المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَإِذۡ قُلۡنَا ٱدۡخُلُواْ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةَ فَكُلُواْ مِنۡهَا حَيۡثُ شِئۡتُمۡ رَغَدٗا وَٱدۡخُلُواْ ٱلۡبَابَ سُجَّدٗا وَقُولُواْ حِطَّةٞ نَّغۡفِرۡ لَكُمۡ خَطَٰيَٰكُمۡۚ وَسَنَزِيدُ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (58)

58- واذكروا - يا بني إسرائيل - حين قلنا لكم : ادخلوا المدينة الكبيرة التي ذكرها لكم موسى نبيكم ، فكلوا مما فيها كما تشاءون ، كثيراً واسعاً ، على أن يكون دخولكم بخشوع وخضوع من الباب الذي سمَّاه لكم نبيكم ، واسألوا الله عند ذلك أن يغفر لكم خطاياكم ، فمن يفعل ذلك بإخلاص نغفر له خطاياه ، ومن كان محسناً مطيعاً زدناه ثواباً وتكريماً فوق العفو والمغفرة .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَإِذۡ قُلۡنَا ٱدۡخُلُواْ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةَ فَكُلُواْ مِنۡهَا حَيۡثُ شِئۡتُمۡ رَغَدٗا وَٱدۡخُلُواْ ٱلۡبَابَ سُجَّدٗا وَقُولُواْ حِطَّةٞ نَّغۡفِرۡ لَكُمۡ خَطَٰيَٰكُمۡۚ وَسَنَزِيدُ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (58)

{ وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ * فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ }

وهذا أيضا من نعمته عليهم بعد معصيتهم إياه ، فأمرهم بدخول قرية تكون لهم عزا ووطنا ومسكنا ، ويحصل لهم فيها الرزق الرغد ، وأن يكون دخولهم على وجه خاضعين لله فيه بالفعل ، وهو دخول الباب { سجدا } أي : خاضعين ذليلين ، وبالقول وهو أن يقولوا : { حِطَّةٌ } أي أن يحط عنهم خطاياهم بسؤالهم إياه مغفرته .

{ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ } بسؤالكم المغفرة ، { وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ } بأعمالهم ، أي : جزاء عاجل وآجلا .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَإِذۡ قُلۡنَا ٱدۡخُلُواْ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةَ فَكُلُواْ مِنۡهَا حَيۡثُ شِئۡتُمۡ رَغَدٗا وَٱدۡخُلُواْ ٱلۡبَابَ سُجَّدٗا وَقُولُواْ حِطَّةٞ نَّغۡفِرۡ لَكُمۡ خَطَٰيَٰكُمۡۚ وَسَنَزِيدُ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (58)

يقول تعالى لائمًا لهم على نكولهم عن الجهاد ودخول{[1839]} الأرض المقدسة ، لما قدموا من بلاد مصر صحبة موسى ، عليه السلام ، فأمروا بدخول الأرض المقدسة التي هي ميراث لهم عن أبيهم إسرائيل ، وقتال من فيها من العماليق الكفرة ، فنكلوا عن قتالهم وضعفوا واستحسروا ، فرماهم الله في التيه عقوبة لهم ، كما ذكره تعالى في سورة المائدة ؛ ولهذا كان أصح القولين أن هذه البلدة هي بيت المقدس ، كما نص على ذلك السدي ، والرّبيع بن أنس ، وقتادة ، [ وأبو مسلم الأصفهاني وغير واحد وقد قال الله تعالى : { يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ } الآيات ]{[1840]} . [ المائدة : 21 - 24 ]

وقال آخرون : هي أريحا [ ويحكى عن ابن عباس وعبد الرحمن بن زيد ]{[1841]} وهذا بعيد ؛ لأنها ليست على طريقهم ، وهو قاصدون بيت المقدس لا أريحا [ وأبعد من ذلك قول من ذهب أنها مصر ، حكاه فخر الدين في تفسيره ، والصحيح هو الأول ؛ لأنها بيت المقدس ]{[1842]} . وهذا كان لما خرجوا من التيه بعد أربعين سنة مع يوشع بن نون ، عليه السلام ، وفتحها الله عليهم عشية جمعة ، وقد حبست لهم الشمس يومئذ قليلا حتى أمكن الفتح ، وأما أريحا فقرية ليست مقصودة لبني إسرائيل ، ولما فتحوها أمروا أن يدخلوا الباب - باب البلد - { سُجَّدًا } أي : شكرًا لله تعالى على ما أنعم به عليهم من الفتح والنصر ، وردّ بلدهم{[1843]} إليهم وإنقاذهم من التيه والضلال .

قال العوفي في تفسيره ، عن ابن عباس أنه كان يقول في قوله : { وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا } أي ركعا .

وقال ابن جرير : حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا أبو أحمد الزبيري ، حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن المنهال بن عمرو ، وعن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله : { وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا } قال : ركعا{[1844]} من باب صغير .

رواه الحاكم من حديث سفيان ، به . ورواه ابن أبي حاتم من حديث سفيان ، وهو الثوري ، به{[1845]} . وزاد : فدخلوا من قبل أستاههم .

[ وقال الحسن البصري : أمروا أن يسجدوا على وجوههم حال دخولهم ، واستبعده الرازي ، وحكى عن بعضهم : أن المراد بالسجود هاهنا الخضوع لتعذر حمله على حقيقته ]{[1846]} .

وقال خصيف : قال عكرمة ، قال ابن عباس : كان الباب قبل القبلة .

وقال [ ابن عباس و ]{[1847]} مجاهد ، والسدي ، وقتادة ، والضحاك : هو باب الحطة من باب إيلياء ببيت المقدس ، [ وحكى الرازي عن بعضهم أنه عن باب جهة من جهات القرية ]{[1848]} .

وقال خَصِيف : قال عكرمة : قال ابن عباس : فدخلوا على شق ، وقال السدي ، عن أبي سعيد الأزدي ، عن أبي الكنُود ، عن عبد الله بن مسعود : وقيل لهم ادخلوا الباب سجدا ، فدخلوا مقنعي رؤوسهم ، أي : رافعي رؤوسهم خلاف ما أمروا .

وقوله : { وَقُولُوا حِطَّةٌ } قال الثوري عن الأعمش ، عن المنهال ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : { وَقُولُوا حِطَّةٌ } قال : مغفرة ، استغفروا .

وروي عن عطاء ، والحسن ، وقتادة ، والربيع بن أنس ، نحوه .

وقال الضحاك عن ابن عباس : { وَقُولُوا حِطَّةٌ } قال : قولوا : هذا الأمر حق ، كما قيل لكم .

وقال عكرمة : قولوا : لا إله إلا الله .

وقال الأوزاعي : كتب ابن عباس إلى رجل قد سماه يسأله عن قوله تعالى : { وَقُولُوا حِطَّةٌ }

فكتب إليه : أن أقروا بالذنب .

وقال الحسن وقتادة : أي احطط عنا خطايانا .

{ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنزيدُ الْمُحْسِنِينَ } هذا جواب الأمر ، أي : إذا فعلتم ما أمرناكم غفرنا لكم الخطيئات وضعفنا لكم الحسنات .

وحاصل الأمر : أنهم أمروا أن يخضعوا لله تعالى عند الفتح بالفعل والقول ، وأن يعترفوا بذنوبهم ويستغفروا منها ، والشكر على النعمة عندها والمبادرة إلى ذلك من المحبوب لله تعالى ، كما قال تعالى : { إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا } [ سورة النصر ] فسره بعض الصحابة بكثرة الذكر والاستغفار عند الفتح والنصر ، وفسره ابن عباس بأنه نُعي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أجله فيها ، وأقره على ذلك عمر [ بن الخطاب ]{[1849]} رضي الله عنه . ولا منافاة بين أن يكون قد أمر بذلك عند ذلك ، ونعي إليه روحه الكريمة أيضًا ؛ ولهذا كان عليه السلام يظهر عليه الخضوع جدًا عند النصر ، كما روي أنه كان يوم الفتح - فتح مكة - داخلا إليها من الثنية العليا ، وإنَّه الخاضع لربه حتى إن عُثْنونه ليمس مَوْرِك رحله ، يشكر الله على ذلك . ثم لما دخل البلد اغتسل وصلى ثماني ركعات وذلك ضُحى ، فقال بعضهم : هذه صلاة الضحى ، وقال آخرون : بل هي صلاة الفتح ، فاستحبوا للإمام وللأمير إذا فتح بلدًا أن يصلي فيه ثماني ركعات عند أول دخوله ، كما فعل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه لما دخل إيوان كسرى صلى فيه ثماني ركعات ، والصحيح أنه يفصل بين كل ركعتين بتسليم ؛ وقيل : يصليها كلها بتسليم واحد ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ } قال البخاري : حدثني محمد ، حدثنا{[1850]} عبد الرحمن بن مَهْدي ، عن ابن المبارك ، عن مَعْمَر ، عن هَمَّام بن مُنَبّه ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " قيل لبني إسرائيل : { ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ } فدخلوا يزحفون على أستاههم ، فبدّلوا وقالوا : حطة : حبة في شعرة " {[1851]} .

