المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{قُلۡ إِن كَانَتۡ لَكُمُ ٱلدَّارُ ٱلۡأٓخِرَةُ عِندَ ٱللَّهِ خَالِصَةٗ مِّن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ ٱلۡمَوۡتَ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (94)

94- ولقد زعمتم أن الله سيخصكم من بين سائر الناس بنعيم الجنة بعد الممات ، فإن كنتم مؤمنين حقاً بما تقولون فليكن الموت محبباً إليكم ، ولتتمنوه حتى لا يبطئ عنكم هذا النعيم الذي تدَّعون .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قُلۡ إِن كَانَتۡ لَكُمُ ٱلدَّارُ ٱلۡأٓخِرَةُ عِندَ ٱللَّهِ خَالِصَةٗ مِّن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ ٱلۡمَوۡتَ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (94)

{ قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ * وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ }

أي : { قُلْ } لهم على وجه تصحيح دعواهم : { إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ } يعني الجنة { خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ } كما زعمتم ، أنه لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى ، وأن النار لن تمسهم إلا أياما معدودة ، فإن كنتم صادقين بهذه الدعوى { فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ } وهذا نوع مباهلة بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وليس بعد هذا الإلجاء والمضايقة لهم بعد العناد منهم ، إلا أحد أمرين : إما أن يؤمنوا بالله ورسوله ، وإما أن يباهلوا على ما هم عليه بأمر يسير عليهم ، وهو تمني الموت الذي يوصلهم إلى الدار التي هي خالصة لهم ، فامتنعوا من ذلك .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قُلۡ إِن كَانَتۡ لَكُمُ ٱلدَّارُ ٱلۡأٓخِرَةُ عِندَ ٱللَّهِ خَالِصَةٗ مِّن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ ٱلۡمَوۡتَ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (94)

{ قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآَخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ }( 94 )

وقوله تعالى : { قل إن كانت لكم الدار الآخرة } الآية أمر لمحمد صلى الله عليه وسلم أن يوبخهم ، والمعنى : إن كان لكم نعيمها وحظوتها وخيرها فذلك يقتضي حرصكم على الوصول إليها { فتمنوا الموت } ، { الدار } اسم { كانت } ، و { خالصة } خبرها ، ويجوز أن يكون نصب { خالصة } على الحال ، و { عند الله } خبر كان( {[964]} ) ، و { من دون الناس } : يحتمل أن يراد ب { الناس } محمد صلى الله عليه وسلم ومن تبعه ، ويحتمل أن يراد العموم التام( {[965]} ) وهو قول اليهود فيما حفظ عنهم ، وقرأ ابن أبي إسحاق بكسر الواو من «تمنوا » للالتقاء( {[966]} ) ، وحكى الأهوازي عن أبي عمرو أنه قرأ «تمنوا الموت » بفتح الواو( {[967]} ) ، وحكي عن غيره اختلاس الحركة في الرفع ، وقراءة الجماعة بضم الواو . وهذه آية بينة أعطاها الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم لأن اليهود قالت : نحن أبناء الله وأحباؤه( {[968]} ) ، وشبه ذلك من القول ، فأمر الله نبيه أن يدعوهم إلى تمني الموت ، وأن يعلمهم أنه من تمناه منهم مات ، ففعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ، فعلم اليهود صدقه ، فأحجموا عن تمنيه ، فرقاً من الله لقبح أعمالهم ومعرفتهم بكذبهم في قولهم : نحن أبناء الله وأحباؤه ، وحرصاً منهم على الحياة . ( {[969]} )

وقيل إن الله تعالى منعهم من التمني وقصرهم على الإمساك عنه ، لتظهر الآية لنبيه صلى الله عليه وسلم( {[970]} ) .

