المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِيَذَرَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ عَلَىٰ مَآ أَنتُمۡ عَلَيۡهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ ٱلۡخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِۗ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُطۡلِعَكُمۡ عَلَى ٱلۡغَيۡبِ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَجۡتَبِي مِن رُّسُلِهِۦ مَن يَشَآءُۖ فَـَٔامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦۚ وَإِن تُؤۡمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمۡ أَجۡرٌ عَظِيمٞ} (179)

179- ما كان اللَّه ليترككم - يا معشر المؤمنين - على ما أنتم عليه من اختلاط المؤمن بالمنافق ، حتى يميز بينكم بالمحنة والتكليف لتروا المنافق الخبيث والمؤمن الطيب ، ولم تجر سنة اللَّه بإطلاع أحد من خلقه على شيء من غيبه ، ولكن اللَّه يصطفي من يشاء بإطلاعه على ما يشاء من غيبه ، وإن تؤمنوا وتتقوا ربكم بالتزام طاعته يدخلكم الجنة جزاء ، ونعم الجزاء إذ هي جزاء عظيم .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِيَذَرَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ عَلَىٰ مَآ أَنتُمۡ عَلَيۡهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ ٱلۡخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِۗ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُطۡلِعَكُمۡ عَلَى ٱلۡغَيۡبِ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَجۡتَبِي مِن رُّسُلِهِۦ مَن يَشَآءُۖ فَـَٔامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦۚ وَإِن تُؤۡمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمۡ أَجۡرٌ عَظِيمٞ} (179)

{ مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ }

أي : ما كان في حكمة الله أن يترك المؤمنين على ما أنتم عليه من الاختلاط وعدم التميز{[177]}  حتى يميز الخبيث من الطيب ، والمؤمن من المنافق ، والصادق من الكاذب .

ولم يكن في حكمته أيضا أن يطلع عباده على الغيب الذي يعلمه من عباده ، فاقتضت حكمته الباهرة أن يبتلي عباده ، ويفتنهم بما به يتميز الخبيث من الطيب ، من أنواع الابتلاء والامتحان ، فأرسل [ الله ] رسله ، وأمر بطاعتهم ، والانقياد لهم ، والإيمان بهم ، ووعدهم على الإيمان والتقوى الأجر العظيم .

فانقسم الناس بحسب اتباعهم للرسل قسمين : مطيعين وعاصين ، ومؤمنين ومنافقين ، ومسلمين وكافرين ، ليرتب على ذلك الثواب والعقاب ، وليظهر عدله وفضله ، وحكمته لخلقه .


[177]:- في ب: التمييز.
 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِيَذَرَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ عَلَىٰ مَآ أَنتُمۡ عَلَيۡهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ ٱلۡخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِۗ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُطۡلِعَكُمۡ عَلَى ٱلۡغَيۡبِ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَجۡتَبِي مِن رُّسُلِهِۦ مَن يَشَآءُۖ فَـَٔامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦۚ وَإِن تُؤۡمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمۡ أَجۡرٌ عَظِيمٞ} (179)

ثم قال تعالى : { مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ } أي : لا بُد أن يعقد سببا من المحنة ، يظهر فيه وليه ، ويفتضح فيه عدوه . يُعرف به المؤمن الصابر ، والمنافق الفاجر . يعني بذلك يوم أحد الذي امتحن به المؤمنين ، فظهر به إيمانهم وصبرهم وجلدهم [ وثباتهم ]{[6250]} وطاعتهم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، وهتك به ستر المنافقين ، فظهر مخالفتهم ونُكُولهم عن الجهاد وخيانتهم لله ولرسوله [ صلى الله عليه وسلم ] {[6251]} ولهذا قال : { مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ } .

قال مجاهد : ميّز بينهم يوم أحد . وقال قتادة : مَيَّزَ بينهم بالجهاد والهجرة . وقال السُّدِّي : قالوا : إنْ كان محمد صادقا فَلْيُخْبِرنا عَمّن يؤمن به منا ومن يَكْفُر . فأنزل الله : { مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى [ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ } أي : حتى ]{[6252]} يُخْرج المؤمن من الكافر . روى ذلك كلَّه ابنُ جرير :

ثم قال : { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ } أي : أنتم لا تعلمون غيبَ الله في خلقه حتى يُميز{[6253]} لكم المؤمن من المنافق ، لولا ما يعقده{[6254]} من الأسباب الكاشفة عن ذلك .

