تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{قُلۡ إِن كَانَتۡ لَكُمُ ٱلدَّارُ ٱلۡأٓخِرَةُ عِندَ ٱللَّهِ خَالِصَةٗ مِّن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ ٱلۡمَوۡتَ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (94)

الآية 94 وقوله تعالى : { قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين } ، وذلك أن أعداء الله تعالى كانوا يقولون : إن الجنة لنا في الآخرة بقولهم : { لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى } [ البقرة : 111 ] وقولهم{[1143]} :

{ وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا } [ البقرة : 135 ] وقولهم{[1144]} { نحن أبناء الله وأحباؤه } [ المائدة : 18 ] ، [ فقال الله تعالى { قل } لهم { إن كانت لكم الدار الآخرة } كما تزعمون ، وأنكم { أبناء الله وأحباؤه }{[1145]} كما تقولون { فتمنوا الموت إن كنتم صادقين } وذلك أن المرء لا يكره الانتقال إلى داره وإلى بستانه ، بل يتمنى ذلك . وكذلك المرء لا يكره القدوم على [ أبيه ]{[1146]} ولا على ابنه ولا على حبيبه ، ولا يخاف نقمته ولا عذابه ، بل يجد عنده الكرامات والهدايا . فإن كان كما تقولون { فتمنوا الموت } حتى تنجوا من غم الدنيا من تحمل الشدائد التي فيها { إن كنتم صادقين } في زعمكم بأن الآخرة لكم ، وأنكم { أبناء الله وأحباؤه } فإن قيل : إنكم تقولون : إن الآخرة للمؤمنين ، ثم لا أحد منهم يتمنى الموت إذا قيل له : تمن الموت ، [ فما معنى الاحتجاج ]{[1147]} عليهم بذلك ؟ وذلك على المؤمنين كهو عليهم ؛ قيل بوجهين :

أحدهما : أن المؤمنين لم يجعلوا لأنفسهم من{[1148]} الفضل والمنزلة عند الله [ ما جعل أولئك ]{[1149]} لأنفسهم ، فكان في تمنيهم صدق ما ادعوا لأنفسهم ، وفي الامتناع عن ذلك ظهور صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم .

والثاني : ما ذكرنا أنهم ادعوا أنهم { أبناء الله وأحباؤه } [ المائدة : 18 ] ، وفي تمنيهم الموت ردهم وصرفهم إلى الحبيب والأب الذي ادعوه ، ولا أحد يرغب{[1150]} عن حبيبه وأبيه ، فدل امتناعهم عن ذلك على كذبهم في دعاويهم ، وبالله نستعين .

فإن سألونا{[1151]} عن قوله : { فتمنوا الموت } [ أنهم ]{[1152]} إذا تمنوا [ أليس ]{[1153]} كان انقضاء عمرهم بدون الأجل الذي جعل لهم ؟ وفي ذلك تقديم الآجال عن الوقت الذي كان أجلا ، وقال الله تعالى : { لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون } [ الأعراف : 34و . . . ] قيل : إن علم الله منهم في سابق علمه وأزليته أنهم لا يتمنون جعل أجلهم ذلك . ولو علم منهم أنهم يتمنون الموت لكان يجعل أجلهم ذلك في الابتداء ، وكذلك هذا الجواب لما روي : " أن صلة الرحم تزيد في العمر " [ ابن عساكر 5/ 210 ]{[1154]} أنه كذلك يحتمل في الابتداء لا أن يجعل أجله إلى وقت ، ثم إذا وصل رحمه يزيد على ذلك الأجل ، أو ينقص ، يتمنى{[1155]} الموت عن الأجل المجعول المضروب له ، وبالله التوفيق .


[1143]:- في النسخ الثلاث: وكقولهم.
[1144]:- في النسخ الثلاث: وكقولهم.
[1145]:- من ط م.
[1146]:- من ط م.
[1147]:- في الأصل: فما احتاج، في ط م و ط ع: معنى الاحتجاج.
[1148]:- أدرج بعدها في الأصل: أنهم من.
[1149]:- في النسخ الثلاث: جعلوا هم.
[1150]:- أدرج في ط م بعدها: (وينفر).
[1151]:- في ط ع: سألوا.
[1152]:- من ط م.
[1153]:- من ط ع، في الأصل و ط م: ليس.
[1154]:- أدرج هذا الخبر في تفسير الآية: 67 من السورة.
[1155]:- في ط م: فيتمنى.