الآية 94 وقوله تعالى : { قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين } ، وذلك أن أعداء الله تعالى كانوا يقولون : إن الجنة لنا في الآخرة بقولهم : { لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى } [ البقرة : 111 ] وقولهم{[1143]} :
{ وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا } [ البقرة : 135 ] وقولهم{[1144]} { نحن أبناء الله وأحباؤه } [ المائدة : 18 ] ، [ فقال الله تعالى { قل } لهم { إن كانت لكم الدار الآخرة } كما تزعمون ، وأنكم { أبناء الله وأحباؤه }{[1145]} كما تقولون { فتمنوا الموت إن كنتم صادقين } وذلك أن المرء لا يكره الانتقال إلى داره وإلى بستانه ، بل يتمنى ذلك . وكذلك المرء لا يكره القدوم على [ أبيه ]{[1146]} ولا على ابنه ولا على حبيبه ، ولا يخاف نقمته ولا عذابه ، بل يجد عنده الكرامات والهدايا . فإن كان كما تقولون { فتمنوا الموت } حتى تنجوا من غم الدنيا من تحمل الشدائد التي فيها { إن كنتم صادقين } في زعمكم بأن الآخرة لكم ، وأنكم { أبناء الله وأحباؤه } فإن قيل : إنكم تقولون : إن الآخرة للمؤمنين ، ثم لا أحد منهم يتمنى الموت إذا قيل له : تمن الموت ، [ فما معنى الاحتجاج ]{[1147]} عليهم بذلك ؟ وذلك على المؤمنين كهو عليهم ؛ قيل بوجهين :
أحدهما : أن المؤمنين لم يجعلوا لأنفسهم من{[1148]} الفضل والمنزلة عند الله [ ما جعل أولئك ]{[1149]} لأنفسهم ، فكان في تمنيهم صدق ما ادعوا لأنفسهم ، وفي الامتناع عن ذلك ظهور صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم .
والثاني : ما ذكرنا أنهم ادعوا أنهم { أبناء الله وأحباؤه } [ المائدة : 18 ] ، وفي تمنيهم الموت ردهم وصرفهم إلى الحبيب والأب الذي ادعوه ، ولا أحد يرغب{[1150]} عن حبيبه وأبيه ، فدل امتناعهم عن ذلك على كذبهم في دعاويهم ، وبالله نستعين .
فإن سألونا{[1151]} عن قوله : { فتمنوا الموت } [ أنهم ]{[1152]} إذا تمنوا [ أليس ]{[1153]} كان انقضاء عمرهم بدون الأجل الذي جعل لهم ؟ وفي ذلك تقديم الآجال عن الوقت الذي كان أجلا ، وقال الله تعالى : { لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون } [ الأعراف : 34و . . . ] قيل : إن علم الله منهم في سابق علمه وأزليته أنهم لا يتمنون جعل أجلهم ذلك . ولو علم منهم أنهم يتمنون الموت لكان يجعل أجلهم ذلك في الابتداء ، وكذلك هذا الجواب لما روي : " أن صلة الرحم تزيد في العمر " [ ابن عساكر 5/ 210 ]{[1154]} أنه كذلك يحتمل في الابتداء لا أن يجعل أجله إلى وقت ، ثم إذا وصل رحمه يزيد على ذلك الأجل ، أو ينقص ، يتمنى{[1155]} الموت عن الأجل المجعول المضروب له ، وبالله التوفيق .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.