ورواه النسائي ، عن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم ، عن{[1852]} عبد الرحمن بن مهدي به موقوفا{[1853]} وعن محمد بن عبيد بن محمد ، عن ابن المبارك ببعضه مسندًا ، في قوله تعالى : { حِطَّةٌ } قال : فبدلوا . فقالوا : حبة{[1854]} {[1855]} .

وقال عبد الرزاق : أنبأنا معمر ، عن هَمَّام بن مُنَبه أنه سمع أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قال الله لبني إسرائيل : { وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ } فبدلوا ، ودخلوا الباب يزحفون على أستاههم ، فقالوا : حبة في شعرة{[1856]} " .

وهذا حديث صحيح ، رواه البخاري عن إسحاق بن نصر ، ومسلم عن محمد بن رافع . والترمذي عن عبد بن حميد ، كلهم عن عبد الرزاق ، به{[1857]} . وقال الترمذي : حسن صحيح .

وقال محمد بن إسحاق : كان تبديلهم{[1858]} كما حدثني صالح بن كيسان ، عن صالح مولى التوأمة ، عن أبي هريرة ، وعمن لا أتهم ، عن ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " دخلوا الباب - الذي أمروا أن يدخلوا فيه سجدًا - يزحفون على أستاههم ، وهم يقولون : حنطة في شعيرة " {[1859]} .

وقال أبو داود : حدثنا أحمد بن صالح ، وحدثنا سليمان بن داود ، حدثنا عبد الله بن وهب ، حدثنا هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : " قال الله لبني إسرائيل : { ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ } ثم قال أبو داود : حدثنا جعفر بن مسافر ، حدثنا ابن أبي فديك ، عن هشام بن سعد ، مثله{[1860]} {[1861]} .

هكذا رواه منفردًا به في كتاب الحروف مختصرًا .

وقال ابن مردويه : حدثنا عبد الله بن جعفر ، حدثنا إبراهيم بن مهدي ، حدثنا أحمد بن محمد بن المنذر القَزّاز ، حدثنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك ، عن{[1862]} هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان من آخر الليل ، أجَزْنا في ثنية{[1863]} يقال لها : ذات الحنظل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما مثل هذه الثنية الليلة إلا كمثل الباب الذي قال الله لبني إسرائيل : { ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ }{[1864]} .

وقال سفيان الثوري ، عن أبي إسحاق ، عن البراء : { سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ } [ البقرة : 142 ] قال اليهود : قيل لهم : ادخلوا الباب سجدًا ، قال : ركعًا ، وقولوا : حطة : أي مغفرة ، فدخلوا على

أستاههم ، وجعلوا يقولون : حنطة حمراء فيها شعيرة{[1865]} ، فذلك قول الله تعالى : { فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ } .

وقال الثوري ، عن السدي ، عن أبي سعد الأزدي ، عن أبي الكَنود ، عن ابن مسعود : { وَقُولُوا حِطَّةٌ } فقالوا : حنطة حبة حمراء فيها شعيرة{[1866]} ، فأنزل الله : { فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ }

وقال أسباط ، عن السدي ، عن مرة ، عن ابن مسعود أنه قال : إنهم قالوا : " هُطِّي سمعاتا أزبة مزبا " فهي بالعربية : حبة حنطة حمراء مثقوبة{[1867]} فيها شعرة سوداء ، فذلك قوله : { فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ }

وقال الثوري ، عن الأعمش ، عن المنهال ، عن سعيد ، عن ابن عباس في قوله : { ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا } ركعًا من باب صغير ، فدخلوا{[1868]} من قبل أستاههم ، وقالوا : حنطة ، فهو قوله تعالى : { فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ }

وهكذا روي عن عطاء ، ومجاهد ، وعكرمة ، والضحاك ، والحسن ، وقتادة ، والربيع بن أنس ، ويحيى بن رافع .