والمراد بقوله «تمنوا » أريدوه بقلوبكم واسألوه ، هذا قول جماعة من المفسرين ، وقال ابن عباس : المراد فيه السؤال فقط وإن لم يكن بالقلب( {[971]} ) ، وقال أيضاً هو وغيره : إنما أمروا بالدعاء بالموت على أردأ الحزبين من المؤمنين أو منهم( {[972]} ) ، وذكر المهدوي وغيره أن هذه الآية كانت مدة حياة النبي صلى الله عليه وسلم وارتفعت بموته( {[973]} ) . والصحيح أن هذه النازلة من موت من تمنى الموت إنما كانت أياماً كثيرة عند نزول الآية ، وهي بمنزلة دعائه النصارى من أهل نجران إلى المباهلة ، وقالت فرقة : إن سبب هذا الدعاء إلى تمني الموت أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد به هلاك الفريق المكذب أو قطع حجتهم ، لا أن علته قولهم نحن أبناء الله . ( {[974]} )


[964]:- الظاهر أن الخبر- على نصبها على الحال- (عند)، والظرف لا يستقل معنى الكلام به وحده.
[965]:- ينافيه قولهم في الآية الأخرى: [وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى].
[966]:- تشبيها لها بواو [لو استطعنا].
[967]:- تخفيفا لأن الكسر والضم يثقلان مع الواو.
[968]:- من الآية (18) من سورة (المائدة).
[969]:- أخرج البيهقي في الدلائل، من رواية الكلبي، عن أي صالح، عن ابن عباس رضي الله عنهنما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لليهود: (إن كنتم صادقين فقولوا: اللهم أمتنا، فو الذي نفسي بيده لا يقولها رجل منكم إلا غص بريقه ومات مكانه)، فأنزل الله قوله: [ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم].
[970]:- هذا هو الوجه الثالث في تركهم للتمني، والأول أنهم تركوه خوفا من الموت لأنهم لو تمنوه لماتوا، كما روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم. والثاني أنهم تركوه خوفا من الله تعالى لكفرهم وقبح أعمالهم، والأوجه الثلاثة أشار إليها المؤلف رحمه الله. وهذه الآية التي أعطيها صلى الله عليه وسلم بالنسبة إلى اليهود مثل آية المباهلة التي أعطيها صلى الله عليه وسلم بالنسبة إلى النصارى.
[971]:- المراد بالتمني هنا: التلفظ بما يدل عليه، لا مجرد خطوره بالقلب، وميل النفس إليه، فإن ذلك لا يليق في مقام المحاجة والتحدي، لأنه من ضمائر القلوب، فقوله تعالى: [فتمنوا الموت] معناه: فاسألوه بألسنتكم سواء كانت معه قلوبكم أم لا. والمراد بتمنيهم الموت هنا إلزامهم الحجة، وإقامة البرهان على بطلان أباطيلهم، فلا منافاة بين ما هنا وبين النهي عن تمني الموت.
[972]:- أي على أي الفريقين أردى وأكذب، وهذا أبلغ في إقامة الحجة، وأسلم من المعارضة.
[973]:- أكانت هذه المعجزة- وهي موت من تمنى الموت من اليهود- طيلة حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ولم ترتفع إلا بعد موته، أم كانت أياما كثيرة عند نزول الآية الكريمة، لا طول حياة النبي صلى الله عليه وسلم؟ الصحيح القول الثاني كما قال المؤلف. وما قاله المهدوي، وابن عطية، رحمهما الله تعالى خلاف ظاهر القرآن، فإن قوله: (ولن يتمنوه أبدا) ظاهر في استغراق مدة أعمارهم، والله أعلم.
[974]:- هو كذلك، ويشير ابن عطية رحمه الله- بما نقله عن هذه الفرقة، وبما نقله عن ابن عباس وغيره في تفسير الآية الكريمة من أنهم إنما أمروا بالدعاء بالموت على أردى الحزبين من المؤمنين أو منهم، وبقوله سابقا: وهي –أي هذه الآية- بمنزلة دعائه النصارى من أهل نجران إلى المباهلة- يشير بذلك كله إلى ما ترجح عنده في تفسير الآية، وهو الدعاء على الفريقين أكذب –منهم أو من المسلمين- على وجه المباهلة العادلة الفاصلة، وهذا ما حققه الحافظ ابن (ك) رحمه الله في تفسيره. وأما على التأويل الآخر فإنه لا يظهر الحجة عليهم إذ لا يلزم من كونهم يعتقدون أنهم صادقون في دعواهم أنهم يتمنون الموت، فإنه لا ملازمة بين وجود الصدق والصلاح وبين تمني الموت، وكم من صالح لا يتمنى الموت، بل يود أن يعمر ليزداد خيره، وترتفع درجته، كما ورد في الحديث: (خيركم من طال عمره وحسن عمله). وعلى ما فسر ابن عباس رضي الله عنهما فإنه لا يلزم عليه شيء من ذلك، بل قيل لهم كلام حق: إن كنتم تعتقدون أنكم أولياء الله من دون الناس، وأنكم أبناء الله وأحباؤه وأنكم من أهل الجنة، ومن عداكم من أهل النار فباهلوا على ذلك، وادعوا على الكاذبين منكم أو من غيركم بالموت، واعلموا أن المباهلة تستأصل الكاذب لا محالة، وسميت مباهلة اليهود بتمني الموت لأن كل محق يتمنى لو أهلك الله المبطل- وكانت بالموت لأن الحياة عزيزة وعظيمة لما يعلمون من سوء المآل بعد الموت، وفي كلام بعض أئمة التفسير اضطراب وخلط وتلفيق. والله أعلى وأعلم.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قُلۡ إِن كَانَتۡ لَكُمُ ٱلدَّارُ ٱلۡأٓخِرَةُ عِندَ ٱللَّهِ خَالِصَةٗ مِّن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ ٱلۡمَوۡتَ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (94)

