الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبٗا مِّنَ ٱلۡكِتَٰبِ يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡجِبۡتِ وَٱلطَّـٰغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَـٰٓؤُلَآءِ أَهۡدَىٰ مِنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ سَبِيلًا} (51)

قوله : ( اَلَمْ تَرَ إِلَى الذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِّنَ الْكِتَابِ ) الآية [ 51 ] .

معناها : ألم تر يا محمد بقلبك إلى الذين اعطوا حظاً من الكتاب يعني : علماء بني إسرائيل أعطوا في كتابهم أمر النبي صلى الله عليه وسلم وصفته فكتموه .

قال عكرمة : الجبت والطاغوت صنمان كان المشركون يعبدونهما( {[12643]} ) . وقال ابن عباس : الأصنام هي الجبت والطاغوت الذين يعبرون( {[12644]} ) عنها الكذب ليضلوا الناس( {[12645]} ) .

وروي عن عمر رضي الله عنه وأرضاه أنه قال : الجبت الساحر والطاغوت الشيطان( {[12646]} ) .

وقال ابن جبير : الجبث بلسان الحبشة الساحر ، والطاغوت الكاهن ، وكذلك قال أبو العالية( {[12647]} ) . وقال قتادة : الجبت الشيطان والطاغوت الكاهن ، وكذلك قال السدي( {[12648]} ) . وعن ابن جبير أيضاً : الجبت الكاهن والطاغوت الشيطان( {[12649]} ) .

وعن ابن عباس : الجبت حيي بن أخطب ، والطاغوت كعب بن الأشرف ، وهما رئيسان من رؤساء اليهود ، وكذلك قال الضحاك( {[12650]} ) والفراء( {[12651]} ) .

والجبت والطاغوت عند أهل اللغة( {[12652]} ) كل ما عبد من دون الله [ عز وجل ، وروي عن ابن وهب عن مالك أنه قال : الطاغوت ما عبد من دون الله( {[12653]} ) ] سبحانه ، قال الله عز وجل : اَجْتَنَبُوا( {[12654]} ) الطَّاغُوتَ أَنْ يَّعْبُدُوهَا ) [ الزمر : 16 ] ، قال : فقلت لمالك : وما الجبت قال : سمعت من يقول : هو الشيطان .

قال قطرب : الجبت أصله عند العرب الجبس ، وهو الثقيل( {[12655]} ) الذي لا خير فيه ولا عنده ، فأبدلت التاء عن السين ، وهي لغة رديئة لا يجب أن يحمل القرآن عليها( {[12656]} ) .

وعن عمر : أن الجبت السحر ، والطاغوت الشيطان( {[12657]} ) .

وقوله : ( وَيَقُولُونَ لِلذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاَءِ أَهْدَى مِنَ الذِينَ ءَامَنُوا سَبِيلاً ) أي : يقول اليهود لبعض الكفار ، هؤلاء أصحابكم أهدى من المؤمنين بالله ورسوله طريقاً ، يغبطونهم بتكذيب محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به ، وذكر أن ذلك من قول كعب بن الأشرف( {[12658]} ) .

وقال ابن عباس : لما قدم كعب بن الأشرف مكة قالت له قريش : أنت خير أهل المدينة وسيدهم ، قال : نعم ، قالوا : ألا ترى هذا الصنبور( {[12659]} ) المنبتر( {[12660]} ) من قومه يزعم أنه خير منا ونحن أهل الحجيج ، وأهل السدانة ، وأهل السقاية ، قال : أنتم خير منه ، فأنزل الله ( اِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الاَبْتَرُ )( {[12661]} ) وأنزل ( اَلَمْ تَرَ إِلَى الذِينَ أُوتُوا . . . ) الآية( {[12662]} ) .

قال عكرمة : انطلق كعب بن الأشرف إلى المشركين من كفار قريش فاستجاشهم( {[12663]} ) على النبي صلى الله عليه وسلم وأمرهم أن يغزوه ، وقال : أنا معكم نقاتله فقالوا : أنتم أهل كتاب ، وهو صاحب كتاب ، ولا نأمن أن يكون هذا مكر منكم ، فإن أردت أن نخرج معك ، فاسجد لهذين الصنمين وآمن بهما ، ففعل ، وقال : أنتم خير من محمد( {[12664]} ) ، فأنزل الله عز وجل ( اَلَمْ تَرَ إِلَى الذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِّنَ الْكِتَابِ ) الآية .

فالجبت والطاغوت على هذا الخبر هما الصنمان . قال ابن زيد : فاعل ذلك حيي بن أخطب( {[12665]} ) . وقيل : هو كعب ، وحيي ورجلان من اليهود من بني النضير لقوا قريشاً( {[12666]} ) بالموسم ، فقال لهم المشركون : أنحن أهدى أم محمد وأصحابه ؟ إن أهل السقاية والسدانة وأهل الحرم ، فقال( {[12667]} ) له : لا أنتم أهدى من محمد وأصحابه ، وهم يعلمون أنهم كاذبون حملهم على ذلك الحسد ، فأنزل الله عز وجل ( اَلَمْ تَرَ ) ، الآية( {[12668]} ) .


[12643]:- انظر: جامع البيان 6/31.
[12644]:- (د): يعبدون وهو تحريف.
[12645]:- انظر: جامع البيان 5/132.
[12646]:- انظر: المصدر السابق.
[12647]:- انظر: المصدر السابق.
[12648]:- انظر: جامع البيان 5/132.
[12649]:- انظر: المصدر السابق.
[12650]:- انظر: المصدر السابق.
[12651]:- انظر: معاني الفراء 1/235.
[12652]:- انظر: مجاز القرآن 1/129.
[12653]:- ساقط من (أ) (ج).
[12654]:- (ج) (د): واجتنبوا وهو خطأ.
[12655]:- (ج): الثقيل الثقيل.
[12656]:- انظر: اللسان جبث 2/21.
[12657]:- عزاه الطبري لابن زيد. انظر: جامع البيان 5/131.
[12658]:- انظر: معاني الزجاج 2/61، وإعراب النحاس 1/424.
[12659]:- يقال رجل صنبور أي: فرد ضعيف لا أهل له ولا عقب، وكان كفار قريش يقولون في محمد صلى الله عليه وسلم: محمد صنبور: يقصدون أنه إذا مات انقطع ذكره لأنه لا عقب له. انظر: اللسان 4/469.
[12660]:- المنبتر أو الأبتر هو الذي لا عقب له، والبتر هو استئصال الشيء. انظر: اللسان (بتر) 4/37.
[12661]:- الكوثر آية 3.
[12662]:- انظر: جامع البيان 5/133 والدر المنثور 2/562.
[12663]:- (د): استجـ...ر... على. ويقال استجاش الرجل قومه: طلب منهم أن يكونوا جيشاً له. انظر: اللسان جيش 5/134.
[12664]:- قوله: أنتم خير من محمد هو جواب عن سؤال حذفه مكي وذكره الطبري في جامع البيان 5/34.
[12665]:- انظر: المصدر السابق.
[12666]:- (ج): قريش وهو خطأ.
[12667]:- كذا... وصوابه فقالوا.
[12668]:- انظر: جامع البيان 5/133، والدر المنثور 2/563.