التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{قُلۡ إِن كَانَتۡ لَكُمُ ٱلدَّارُ ٱلۡأٓخِرَةُ عِندَ ٱللَّهِ خَالِصَةٗ مِّن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ ٱلۡمَوۡتَ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (94)

وقوله : { قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين } تلك صورة من صور التحدي يأمر الله نبيه عليه السلام بطرحها أمام يهود . غير أنهم خسئوا ونكصوا أمام هذا التحدي القائم الصارخ كان ذلك بعد أن زعمت يهود في ضلالة واغترار بأنهم خير الأمم ، وأنهم غير معذبين في النار سوى أيام معدودات ، وأنهم وحدهم يستأهلون الجنة وليس لأحد غيرهم أن يشاركهم فيها . وفي مثل هذا الزيف من القول يتحداهم الله أن يتمنوا الموت ، ذلك أن الذي يكون متوثقا من دخول الجنة والسلامة من عذاب النار لا جرم أن يتمنى الموت ، فيبرح هذه الحياة الحافلة بالكد والنصب ؛ ليلج الدار الباقية المستديمة حيث الهناء والأمن والسعادة ، وهو تحد لا جرم أن يكون واضحا مكشوفا لا تعتريه مواربة ولا يجلله غموض . وخلاصته أن من أيقن أنه من أهل الجنة فهو يظل مشدودا إليها راغبا في الابتهاج بنعيمها السرمدي الفياض ، وطريق ذلك نفاد سني العمر ، والرحيل من هذه الدنيا إلى الدار الآخرة حيث النعيم المقيم ، كذلك كان التحدي الذي لم يلق إلا قلوبا فارغة خاوية وآذانا موقورة عطلها الصمم بما يدل على كذب هؤلاء القوم وسوء قصودهم ، وأنهم ليسوا على شيء مما زعموا فقال سبحانه : { ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين }