الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبٗا مِّنَ ٱلۡكِتَٰبِ يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡجِبۡتِ وَٱلطَّـٰغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَـٰٓؤُلَآءِ أَهۡدَىٰ مِنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ سَبِيلًا} (51)

أخرج الطبراني والبيهقي في الدلائل من طريق عكرمة عن ابن عباس قال : " قدم حيي بن أخطب ، وكعب بن الأشرف ، مكة على قريش فحالفوهم على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا لهم : أنتم أهل العلم القديم وأهل الكتاب ، فأخبرونا عنا وعن محمد قالوا : ما أنتم وما محمد ؟ قالوا : ننحر الكوماء ، ونسقي اللبن على الماء ، ونفك العناة ، ونسقي الحجيج ، ونصل الأرحام . قالوا : فما محمد ؟ قالوا صنبور قطع أرحامنا ، واتبعه سراق الحجيج بنو غفار . قالوا : لا بل أنتم خير منهم وأهدى سبيلا . فأنزل الله { ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت . . . } إلى آخر الآية " .

وأخرجه سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة . مرسلا .

وأخرج أحمد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : لما قدم كعب بن الأشرف مكة قالت له قريش : أنت خير أهل المدينة وسيدهم ؟ قال : نعم . قالوا : ألا ترى إلى هذا المنصبر المنبتر من قومه ، يزعم أنه خير منا ونحن أهل الحجيج ، وأهل السدانة ، وأهل السقاية ! قال : أنتم خير منه . فأنزلت ( إن شانئك هو الأبتر ) ( الكوثر الآية 3 ) وأنزلت { ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت } إلى قوله { نصيرا } .

واخرج عبد الرزاق وابن جرير عن عكرمة . أن كعب بن الأشرف انطلق إلى المشركين من كفار قريش ، فاستجاشهم على النبي صلى الله عليه وسلم ، وأمرهم أن يغزو وقال : إنا معكم نقاتله . فقالوا : إنكم أهل كتاب وهو صاحب كتاب ، ولا نأمن أن يكون هذا مكرا منكم ، فإن أردت أن نخرج معك فاسجد لهذين الصنمين وآمن بهما ففعل . ثم قالوا : نحن أهدى أم محمد ، فنحن ننحر الكوماء ، ونسقي اللبن على الماء ، ونصل الرحم ، ونقري الضيف ، ونطوف بهذا البيت ، ومحمد قطع رحمه وخرج من بلده . قال : بل أنتم خير وأهدى . فنزلت فيه { ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت . . . } الآية .

وأخرج ابن جرير عن مجاهد في الآية قال : أنزلت في كعب بن الأشرف قال : كفار قريش أهدى من محمد عليه السلام .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن السدي عن أبي مالك قال : " لما كان من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم واليهود من النضير ما كان ، حين أتاهم يستعينهم في دية العامريين فهموا به وبأصحابه ، فاطلع الله رسوله على ما هموا به من ذلك ، ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، هرب كعب بن الأشرف حتى أتى مكة ، فعاهدهم على محمد فقال له أبو سفيان : يا أبا سعيد إنكم قوم تقرأون الكتاب وتعلمون ونحن قوم لا نعلم ، فأخبرنا ديننا خير أم دين محمد ؟ قال كعب : اعرضوا علي دينكم . فقال أبو سفيان : نحن قوم ننحر الكوماء ، ونسقي الحجيج الماء ، ونقرئ الضيف ، ونحمي بيت ربنا ، ونعبد آلهتنا التي كان يعبد أباؤنا ، ومحمد يأمرنا أن نترك هذا ونتبعه . قال : دينكم خير من دين محمد فاثبتوا عليه ، ألا ترون أن محمدا يزعم أنه بعث بالتواضع وهو ينكح من النساء ما شاء ، وما نعلم ملكا أعظم من ملك النساء . فذلك حين يقول { لم تر إلى الذين أوتوا نصيبا . . . } الآية " .

وأخرج ابن إسحاق وابن جرير عن ابن عباس قال : كان الذين حزبوا الأحزاب من قريش وغطفان وبني قريظة حيي بن أخطب ، وسلام بن أبي الحقيق ، وأبو رافع ، والربيع بن أبي الحقيق ، وعمارة ، ووحوح بن عارم ، وهودة بن قيس . فأما وحوح بن عامر وهودة فمن بني وائل ، وكان سائرهم من بني النضير ، فلما قدموا على قريش قالوا : هؤلاء أحبار يهود ، وأهل العلم بالكتاب الأول ، فاسألوهم أدينكم خير أم دين محمد ؟ فسألوهم فقالوا : بل دينكم خير من دينه ، وأنتم أهدى منه وممن اتبعه . فأنزل الله فيهم { ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب } إلى قوله { ملكا عظيما } .

وأخرج البيهقي في الدلائل وابن عساكر في تاريخه ، عن جابر بن عبد الله قال : لما كان من أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم ما كان ، اعتزل كعب بن الأشرف ولحق بمكة وكان بها ، وقال : لا أعين عليه ، ولا أقاتله . فقيل له بمكة : يا كعب أديننا خير أم دين محمد وأصحابه ؟ قال : دينكم خير وأقدم ، ودين محمد حديث . فنزلت فيه { ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب . . . } الآية .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال : ذكر لنا أن هذه الآية أنزلت في كعب بن الأشرف ، وحيي بن أخطب ، رجلين من اليهود من بني النضير ، أتيا قريشا بالموسم فقال لهم المشركون : أنحن أهدى أم محمد وأصحابه ، فإنا أهل السدانة ، والسقاية ، وأهل الحرم ؟ فقالا : بل أنتم أهدى من محمد وأصحابه ، وهما يعلمان أنهما كاذبان إنما حملهما على ذلك حسد محمد وأصحابه .

وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن عكرمة قال : الجبت والطاغوت : صنمان .

وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ورستة في الأيمان عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : الجبت الساحر ، والطاغوت الشيطان .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير من طرق عن مجاهد . مثله .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : الجبت حيي بن أخطب ، والطاغوت كعب بن الأشرف .

وأخرج ابن جرير عن الضحاك . مثله .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : الجبت الأصنام ، والطاغوت الذي يكون بين يدي الأصنام ، يعبرون عنها الكذب ليضلوا الناس .

وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : الجبت اسم الشيطان بالحبشية ، والطاغوت كهان العرب .

وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة قال : الجبت الشيطان بلسان الحبش ، والطاغوت الكاهن .

وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير قال : الجبت الساحر بلسان الحبشة ، والطاغوت الكاهن .

وأخرج عن أبي العالية قال : الطاغوت الساحر ، والجبت الكاهن .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال : كنا نحدث أن الجبت شيطان ، والطاغوت الكاهن .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق ليث عن مجاهد قال : الجبت كعب بن الأشرف ، والطاغوت الشيطان كان في صورة إنسان .

واخرج عبد الرزاق وأحمد وعبد بن حميد وأبو داود والنسائي وابن أبي حاتم عن قبيصة بن مخارق . أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " إن العيافة والطرق والطيرة من الجبت " .

وأخرج رستة في الإيمان عن مجاهد في قوله { ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا } قال : اليهود تقول ذاك ، يقولون : قريش أهدى من محمد وأصحابه .