ثم قال : { وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ } كقوله { عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا } [ الجن : 26 ، 27 ] .

ثم قال : { فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ } أي : أطيعوا الله ورسوله واتبعوه فيما شرع{[6255]} لكم { وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ } .


[6250]:زيادة من ر، أ، و.
[6251]:زيادة من و.
[6252]:زيادة من جـ.
[6253]:في ر، و: "يتميز".
[6254]:في ر: "يعتقدوه".
[6255]:في ر، أ، و: "شرعه".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِيَذَرَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ عَلَىٰ مَآ أَنتُمۡ عَلَيۡهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ ٱلۡخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِۗ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُطۡلِعَكُمۡ عَلَى ٱلۡغَيۡبِ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَجۡتَبِي مِن رُّسُلِهِۦ مَن يَشَآءُۖ فَـَٔامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦۚ وَإِن تُؤۡمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمۡ أَجۡرٌ عَظِيمٞ} (179)

{ ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب } الخطاب لعامة المخلصين والمنافقين في عصره ، والمعنى لا يترككم مختلطين لا يعرف مخلصكم من منافقكم حتى يميز المنافق من المخلص بالوحي إلى نبيه بأحوالكم ، أو بالتكاليف الشاقة التي لا يصبر عليها ولا يذعن لها إلا الخلص المخلصون منكم ، كبذل الأموال والأنفس في سبيل الله ، ليختبر النبي به بواطنكم ويستدل به على عقائدكم . وقرأ حمزة والكسائي { حتى يميز } ، هنا وفي " الأنفال " بضم الياء وفتح الميم وكسر الياء وتشديدها والباقون بفتح الياء وكسر الميم وسكون الياء . { وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء } وما كان الله ليؤتي أحدكم علم الغيب فيطلع على ما في القلوب من كفر وإيمان ، ولكن الله يجتبي لرسالته من يشاء فيوحي إليه ويخبره ببعض المغيبات ، أو ينصب له ما يدل عليها . { فآمنوا بالله ورسله } بصفة الإخلاص ، أو بأن تعلموه وحده مطلعا على الغيب وتعلموهم عبادا مجتبين لا يعلمون إلا ما علمهم الله ولا يقولون إلا ما أوحي إليهم روي ( أن الكفرة قالوا : إن كان محمد صادقا فليخبرنا من يؤمن منا ومن يكفر ) فنزلت . عن السدي أنه عليه الصلاة والسلام قال : " عرضت علي أمتي وأعلمت من يؤمن بي ومن يكفر " . فقال المنافقون إن يزعم أنه يعرف من يؤمن به ومن يكفر . ونحن معه ولا يعرفنا فنزلت . { وإن تؤمنوا } حق الإيمان . { وتتقوا } النفاق . { فلكم أجر عظيم } لا يقادر قدره .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِيَذَرَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ عَلَىٰ مَآ أَنتُمۡ عَلَيۡهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ ٱلۡخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِۗ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُطۡلِعَكُمۡ عَلَى ٱلۡغَيۡبِ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَجۡتَبِي مِن رُّسُلِهِۦ مَن يَشَآءُۖ فَـَٔامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦۚ وَإِن تُؤۡمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمۡ أَجۡرٌ عَظِيمٞ} (179)

