تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِيَذَرَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ عَلَىٰ مَآ أَنتُمۡ عَلَيۡهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ ٱلۡخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِۗ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُطۡلِعَكُمۡ عَلَى ٱلۡغَيۡبِ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَجۡتَبِي مِن رُّسُلِهِۦ مَن يَشَآءُۖ فَـَٔامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦۚ وَإِن تُؤۡمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمۡ أَجۡرٌ عَظِيمٞ} (179)

الآية 179 وقوله تعالى : { ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب } قيل فيه بوجوه/ قيل : لا يترك الله المؤمنين على ( ما ) {[4636]} أنتم عليه أيها المنافقون ولكن يمتحنكم بالجهاد وبأنواع المحن ليظهر المنافق لهم من المؤمن وقيل : ليظهر الكافر لهم من المؤمن المصدق وقيل فيه بوجه آخر : وذلك أن المنافقين كانوا يطعنون أصحاب{[4637]} رسول الله صلى الله عليه وسلم ويستهزءون بأنواع المحن ليفتضحوا وليظهر نفاقكم عندهم ويحتمل وجها آخر وهو أن قوله { ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب } أي لا يدع { المؤمنين على ما أنتم عليه } من النفاق والكفر في دار واحدة ولكن يجعل لكم دارا أخرى يميز بها الخبيث من الطيب ، يجعل الخبيث في النار والطيب في الجنة كقوله تعالى : { ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيكرمه جميعا فيجعله في جهنم } الآية ( الأنفال 37 ) .

وقوله تعالى : { وما كان الله ليطلعكم على الغيب } قيل فيه بوجهين : قيل إنهم كانوا يقولون : لا نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي الأنبياء كقولهم : { لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله } ( الأنعام 124 ) ومثل قوله : { بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منتشرة } ( المدثر 52-53 ) فعلى ذلك قوله : { وما كان الله ليطلعكم على الغيب } إلا من اجتباه لوحيه وجعله موضعا لرسالته أي لا يجعلكم رسلا عن علم إلا{[4638]} من آيات رسالته والله أعلم .

وقيل : إن الشياطين كانوا يصعدون إلى السماء فيسترقون فيأتون بأخبارها إلى الكهنة قبل أن يبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم عن الكهنة يخبرون بها غيرهم من الكفرة فأنزل الله عز وجل : { وما كان ليطلعكم على الغيب } بعد ما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم نبينا كما كنتم تطلعون على أخبار السماء قبل بعثه { ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء } أي يصطفي من يشاء فيجعله رسولا فيوحي إليه ذلك أي ليس الوحي من السماء إلى غير الأنبياء سبحانه وتعالى ويحتمل{[4639]} قوله تعالى : { يجتبي منم رسله من يشاء } أي لا يطلع أحدا منكم على الغيب إلا من اجتباه منكم لرسالته{[4640]} ويحتمل قوله : يجتبي من رسله من يشاء } أي ينسخ شرائعه وأحكامه برسول آخر نحو ما بين موسى إلى عيسى عليه السلام إن كان في ما بينهما نبي ، لم يجعل له أحكاما{[4641]} سوى أحكام موسى عليه السلام أبقى تلك الأحكام والشرائع وكذلك ما بين عيسى إلى محمد عليه السلام فاجتبى هؤلاء لإبقاء شرائعهم وأحكامهم والله أعلم .

وقوله تعالى : { فآمنوا بالله ورسله } ظاهر { وإن تؤمنوا } برسله كلهم { وتتقوا } المعاصي { فلكم أجر عظيم } ويحتمل { وإن تؤمنوا وتتقوا } { فلكم ( أجر عظيم } ){[4642]} .


[4636]:من م ساقطة من الأصل
[4637]:في الأصل و م: لأصحاب.
[4638]:في الأصل و م: إنه.
[4639]:الواو ساقطة من الأصل و م.
[4640]:من م في الأصل: برسالته.
[4641]:في الأصل و م: أحكام.
[4642]:من م في الأصل كذا.