إبطال لدعوى قارة في نفوسهم اقتضاها قولهم : { نؤمن بما أنزل علينا } [ البقرة : 91 ] الذي أرادوا به الاعتذار عن إعراضهم عن دعوة محمد صلى الله عليه وسلم بعذر أنهم متصلبون في التمسك بالتوراة لا يعدونها وأنهم بذلك استحقوا محبة الله إياهم وتكون الآخرة لهم فلما أبطلت دعوى إيمانهم بما أنزل عليهم بإلزامهم الكذب في دعواهم بسند ما أتاه سلفهم وهم جدودهم من الفظائع مع أنبيائهم والخروج عن أوامر التوراة بالإشراك بالله تعالى بعبادة العجل ، عقب ذلك بإبطال ما في عقائدهم من أنهم أهل الانفراد برحمة الله ما داموا متمسكين بالتوراة وأن من خالفها لا يكون له حظ في الآخرة ، وارتكب في إبطال اعتقادهم هذا طريقة الإحالة على ما عقدوا عليه اعتقادهم من الثقة بحسن المصير أو على شكهم في ذلك فإذا ثبت لديهم شكهم في ذلك علموا أن إيمانهم بالتوراة غير ثابت على حقه وذلك أشد ما يفت في أعضادهم ويسقط في أيديهم لأن ترقب الحظ الأخروي أهم ما يتعلق به المعتقد المتدين فإن تلك هي الحياة الدائمة والنعيم المقيم .