استئناف ابتدائي ، وهو رجوع إلى بيان ما في مصيبة المسلمين من الهزيمة يوم أُحُد من الحِكم النافعة دُنيا وأخرى ، فهو عود إلى الغرض المذكور في قوله تعالى : { وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين } [ آل عمران : 166 ] بيّن هنا أنّ الله لم يرد دوام اللبس في حال المؤمنين والمنافقين واختلاطهم ، فقدّر ذلك زماناً كانت الحكمة في مثله تقتضي بقاءه وذلك أيّام ضعف المؤمنين عقب هجرتهم وشدّة حاجتهم إلى الاقتناع من الناس بحسن الظاهر حتّى لا يبدأ الانشقاق من أوّل أيّام الهجرة ، فلمّا استقرّ الإيمان في النفوس ، وقرّ للمؤمنين الخالصين المُقام في أمْن ، أراد الله تعالى تنهية الاختلاط وأن يميز الخبيث من الطيّب وكان المنافقون يكتمون نفاقهم لمَّا رأوا أمر المؤمنين في إقبال ، ورأوا انتصارهم يوم بدر ، فأراد الله أن يفضحهم ويظهر نفاقهم ، بأن أصاب المؤمنين بقَرح الهزيمة حتّى أظهر المنافقون فرحهم بنصرة المشركين ، وسجّل الله عليهم نفاقهم بادياً للعيان كما قال :

جَزَى الله المصائبَ كلّ خير *** عرفتُ بها عدوّي من صديقي

ومَا صَدْقُ { ما أنتم عليه } هو اشتباه المؤمن والمنافق في ظاهر الحال .

وحَرْفَا ( على ) الأوّلُ والثاني ، في قوله : { ما أنتم عليه } للاستعلاء المجازي ، وهو التمكّن من معنى مجرورها ويتبيّن الوصف المبهم في الصلة بما وردَ بعد ( حتَّى ) من قوله : { على ما أنتم عليه } ، فيعْلم أنّ ما هُم عليه هو عدمُ التمييز بين الخبيث والطيّب .

ومعنى { ما كان الله ليذر المؤمنين } نفي هذا عن أن يكون مراداً لله نفياً مؤكَّداً بلام الجُحود ، وقد تقدّم نظيره في قوله تعالى : { ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب } [ آل عمران : 79 ] إلخ . . .

فقوله : { على ما أنتم عليه } أي من اختلاط المؤمن الخالص والمنافق ، فالضمير في قوله : { أنتم عليه } مخاطب به المسلمون كلّهم باعتبار من فيهم من المنافقين .

والمراد بالمؤمنين المؤمنون الخُلَّص من النفاق ، ولذلك عبّر عنهم بالمؤمنين ، وغيّر الأسلوب لأجل ذلك ، فلم يقل : ليذركم على ما أنتم عليه تنبيهاً على أنّ المراد بضمير الخطاب أكثر من المراد بلفظ المؤمنين ، ولذلك لم يقل على ما هم عليه .

وقوله : { حتى يميز الخبيث من الطيب } غاية للجحود المستفاد من قوله : { ما كان الله ليذر } المفيد أنّ هذا الوَذْر لا تتعلّق به إرادة الله بعد وقت الإخبار ولا واقعاً منه تعالى إلى أن يحصل تمييز الخبيث من الطيّب ، فإذا حصل تمييز الخبيث من الطّيب صار هذا الوذر ممكناً ، فقد تتعلّق الإرادة بحصوله وبعدم حصوله ، ومعناه رجوع إلى حال الاختيار بعد الإعلام بحالة الاستحالة .

ولحتّى استعمال خاصّ بعد نفي الجحود ، فمعناها تنهية الاستحالة : ذلك أنّ الجحود أخصّ من النفي لأنّ أصل وضع الصيغة الدلالة على أنّ ما بعد لام الجحود مناف لحقيقة اسم كان المنفية ، فيكون حصوله كالمستحيل ، فإذا غيّاه المتكلّم بغاية كانت تلك الغاية غاية للاستحالة المستفادة من الجحود ، وليست غاية للنفي حتّى يكون مفهومها أنّه بعد حصول الغاية يثبت ما كان منفياً ، وهذا كلّه لمح لأصل وضع صيغة الجحود من الدلالة على مبالغة النفي لا لغلبة استعمالها في معنى مطلق النفي ، وقد أهمل التنبيه على إشكال الغاية هنا صاحب « الكشاف » ومتابعوه ، وتنّبه لها أبو حيّان ، فاستشكلها حتّى اضطرّ إلى تأوّل النفي بالإثبات ، فجعل التقدير : إنّ الله يخلّص بينكم بالامتحان ، حتّى يميز .