وحاصل ما ذكره المفسرون وما دل عليه السياق أنهم بدلوا أمر{[1869]} الله لهم من الخضوع بالقول والفعل ، فأمروا أن يدخلوا سجدًا ، فدخلوا يزحفون على أستاههم من قبل أستاههم رافعي رؤوسهم ، وأمروا أن يقولوا : حطة ، أي : احطط عنا ذنوبنا ، فاستهزؤوا فقالوا : حنطة في شعرة{[1870]} . وهذا في غاية ما يكون من المخالفة والمعاندة ؛ ولهذا أنزل الله بهم بأسه وعذابه بفسقهم ، وهو خروجهم عن طاعته ؛ ولهذا قال : { فَأَنزلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ }

وقال الضحاك عن ابن عباس : كل شيء في كتاب الله من " الرِّجْز " يعني به العذاب .

وهكذا روي عن مجاهد ، وأبي مالك ، والسدي ، والحسن ، وقتادة ، أنه العذاب . وقال أبو العالية : الرجز الغضب . وقال الشعبي : الرجز : إما الطاعون ، وإما البرد . وقال سعيد بن جبير : هو الطاعون .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا وَكِيع ، عن{[1871]} سفيان ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن إبراهيم بن سعد - يعني ابن أبي وقاص - عن سعد بن مالك ، وأسامة بن زيد ، وخزيمة بن ثابت ، رضي الله عنهم ، قالوا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الطاعون رجْز عذاب عُذِّب{[1872]} به من كان قبلكم " {[1873]} .

وهكذا رواه النسائي من حديث سفيان الثوري به{[1874]} . وأصل الحديث في الصحيحين من حديث حبيب بن أبي ثابت : " إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها " الحديث{[1875]} .

قال{[1876]} ابن جرير : أخبرني يونس بن عبد الأعلى ، عن ابن وهب ، عن يونس ، عن الزهري ، قال : أخبرني عامر بن سعد بن أبي وقاص ، عن أسامة بن زيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " إن هذا الوجع والسقم رجْز عُذِّب به بعض الأمم قبلكم " {[1877]} . وهذا الحديث أصله مخرَّج في الصحيحين ، من حديث الزهري ، ومن حديث مالك ، عن محمد بن المُنكَدِر ، وسالم أبي النضر ، عن عامر بن سعد ، بنحوه{[1878]} .


[1839]:في ب: "عن دخولهم".
[1840]:زيادة من جـ، ط، ب، أ، و.
[1841]:زيادة من جـ، ط، ب، أ، و.
[1842]:زيادة من جـ، ط، ب، أ، و.
[1843]:في جـ: "بلادهم".
[1844]:في جـ: "أي ركعا".
[1845]:تفسير الطبري (2/113) والمستدرك (2/262) وتفسير ابن أبي حاتم (1/182).
[1846]:زيادة من جـ، ط، ب، أ، و.
[1847]:زيادة من جـ، ط، ب، أ، و.
[1848]:زيادة من جـ، ط، ب، أ، و.
[1849]:زيادة من جـ.
[1850]:في جـ: "حدثني محمد بن".
[1851]:صحيح البخاري برقم (4479).
[1852]:في جـ، ط: "بن".
[1853]:سنن النسائي الكبرى برقم (10989).
[1854]:في جـ: "فقال حنطة".
[1855]:سنن النسائي الكبرى برقم (10990).
[1856]:في جـ، ط: "شعيرة".
[1857]:صحيح البخاري برقم (4641) وصحيح مسلم برقم (3015) وسنن الترمذي برقم (2956).
[1858]:في جـ، ط: "يتذيلهم".
[1859]:ورواه الطبراني في تفسيره (2/112) عن محمد بن إسحاق، عن صالح بن كيسان، عن أبي هريرة، عن محمد بن أبي محمد، عن سعيد أو عكرمة عن ابن عباس.
[1860]:في جـ: "بمثله".
[1861]:سنن أبي داود برقم (4006).
[1862]:في جـ: "حدثنا".
[1863]:في جـ: "ضربة".
[1864]:ورواه البزار في مسنده برقم (1812) عن إسحاق بن بهلول، عن محمد بن إسماعيل بن أبي فديك به نحوه، وقال الهيثمي في المجمع (6/144): "رجاله ثقات".
[1865]:في جـ: "شعرة".
[1866]:في جـ: "شعرة".
[1867]:في جـ: "منقوشة".
[1868]:في جـ: "يدخلون".
[1869]:في جـ: "بدلوا ما أمر".
[1870]:في جـ، أ: "شعيرة".
[1871]:في جـ: "حدثنا".
[1872]:في أ: "عذب الله".
[1873]:تفسير ابن أبي حاتم (1/186).
[1874]:سنن النسائي الكبرى برقم (7523).
[1875]:صحيح البخاري برقم (5728) وصحيح مسلم برقم (2218).
[1876]:في جـ: "وقال".
[1877]:تفسير الطبري (2/116).
[1878]:صحيح البخاري برقم (3473، 6974) وصحيح مسلم برقم (2218).
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَإِذۡ قُلۡنَا ٱدۡخُلُواْ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةَ فَكُلُواْ مِنۡهَا حَيۡثُ شِئۡتُمۡ رَغَدٗا وَٱدۡخُلُواْ ٱلۡبَابَ سُجَّدٗا وَقُولُواْ حِطَّةٞ نَّغۡفِرۡ لَكُمۡ خَطَٰيَٰكُمۡۚ وَسَنَزِيدُ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (58)

وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ ( 58 )

و { القرية } المدينة تسمى بذلك لأنها تقرت أي اجتمعت ، ومنه قريت الماء في الحوض أي جمعته( {[640]} ) ، والإشارة بهذه إلى بيت المقدس في قول الجمهور . وقيل إلى أريحا ، وهي قريب من بيت المقدس .

قال عمر بن شبة( {[641]} ) : كانت قاعدة ومسكن ملوك ، ولما خرج ذرية بني إسرائيل من التيه أمروا بدخول القرية المشار إليها ، وأما الشيوخ فماتوا فيه ، وروي أن موسى صلى الله عليه وسلم مات في التيه ، وكذلك هارون عليه السلام .

وحكى الزجاج عن بعضهم أن موسى وهارون لم يكونا في التيه( {[642]} ) لأنه عذاب ، والأول أكثر ، و { كلوا } إباحة ، وقد تقدم معنى الرغد ، وهي( {[643]} ) أرض مباركة عظيمة الغلة ، فلذلك قال { رغداً } .

و { الباب } قال مجاهد : هو باب في مدينة بيت المقدس يعرف إلى اليوم بباب حطة ، وقيل هو باب القبة التي كان يصلي إليها موسى صلى الله عليه وسلم .

وروي عن مجاهد أيضاً : أنه باب في الجبل الذي كلم عليه موسى كالفرضة( {[644]} ) .

و { سجداً } قال ابن عباس رضي الله عنه : معناه ركوعاً( {[645]} ) ، وقيل متواضعين خضوعاً لا على هيئة معينة ، والسجود يعم هذا كله لأنه التواضع ، ومنه قول الشاعر : [ الطويل ]

ترى الأكم فيه سجُّداً للحوافر( {[646]} )

وروي أن الباب خفض لهم ليقصر ويدخلوا عليه متواضعين ، و { حطة } فعلة من حط يحط ، ورفعه على خبر ابتداء ، كأنهم قالوا سؤالنا حطة لذنوبنا ، هذا تقدير الحسن بن أبي الحسن .

وقال الطبري : التقدير دخولنا الباب كما أمرنا حطة ، وقيل أمروا أن يقولوا مرفوعة على هذا اللفظ .

وقال عكرمة وغيره : أمروا أن يقولوا لا إله إلا الله لتحط بها ذنوبهم .

وقال ابن عباس : قيل لهم استغفروا وقولوا ما يحط ذنوبكم .

وقال آخرون : قيل لهم أن يقولوا هذا الأمر حق كما أعلمنا . وهذه الأقوال الثلاثة تقتضي النصب .

وقرأ إبراهيم بن أبي عبلة : «حطة » بالنصب( {[647]} ) .

وحكي عن ابن مسعود وغيره : أنهم أمروا بالسجود وأن يقولوا { حطة } فدخلوا يزحفون على أستاههم( {[648]} ) ويقولون حنطة حبة حمراء في شعرة ، ويروى غير هذا من الألفاظ .

وقرأ نافع : «يُغفر » بالياء من تحت مضمومة .

وقرأ ابن عامر : «تُغفر » بالتاء من فوق مضمومة .

وقرأ أبو بكر عن عاصم : «يَغفر » بفتح الياء على معنى يغفر الله .

وقرأ الباقون : «نغفر » بالنون .

وقرأت طائفة «تغفر » كأن الحطة( {[649]} ) تكون سبب الغفران ، والقراء السبعة على { خطاياكم } ، غير أن الكسائي كان يميلها .

