الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبٗا مِّنَ ٱلۡكِتَٰبِ يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡجِبۡتِ وَٱلطَّـٰغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَـٰٓؤُلَآءِ أَهۡدَىٰ مِنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ سَبِيلًا} (51)

قوله تعالى : " ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب " يعني اليهود " يؤمنون بالجبت والطاغوت " اختلف أهل التأويل في تأويل الجبت والطاغوت ؛ فقال ابن عباس وابن جبير وأبو العالية : الجبت الساحر بلسان الحبشة ، والطاغوت الكاهن . وقال الفاروق عمر رضي الله عنه : الجبت السحر والطاغوت الشيطان . ابن مسعود : الجبت والطاغوت ههنا كعب بن الأشرف وحيي بن أخطب . عكرمة : الجبت حيي بن أخطب والطاغوت كعب بن الأشرف ، دليله قوله تعالى : " يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت " [ النساء :60 ] . قتادة : الجبت الشيطان والطاغوت الكاهن . وروى ابن وهب عن مالك بن أنس : الطاغوت ما عبد من دون الله . قال : وسمعت من يقول إن الجبت الشيطان ؛ ذكره النحاس . وقيل : هما{[4554]} كل معبود من دون الله ، أو مطاع في معصية الله ، وهذا حسن . وأصل الجبت الجبس وهو الذي لا خير فيه ، فأبدلت التاء من السين . قاله قطرب . وقيل : الجبت إبليس والطاغوت أولياؤه . وقول مالك في هذا الباب حسن ، يدل عليه قوله تعالى : " أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت{[4555]} " [ النحل : 36 ] وقال تعالى : " والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها{[4556]} " [ الزمر : 17 ] . وروى قطن{[4557]} بن المخارق عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الطرق والطيرة والعيافة من الجبت ) . الطرق الزجر ، والعيافة الخط{[4558]} ؛ خرجه أبو داود في سننه . وقيل : الجبت كل ما حرم الله ، الطاغوت كل ما يطغي الإنسان . والله أعلم .

قوله تعالى : " ويقولون للذين كفروا " أي يقول اليهود لكفار قريش أنتم أهدى سبيلا من الذين آمنوا بمحمد . وذلك أن كعب بن الأشرف خرج في سبعين راكبا من اليهود إلى مكة بعد وقعة أحد ليحالفوا قريشا على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزل كعب على أبي سفيان فأحسن مثواه ، ونزلت اليهود في دور قريش فتعاقدوا وتعاهدوا ليجتمعن على قتال محمد ، فقال أبو سفيان : إنك امرؤ تقرأ الكتاب وتعلم ، ونحن أميون لا نعلم ، فأينا أهدى سبيلا وأقرب إلى الحق . نحن أم محمد ؟ فقال كعب : أنتم والله أهدى سبيلا مما عليه محمد .


[4554]:في ج: هو.
[4555]:راجع ج 10 ص 103.
[4556]:راجع ج 15 ص 243.
[4557]:قطن بن قبيصة الخ- التهذيب.
[4558]:في سنن أبي داود: "قال عوف: العيافة زجر الطير والطرق الخط يخط في الأرض". والذي في اللسان: "الطرق الضرب بالحصى: وقيل: هو الخط في الرمل. والطيرة: بوزن العنبة وقد تسكن الياء، وهو ما يتشاءم به من الفأل الردىء. والعيافة: زجر الطير والتفاؤل بأسمائها وأصواتها وممرها وهو من عادة العرب كثيرا".