وأخذ هذا التأويل من كلام ابنِ عطية ، ولا حاجة إليه على أنّه يمكن أن يتأوّل تأويلاً أحسن ، وهو أن يجعل مفهوم الغاية معطّلاً لوجود قرينة على عدم إرادة المفهوم ، ولكن فيما ذكرته وضوح وتوقيف على استعمال عربيّ رشيق .

و ( مِنْ ) في قوله : { من الطيب } معناها الفصْل أي فصل أحد الضدين من الآخر ، وهو معنى أثبته ابن مالك وبحث فيه صاحب « مغني اللبيب » ، ومنه قوله تعالى : { واللَّه يعلم المفسد من المصلح } وقد تقدّم القول فيه عند قوله تعالى : { واللَّه يعلم المفسد من المصلح } في سورة [ البقرة : 220 ] .

وقيل : الخطاب بضمير { ما أنتم } للكفار ، أي : لا يترك الله المؤمنين جاهلين بأحوالكم من النفاق .

وقرأ الجمهور : يَميز بفتح ياء المضارعة وكسر الميم وياء تحتية بعدها ساكنة من ماز يميز ، وقرأه حمزة ، والكسائي ويعقوب ، وخَلَف بضمّ ياء المضارعة وفتح الميم وياء بعدها مشدّدة مكسورة من ميَّز مضاعف ماز .

وقوله : { وما كان الله ليطلعكم } عطف على قوله : { ما كان الله ليذر } يعني أنّه أراد أن يميز لكم الخبيث فتعرفوا أعداءكم ، ولم يكن من شأن الله إطلاعكم على الغيب ، فلذلك جعل أسباباً من شأنها أن تستفزّ أعداءكم فيظهروا لكم العداوة فتطلّعوا عليهم ، وإنّما قال : { وما كان الله ليطلعكم على الغيب } لأنّه تعالى جعل نظام هذا العالم مؤسّساً على استفادة المسبّبات من أسبابها ، والنتائج من مقدّماتها .

وقوله : { ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء } يجوز أنّه استدراك على ما أفاده قوله : { وما كان الله ليطلعكم على الغيب } حتّى لا يجعله المنافقون حجّة على المؤمنين . في نفي الوحي والرسالة ، فيكون المعنى : وما كان الله ليطلعكم على الغيب إلاّ ما أطلع عليه رسوله ومن شأن الرسول أن لا يفشي ما أسرّه الله إليه كقوله : { عالم الغيب فلا يظهر على غيبة أحد إلا من ارتضى من رسول } [ الجن : 26 ، 27 ] الآية ، فيكون كاستثناء من عموم { ليطلعكم } . ويجوز أنّه استدراك على ما يفيده { وما كان الله ليطلعكم على الغيب } من انتفاء اطّلاع أحد على علم الله تعالى فيكون كاستثناء من مفاد الغيب أي : إلاّ الغيب الراجع الى إبلاغ الشريعة ، وأمّا ما عداه فلم يضمن الله لرسله إطلاعهم عليه بل قد يطلعهم ، وقد لا يطلعهم ، قال تعالى :

{ وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعملهم } [ الأنفال : 60 ] .

وقوله : { فآمنوا بالله ورسله } إن كان خطاباً للمؤمنين فالمقصود منه الإيمان الخاصّ ، وهو التصديق بأنّهم لا ينطقون عن الهوى ، وبأنّ وعد الله لا يخلف ، فعليهم الطاعة في الحرب وغيره أو أريد الدوام على الإيمان ، لأنّ الحالة المتحدّث عنها قد يتوقع منها تزلزل إيمان الضعفاء ورواج شبه المنافقين ، وموقع { وإن تؤمنوا وتتقوا } ظاهر على الوجهين ، وإن كان قوله : { فآمنوا } خطاباً للكفار من المنافقين بناء على أنّ الخطاب في قوله : { على ما أنتم عليه } وقوله : { ليطلعكم على الغيب } للكفّار فالأمر بالإيمان ظاهر ، ومناسبة تفريعه عمّا تقدّم انتهاز فرص الدعوة حيثما تأتّت .