وقرأ الجحدري : «تُغفر لكم خطيئتُكُمْ » بضم التاء من فوق وبرفع الخطيئة .

وقرأ الأعمش : «يغفر » بالياء من أسفل مفتوح «خطيئتَكُم » نصباً .

وقرأ قتادة مثل الجحدري ، وروي عنه أنه قرأ بالياء من أسفل مضمومة خطيئتكم رفعاً .

وقرأ الحسن البصري : «يغفر لكم خطيئاتِكم » أي يغفر الله .

وقرأ أبو حيوة : «تغفر » بالتاء من فوق مرفوعة «خطيئاتُكم » بالجمع ورفع التاء .

وحكى الأهوازي( {[650]} ) : أنه قارىء «خطأياكم » يهمز الألف الأولى وسكون الآخرة . وحكي أيضاً أنه قرىء بسكون الأولى وهمز الآخرة .

قال الفراء : خطايا جمع خطية بلا همز كهدية وهدايا ، وركية وركايا .

وقال الخليل( {[651]} ) : هو جمع خطيئة بالهمز ، وأصله خطايىء قدمت الهمزة على الياء فجاء خطائي أبدلت الياء ألفاً بدلاً لازماً فانفتحت الهمزة التي قبلها فجاء خطاءا ، همزة بين ألفين ، وهي من قبيلهما فكأنها ثلاث ألفات ، فقلبت الهمزة فجاء خطايا .

قال سيبويه : «أصله خطايىء همزت الياء كما فعل في مدائن وكتائب فاجتمعت همزتان فقلبت الثانية ياء ، ثم أعلت على ما تقدم » .

وقوله تعالى : { وسنزيد المحسنين } عدة ، المعنى إذا غفرت الخطايا بدخولكم وقولكم زيد بعد ذلك لمن أحسن ، وكان من بني إسرائيل من دخل كما أمر وقال لا إله إلا الله فقيل هم المراد ب { المحسنين } هنا .


[640]:- لأن كل مكان اتصلت به الأبنية واتخذ قرارا يسمى قرية، وتقع على المدن وغيرها.
[641]:- أبو زيد عمر بن شبه، عرف برواية النوادر والأخيار، وصنف تاريخ البصرة، وروى القراءة عن عاصم، وعن جبلة بن مالك- توفي سنة 263هـ. وفيات الأعيان 3/114.
[642]:- قال في (خ) ظاهر قوله تعالى [فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين] يقوي ما قاله الزجاج رحمه الله، وهكذا قال الإمام الفخر رحمه الله.
[643]:- أي: القرية: أو أرض كنعان.
[644]:- فرضة الجبل ما انحدر في وسطه وجانبه.
[645]:- السجود إما أن يراد به الصلاة فيكون السجود كناية عنها- وإما أن يراد به الخضوع والتواضع شكرا لله تعالى.
[646]:- تقدم هذا البيت عن قوله تعالى: [وإذ قلنا للملائكة استجدوا لآدم] الآية، والأكم الجبال الصغار، جعلها تسجد للحوافر لقهر الحوافر إياها، ولكونها لا تمتنع عليها.
[647]:- قال جارالله الزمخشري: الأصل في هذه الكلمة: النص، بمعنى: حط عنا ذنوبنا حطة، وإنما وقعت لتعطي معنى الثبات، قال أبو (ح): وهو حسن، ويؤكده قراءة إبراهيم بن أبي عبلة بالنصب كما روي- ثم إن الأول لأن الذي يناسب تعليق الغفران علبه هو سؤال حط الذنوب لا غير من التقديرات.
[648]:- ثبت في صحيح البخاري ومسلم أنهم دخلوا الباب يزحفون على أستاههم، وأنهم قالوا: حبة في شعرة، فوجب المصير إلى تفسير النبي صلى الله عليه وسلم، واطرح ما سواه من الأقوال.
[649]:- أي مقالتها لا لفظها، ومن المعلوم أن المقالة المذكورة سبب في الغفران.
[650]:- أبو علي الحسن بن علي بن إبراهيم الأهوازي، إمام، محدث. توفي سنة446هـ.
[651]:- هذا يتطلب أربعة أعمال على رأي الخليل: خطائىء – ثم خطائي – ثم خطاءا- ثم خطايا- وعلى ما لسيبويه خمسة أعمال: خطايئ – ثم خطائيْ بهمز الياء- ثم خطائي- ثم خطاءا- ثم خطايا- والحاصل أنهما متفقان أصلا ومختلفان عملا.