فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبٗا مِّنَ ٱلۡكِتَٰبِ يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡجِبۡتِ وَٱلطَّـٰغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَـٰٓؤُلَآءِ أَهۡدَىٰ مِنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ سَبِيلًا} (51)

{ ألم تر } تعجيب من حالهم بعد التعجيب الأول { إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب } هم اليهود { يؤمنون بالجبت والطاغوت } اختلف المفسرون في معنى الجبت والطاغوت فقال ابن عباس وابن جبير وأبو العالية الجبت الساحر بلسان الحبشة والطاغوت الكاهن ، وروي عن عمر ابن الخطاب أن الجبت السحر والطاغوت الشيطان .

وروي عن ابن مسعود أن الجبت والطاغوت هنا كعب بن الأشرف ، وقال قتادة الجبت الشيطان والطاغوت الكاهن ، وروي عن مالك أن الطاغوت ما عبد من دون الله ، والجبت الشيطان ، وقيل هما كل معبود من دون الله أو مطاع في معصية الله ، وقيل هما صنمان كانا لقريش وهما اللذان سجد اليهود لهما لمرضاة قريش .

وأصل الجبت الجبس وهو الذي لا خير فيه فأبدلت التاء من السين قاله قطرب ، وقيل إبليس والطاغوت أولياؤه ، وعن قطن بن قبيصة عن أبيه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( العيافة والطيرة والطرق من الجبت ) أخرجه أبو داود{[487]} ، وقال الطرق الزجر والعيافة الخط .

وقيل العيافة هي زجر الطير ، والطرق هو ضرب الحجارة والحصى على طريق الكهانة ، والطيرة هو أنه يتطير بالشيء فيرى الشؤم فيه والشر منه ، وقيل هو من التطير وهو زجر الطير ، والخط هو ضرب الرمل لاستخراج الضمير .

{ ويقولون } أي اليهود { للذين كفروا } كأبي سفيان وأصحابه ، واللام للتبليغ أو للعلة كنظائرها { هؤلاء } أي أنتم { أهدى من الذين آمنوا } بمحمد { سبيلا } أي أقوم دينا وأرشد طريقا .


[487]:وروى ابن جرير8/466 عن ابن عباس، قال: لما قدم كعب بن الأشرف مكة، قالت له قريش: أنت خير أهل المدينة وسيدهم؟ قال: نعم. قالوا: ألا ترى إلى هذا الصنبور المنبتر من قومه، يزعم أنه خير منا، ونحن أهل الحجيج، وأهل السدانة، وأهل السياقة؟ قال: أنتم خير منه. قال: فأنزلت: {إن شانئك هو الأبتر} (الكوثر: 3) وأنزلت {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت} إلى قوله: {فلن تجد نصيرا} وإسناده صحيح. وزاد السيوطي نسبته في "الدر" 2/171 لأحمد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم. وقولهم: "ألم تر إلى هذا الصنبور الأبتر" في "النهاية" الصنبور: سعفات تنبت في جذع النخلة، لا في الأرض، ثم قالوا: للرجل الفرد الضعيف الذليل الذي لا أهل له ولا عقب ولا ناصر "صنبور".