وقد قيل : إن هذه الآية رد لدعوى أخرى صدرت من اليهود تدل على أنهم يجعلون الجنة خاصة بهم مثل قولهم نحن { أبناء الله وأحباؤه } [ المائدة : 18 ] وقولهم { لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً } [ البقرة : 111 ] ، وإلى هذا مال القرطبي والبيضاوي ، وعليه فيكون ذكر الرد عليهم بينا لمجرد المناسبة في رد معتقد لهم باطل أيضاً لا في خصوص الغرض المسوق فيه الآيات المتقدمة بناءً على أن الآيات لا يلزم أن تكون متناسبة تمام المناسبة ، ونحن لا نساعد على ذلك فعلى هذا الوجه تكون هاته الآية هنا نزلت مع سوابقها للرد على أقوالهم المتفرقة المحكية في آيات أخرى وإنما اتصلت مع الآيات الراجعة إلى رد دعواهم الإيمان بما أنزل عليهم للمناسبة بجمع رد جميع دعاويهم ولكن فيما ذكرناه غنية . وأيّاً ما كان فهذه الآية تحدت اليهود كما تحدى القرآن مشركي العرب بقوله : { فأتوا بسورة من مثله } [ البقرة : 23 ] . وإنما فصلت هاته الجملة عما قبلها لاختلاف السياق لأن هذه الآية إلقاء حجة عليهم والآيات السابقة تفظيع لأحوالهم وإن كان في كل من ذلك احتجاج لكن الانتقال من أسلوب إلى أسلوب كان محسناً للفصل دون العطف لا سيما مع افتتاح الاحتجاج بقل .

والكلام في { لكم } مشعر بأن المراد من الدار الآخرة نعيمها و { لكم } خبر { كانت } قدم للحصر بناء على اعتقادهم كتقديمه في قول الكميت يمدح هشاماً بن عبد الملك حين عفا عنه من قصيدة :

لكم مسجداً الله المزوران والحصى *** لكم قبضة من بين أثرى وأقترا

و { عند الله } ظرف متعلق بكانت والعندية عندية تشريف وادخار أي مدخرة لكم عند الله وفي ذلك إيذان بأن الدار الآخرة مراد بها الجنة .

وانتصب { خالصة } على الحال من اسم ( كان ) ولا وجه لتوقف بعض النحاة في مجيء الحال من اسم ( كان ) . ومعنى الخالصة السالمة من مشاركة غيركم لكم فيها فهو يؤول إلى معنى خاصة بكم .

وقوله : { من دون الناس } دون في الأصل ظرف للمكان الأقرب من مكان آخر غير متصرف وهو مجاز في المفارقة فلذلك تدل على تخالف الأوصاف أو الأحوال ، تقول هذا لك دون زيد أي لاحق لزيد فيه فقوله : { من دون الناس } توكيد لمعنى الاختصاص المستفاد من تقديم الخبر ومن قوله : { خالصة } لدفع احتمال أن يكون المراد من الخلوص الصفاء من المشارك في درجاتهم مع كونه له حظ من النعيم . والمراد من الناس جميع الناس فاللام فيه للاستغراق لأنهم قالوا : { لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً } [ البقرة : 111 ] .

وقوله : { فتمنوا الموت } جواب الشرط ووجه الملازمة بين الشرط وهو أن الدار الآخرة لهم وجزائه وهو تمني الموت أن الدار الآخرة لا يخلص أحد إليها إلا بالروح حين تفارق جسده ومفارقة الروح الجسد هو الموت فإذا كان الموت هو سبب مصيرهم إلى الخيرات كان الشأن أن يتمنوا حلوله كما كان شأن أصحاب النبيء صلى الله عليه وسلم كما قال عمير بن الحمام رضي الله عنه :

جرياً إلى الله بغير زاد *** إلا التقى وعملَ المعاد

وارتجز جعفر بن أبي طالب يوم غزوة مؤتة حين اقتحم على المشركين بقوله :

يا حبذا الجنةُ واقترابُها *** طيبة وبارد شرابها

وقال عبد الله بن رواحة عند خروجه إلى غزوة مؤتة ودعا المسلمون له ولمن معه أن يردهم الله سالمين :

لكني أسأل الرحمان مغفـــرةً *** وضربةً ذات فرغ تقذف الزبدا

أو طعنةً من يدي حران مُجهِزة *** بحربة تُنفِذُ الأحشاءَ والكبِــدا

حتى يقولوا إذا مروا على جدثي *** أرشدك الله من غاز وقد رشدا