية للقول بمعناه ، لأنّهم إنّما قالوا : « أنتم أهدى من محمّد وأصحابه » ، أو قال بعض اليهود لبعض في شأن أهل مكة { هؤلاء أهدى } ، أي حين تناجوا وزوّروا ما سيقولونه ، وكذلك قوله { من الذين آمنوا } حكاية لقولهم بالمعنى نداء على غلطهم ، لأنّهم إنّما قالوا : « هؤلاء أهدى من محمّد وأتباعه » وإذ كان محمد وأتباعه مؤمنين فقد لزم من قولهم : إنّ المشركين أهدى من المؤمنين . وهذا محلّ التعجيب .