فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِيَذَرَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ عَلَىٰ مَآ أَنتُمۡ عَلَيۡهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ ٱلۡخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِۗ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُطۡلِعَكُمۡ عَلَى ٱلۡغَيۡبِ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَجۡتَبِي مِن رُّسُلِهِۦ مَن يَشَآءُۖ فَـَٔامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦۚ وَإِن تُؤۡمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمۡ أَجۡرٌ عَظِيمٞ} (179)

{ ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب } قال مجاهد : ميز بينهم يوم أحد وقال قتادة : ميز بينهم بالجهاد والهجرة والحق أنها سنة من سنن مولانا الحكيم – تقدست أسماؤه فهو يقول { أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون }{[1232]} وهي سنة لا تبدل فيها ولا تحول تمضي في الآخرين كما مضت في الأولين ، { ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين }{[1233]} وقال تباركت آلاؤه { أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة والله خبير بما تعملون }{[1234]} ، وقال جل ثناؤه { أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب }{[1235]} – أي لابد أن يعقد شيئا من المحنة ، يظهر فيه وليه ويفضح به عدوه يعرف به المؤمن الصابر والمنافق الفاجر ، يعني بذلك يوم أحد الذي امتحن الله به المؤمنين فظهر به صبرهم وجلدهم وثباتهم وطاعتهم لله ولرسوله وهتك به ستار المنافقين فظهر مخالفتهم ونكولهم عن الجهاد وخيانتهم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم{[1236]} . وروى ابن جرير : حتى يخرج المؤمن من الكافر . قال أبو معاذ : مزت الشيء أميزه ميزا إذا فرقت بين شيئين فإن كانت أشياء قلت ميزتها تمييزا . { وما كان الله ليطلعكم على الغيب } [ أي ما كان الله ليعين لكم المنافقين حتى تعرفوهم ولكن يظهر ذلك لكم بالتكليف والمحنة وقد ظهر ذلك في يوم أحد فإن المنافقين تخلفوا وأظهروا الشماتة فما كنتم تعرفون هذا الغيب قبل هذا ، فالآن قد أطلع الله نبيه محمدا عليه الصلاة والسلام وصحبه على ذلك ، وقيل معنى { ليطلعكم } أي وما كان ليعلمكم ما يكون منهم . . . ؛ { ولكن الله يجتبي }أي يختار { من رسله } لاطلاع غيبه { من يشاء } ]{[1237]} . { فآمنوا بالله ورسوله وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم } نقل عن الكلبي فقال : قالت قريش تزعم يا محمد أن من خالفك فهو في النار والله عليه غضبان وأن من اتبعك على دينك فهو من أهل الجنة والله عنه راض ، فأخبرنا بمن يؤمن بك ومن لا يؤمن بك فنزلت ، فعلى هذا يكون الخطاب موجها إلى من ظلوا على كفرهم ، لكن الخطاب كان في أول الآية مع المؤمنين ، فإذا راعينا السياق فيمكن أن يكون المعنى آمنوا الإيمان الخالص واثبتوا على هذا اليقين معشر المؤمنين ، فإن أهل التصديق الراسخ ، والتقوى التي تملأ القلوب فتفيض على الجوارح أعد الله تعالى لهم الجزاء الأوفى ، والثواب الأبقى .


[1232]:سورة العنكبوت الآية 2.
[1233]:سورة العنكبوت الآية 3.
[1234]:سورة التوبة الآية 16.
[1235]:سورة البقرة الآية 214.
[1236]:من تفسير القرآن العظيم.
[1237]:ما بين العلامتين [] من الجامع لأحكام القرآن.